زاد الداعية (3)
زاد الداعية (3)
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: “اغْدُ عالمًا، أو متعلِّمًا، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بين ذلك”؛ [مشكل الآثار (15 /407)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن].
وفي الباب آثار أخرى عن النبي لم تصحَّ إليه؛ قال أبو جعفر الطحاوي بإسناده إلى أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغْدُ عالمًا، أو متعلمًا، أو مُحِبًّا، أو مُستمِعًا، ولا تَكُنِ الخامسَ فتهلِك))، قال مسعر بن كدام: هذه خامسة، زادنا الله لم تكن في أيدينا، إنما كان في أيدينا: ((اغْدُ عالمًا، أو متعلمًا، أو مستمعًا، ولا تكُنِ الرابع فتهلِك))، يا عطاء، ويل لمن لم يكن فيه واحدة من هذه، قال ابن مسعود: كنا ندعو الإمعة في الجاهلية الذي يُدعَى إلى الطعام فيذهب معه بآخر، وهو فيكم الْمُحْقِبُ دينَه الرجالَ، الذي يمنح دينَه غيرَه فيما ينتفع به ذلك الغير في دنياه، ويبقى إثمُهُ عليه، وقد ذكر لنا ذلك علي بن عبدالعزيز، عن أبي عبيد في حديث عبدالله قال: الإمعة الذي يقول: أنا مع الناس؛ يعني: يُتابع كلَّ أحدٍ على رأيه، ولا يثبُت على شيء، فكان هذا ما وصفنا منه للذي يكون كذلك، لا وصفَ فيه للذي يجرُّه إلى ذلك، والقوم يلعنهم، والله الموفق”؛ [انتهى من مشكل الآثار باختصار].
فتلخَّص من ذلك أن “الإمعة هو المقلِّد للآخرين دون وعيٍ شرعيٍّ؛ فالإمَّعَةُ هو الذي لا رأي له، ولا عزم؛ فهو يتابع كل أحد على رأيه، ولا يثبت على شيء”؛ [الدرر السنية].
قال ابن القيم: “وإذا كانت الدعوةُ إلى الله أشرفَ مقامات العبد وأجلَّها وأفضلها، فهي لا تحصُل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حدٍّ أقصى يصل إليه السعي، ويكفي هذا في شرف العلم أن صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يُؤتي فضله من يشاء”؛ [التفسير القيم].
فسلاح الداعية هو العلم بما يدعو إليه؛ حتى لا يقول على الله بغير علم، فالقول على الله بغير علم من عظائم الأمور: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].
ومن مضى في طريق الدعوة بغير علمٍ، أفسَدَ أكثرَ مما يصلح، ولم يستطع أن يرُدَّ شبهات أعداء الإسلام التي تفتك بالمسلمين الآن، وتحيط بهم في كل مكان.
والناس في هذا طَرَفانِ ووسطٌ؛ فأما الطرفان، فأحدهما يظل سنواتٍ طوالًا يطلب العلم، ولا يبلِّغ الناس، بحجة أنه يريد الوصول إلى الأهلية، والثاني يُقبِل على تعليم الناس دون أن يُتقِنَ المسائل التي سيتكلم فيها، بحُجَّة أن الجهل منتشر، والوسط هو الذي يجتهد في التعلُّم ويترقَّى فيه، ولكنه يبلِّغ مع تعلُّمه ما أتقَنَهُ حتى يسُدَّ الخَلَلَ، فإذا سُئِل عما لا يعلم قال: لا أدري، وسعى في تعلُّمِهِ، فيكون بذلك عالمًا متعلمًا.