رمضان وما أدراك ما رمضان!


رمضان وما أدراك ما رمضان!

 

رمضان وما أدراك ما رمضان! نعم ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقد (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ) ومنها (صَوْم رَمَضانَ) فقد فرض الله علينا صيامه ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185].

 

أمَّا الهدف الأسمى من فرض الصيام فجاء في قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ إذن فليس الهدف المشقَّة؛ بل﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فـ(قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ نَصُومَ هذا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ).

 

ومن عِظَم رمضان أنَّ (مَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) و(مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، (والصِّيَامُ جُنَّة)؛ أي: وقاية، وأيضًا اختصَّ الله سبحانه وتعالى بالصيام فـ(قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إِلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به) كما أن خلوف (فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ) وحثَّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن نجعل يوم صومك مختلفًا فإذا (كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ) وليكن شعارك مع سيِّئي الأخلاق (إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).

 

ولأن (الصِّيَام جُنَّةٌ) فهو طوق للنجاة من بحر فتن الشهوات التي تحدق بالشباب من كل حدب وصوب، فمن خشِيَ الغرق في بحار الشهوات ومصارعة أمواجها العاتية، وعجز عن تحصين نفسه بالزواج (فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ) وهاك الوصية كاملة من الرحمة المهداة والتي يقول فيها: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).

 

و(إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ) حيث إنَّ رمضان يُسهِّل على المسلم سلوك طريق الجنَّة، وما أكثرها! كقيام الليل والذكر والدعاء وقراءة القرآن والجود وغيرها، أما سُبُل النار والوقوع في المعاصي فيقل داعيها؛ لأنه (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ)، فهو مدرسة للإكثار من الطاعات والثبات عليها، والبُعْد عن السيئات والتوبة منها؛ لأن ألدَّ أعدائك ومن يقطعون عليك الطريق إلى الله صُفِّدوا؛ حيث إنَّه إذا أهلَّ رمضان (صُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).

 

وبقدوم رمضان يفرح الصغير قبل الكبير، ويبتهج المسلمون وتسمو أنفسهم، وتنشرح صدورُهم، فرمضان شهر الفرح والسرور (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ) فكل يوم أنت مع موعد للفرح، وفي الآخرة الفرح الأكبر والدائم بمُلاقاة عملك وحصاد زرعك؛ إذن فخيرات رمضان تبدأ في الدنيا وتستمر إلى الدار الأخرى؛ بل (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ) سبحان الله! الأعمال الصالحة كثيرة وأبواب الجنة ثمانية؛ ولكن الصائمون لهم باب خاص بهم.

 

ومن بركات الصيام أنك تستطيع أن تضيف أجورَ صائمين إلى رصيدك من غير أن تنقص أجورهم فـ(مَن فطَّر صائِمًا، كان له مثلُ أَجْرِهِ غيرَ أنَّه لا ينقُصُ من أجرِ الصائِمِ شيءٌ) ما هذا الجود؟! تجود على أخيك فيجود عليك الكريم بمثل حسناته، قدمت قليلًا وأُعطيتَ كثيرًا؛ لأنك تتعامل مع الجواد الكريم سبحانه.

 

وبما أن رمضان شهر الجود، وربنا جواد كريم؛ فإن (للَّهِ عتقاء منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ) كل ليلة يتفضَّل ربنا جل وعلا بتحريم النار على طائفة من عباده، فمن اختاره اللطيف منهم ﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71] وحاز السعادة التي لا شقاء بعدها.

 

وما يُذكر رمضان حتى يُشفع بِذكْر القرآن، ولا عجب، فقد قال الله: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185] أمَّا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان له مع القرآن في رمضان شأن آخر، فهو يتدارسه كل ليلة، ومع مَن؟ مع أمين السماء والذي نزل به على قلبه فقد كان (يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ) فهل نفعل ذلك في ليالي رمضان؟

 

ومع تقدم رمضان وانصرام أيامه ولياليه يزداد الخير، وتكثر الهِبات، وتتوالى العطايا، فما أن تدخل العشر حتى ينتشي رمضان بحُلَّة جديدة؛ ولذلك (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ) فالمصطفى المختار عليه الصلاة والسلام، حياته كلها جهاد واجتهاد، فإذا أقبل رمضان ازداد اجتهادًا فـ (إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ)؛ أي: إنه (يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ) ومن اجتهاده أيضًا أنه كان (يعتَكفُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ).

 

رمضان والقرآن وليلة القدر بينها روابط، فإذا ذكر أحدها ذكر الآخرَيْن، وقد تكلمنا عن رمضان والقرآن وبقي الحديث عن الجائزة الكبرى، والعطيَّة الفُضْلى، وأعظم منحة للمولى، فالقرآن نزل في هذه الليلة ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وفي ليلة القدر نزلت سورة كاملة تخبرنا بعظمها وفضلها، وأنها ﴿ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]، وكفى بذلك منزلةً؛ ولذا حثَّنا صلى الله عليه وسلم على تحرِّيها، فقال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ) وأنَّ (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) فاللهَ اللهَ ألَّا نُفوِّت تلك الليلة؛ لأن (من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ).

 

فالحمد لله على رمضان، وعلى الصيام والقيام والقرآن، هذا هو رمضان حيث (يُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ، أقْبِلْ، ويا باغيَ الشرِّ، أقْصرْ).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
ما الصراط المستقيم؟
ثنائيات أحكام الصيام