ربط أحكام المعاملات المالية بمنظومة الأخلاق الإسلامية
ربط أحكام المعاملات المالية بمنظومة الأخلاق الإسلامية
ومن حكمة الله عز وجل أن ربط الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات المالية بمنظومة الأخلاق الإسلامية الرفيعة؛ فمن تأمل الشريعة وجد أن المعاملات فيها على أقسام:
أ- معاملات يجب أن تبذل مجانًا؛ لحفظ الحدّ الأدنى من جميل الأخلاق بين المسلمين، ودفع الحاجة الملحّة عنهم؛ كالشهادة المتعينة والضيافة،[1] كمعنى أساسي في أخوة المسلمين، ومن ذلك أيضًا: بذل فضل الماء والكلأ والنار؛ لأنها أموالٌ لا يستغني عنها أحد، وبها قوام الحياة،[2] وبذل الماعون، من كل ما يحتاجه الناس، ولا يضر مالكه بذله، ولا ينقص بالبذل؛ كالقدر والدلو والحبل؛ لأن منعها شحٌ محضٌ، لا تأتي به الشريعة[3].
ب- معاملات يستحب أن تُبذل؛ فإذا طابت نفس باذلها ببذلها وجب دفعها مجاناً، وتدور في جملتها حول تنفيس المسلم عن أخيه؛ كالقرض، والكفالة، والشفاعة؛ لئلا يتاجر المسلم بحاجة أخيه الملحّة، فتفسد الأخلاق، وتنقطع الموالاة بين المسلم وأخيه[4].
قال القرافي – وهو يتحدث عن القرض، في الفرق بين قاعدة القرض وقاعدة البيع -: “فلذلك متى خرج عن باب المعروف امتنع؛ إما لتحصيل منفعة المقرض، أو لتردده بين الثمن والسلف؛ لعدم تعين المعروف، مع تعين المحذور، وهو مخالفة القواعد”[5].
ج- معاملات تجوز المعاوضة فيها، فإذا عاوض وجب أن لا يزيد العوض عن المثل؛ كبيع الأموال الربوية المتماثلة؛ من الأقوات والأثمان التي بها قوام معاش الناس واقتصادهم.
د- معاملات تجوز المعاوضة فيها مطلقًا، متى ما تراضى العاقدان، وتُندب فيها السماحة والتيسير؛ كبيوع الأموال غير الربوية، والإجارات، ونحوهما المشاركات.
[1] ينظر: الذخيرة، للقرافي، (4/ 180)، تكملة المجموع، للسبكي، (13/ 103)، كشاف القناع، للبهوتي، (6/ 357).
[2] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (23/ 164)، الذخيرة، للقرافي، (6/ 169)، البيان، للعمراني، (7/ 503)، المغني، لابن قدامة، (4/ 203).
[3] ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي، (7/ 115)، المغني، لابن قدامة، (5/ 163)، المحلى، لابن حزم، (9/ 168).
[4] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (7/ 395)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (3/ 82)، شرعية المعاملات التي تقوم بها البنوك الإسلامية المعاصرة، لعبد الرحمن عبد الخالق، ص (110)، النظام المصرفي الإسلامي، لرفيق المصري، ص (31).
[5] الفروق، (4/3).