زوجي يهجرني في الفراش
♦ الملخص:
امرأة متزوجة، أم لأطفال ثلاثة، زوجها يهجرها في الفراش لِمُدد طويلة قد تصل إلى سنة، وهي لا تريد الطلاق؛ حتى يعيش أطفالها وسط أبوين، لكنها لم تَعُد تشعُر تُجاهه بأي مشاعر، وتسأل: هل إذا طلبها في الفراش ورفضت تكون آثمة؟
♦ التفاصيل:
أنا امرأة متزوجة منذ إحدى عشرة سنة، أمٌّ لثلاثة أولاد، الزوج لا يقوم بالحقوق الشرعية، وقع الطلاق مرة بسبب المعاملة السيئة، وبعد العودة أخبرني أن يعاملني بسوء كي لا أقترب منه، وأطلب حقًّا شرعيًّا، حملتُ بعد عودتي مباشرة، ثُمَّ هجرني منذ الشهر الثاني للحمل، حتى بعد الولادة بستة أشهر، وأخبرني أنه جعلني أحمل في طفل ثالث؛ حتى لا أجد من يتزوجني إذا فكرت بالطلاق مجددًا، محاولاتُ إصلاحٍ ووعودٌ، وينتهي الأمر بشهور هجر كثيرة؛ مرة يهجرني ثمانية أشهر، وأخرى ستة أشهر، وهكذا، إلى أن أصبح عمري الآن أربعًا وثلاثين سنة، لا أفكر في الحقوق كسابق عهدي؛ فقد تغير تفكيري، لم أَعُدْ أريد رجلًا أو حبًّا، تقبلت الواقع، قد أصبح عصبية أحيانًا على الأطفال، ولكن أحاول أن أعاملهم بشكل جيد أغلب الوقت، لا أرغب في الطلاق؛ كي يعيش الأطفال بين أبوين، أخشى إن أتاني زوجي يومًا – وإن كنت أشك في هذا – وطلب حقًّا شرعيًّا – أخشى أن أرفضه، فآثم، سيما أن رؤيته لم تعد تحرك أيَّ شيء بداخلي، وأصبحت أبادله نفورًا بنفور، فكيف أحيا معه بأقل الخسائر، وبشكل نفسي سليم قدر المستطاع؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد النبي الأمي الأمين؛ أما بعد أختي العزيزة:
فأعان الله قلبكِ وأخلفكِ خيرًا، قدر الله لكِ أن تتزوجي مريضًا، لا أقصد مريضًا بضعفه، بل مريضًا بالبلادة وفقد المشاعر والأنانية، وهي أمراض كأمراض البدن تمامًا، لها علاجها، وبالعلاج يزول بعضها، وتخف أعراض بعضها، فالصبرَ الصبرَ وأجركِ على الله تعالى وهو الكريم، سيخلفكِ في عافيتكِ وأولادكِ وأهلكِ خيرًا، وسوف يسخر لكِ ما يملأ فراغ قلبكِ، وسيجعل لكِ قبولًا بين الناس؛ مجازاة لصبركِ على نفوره منكِ، عفا الله عنه.
لكن دعيني أسألكِ عن أسباب هذا النفور، فالرجل بفطرته ينجذب للأنثى، ولا يكون النفور إلا لأسباب نفسية مرضية، أو أسباب عضوية، ولكلٍّ علاجه.
الأسباب العضوية كشفها يسير بإذن الله، وكذلك علاجها، ولا مانع أن يذهب للطبيب، فوجهي أحد المقربين من أهلكِ أو أهله كي يوجهه إلى ذلك، وكأنكِ لا تعلمين شيئًا.
أما الأسباب النفسية، وهي الأصعب، فقد يكون سببها أنتِ، فراجعي نفسكِ، لا بد من الاهتمام بمظهركِ، ولا يشترط وفرة المال، فأيًّا كان ملبسكِ، فليكن نظيفًا وله رائحة جيدة، أؤكد على الرائحة؛ فهي أقوى مداخل جاذبية الرجل، وكذا أقوى أسباب نفوره، القميص الذي طبخت به، وتشبَّع برائحة المطبخ لا تجلسين به معه إطلاقًا، ملابس النوم لا تقضي بها اليوم، لا يأتي إليكِ إلا وغسلتِ جسدكِ كله بالماء، الماء أهم من أي وسيلة أخرى، ثم بعد ذلك ما شئتِ من عطور، ولا يشترط أن تكون عطورًا فرنسية، فماء الورد من العطار، أو ماء الزهر، أو اللافندر، أو ما شئتِ زهيدُ الثمن، جميل الرائحة، وكذا المسك يمكن لكِ وضعه في ماء السبوح، أو على جلدكِ مباشرة…
أنا لا أتهمكِ، لكن الإنسان أحيانًا لا يرى نفسه، ويكون مقصرًا ويبرر لنفسه؛ كأن تقولي: أنا أهمل؛ لأنه أصلًا لا يأتيني، أو هو لا يلاطفني فأنا محبطة، نعم، هو ذلك، ولكن أنتِ لا تستجيبي لهذه المشاعر أبدًا؛ فسعادة الأنثى أن تكون أنثى، تتجمل وتتعطر، وتجدد نشاطها، فتقل همومها، وتسعد بشكلها.
أبعدي روحَ اليأس هذه عنكِ، واجعلي من روتين حياتكِ اليومي تبديلَ الملابس والعطر، وترتيبَ المنزل، وإشاعة نوع من البهجة حولكِ، هذا سيزيد إقباله عليكِ، وعلى بيته، وسوف يقلل الضغط النفسي الذي تتعرضين له.
اختلقي الحوار بينكما، اخلقي بينكما روحًا من الفضفضة والأخوة واللهفة حتى ولو مصطنعة، اصبري على ذلك، وسوف يشتاق هو لكِ بعد أن يعتاد على مجالستكِ ومشاورتكِ والتحدث إليكِ، سيجعل ذلك بينكما قربًا نفسيًّا، وسوف تشعرين براحة، وسيزيد إقباله عليكِ، حتى إن ظل على حاله من التقصير، فسوف ينمو بينكما رباط معنوي يساعدكما على التغافل والتسامح، وتسيير الحياة…
أما عن إعراضكِ وأنكِ لا تشعرين بالشوق إليه، وبادلتِه إعراضًا بإعراض، فهذه نتيجة طبيعية لبُعْدِهِ عنكِ، سوف ترتاحين لهذه العزلة النفسية عنه فترة، ثم يسكن الحزن صدركِ، وتقتل الوحدة عمركِ، ويصعب علاجكِ بعدها، وتتراكم ذكرياتُ ألمٍ كثيرة لن تسامحيه عليها، فاستعيني بالله على نفسكِ، وحاولي معه بإصلاح مظهركِ، والصبر على آلامكِ، حتى يرده الله إليكِ ردًّا جميلًا بإذن الله.
اخلقي في نفسكِ شيئًا من التحدي، واجعلي النجاح في صنع حياة تخفف آلامكِ هو مشروعكِ الأكبر، وأنا واثقة بعون الله وبعض الصبر أنكِ ستنجحين، واضح من رسالتكِ أنكِ امرأة عاقلة ومتزنة، ولن تعجزكِ هذه المشكلة عن حلها.
ثم إن زوجكِ يحبكِ، صدقيني، ولولا حبه ما أعادكِ إلى بيته، وأراد تكبيلكِ بالأولاد؛ حتى لا تتركيه مرة ثانية، لكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك، وربما أدمن المواقع الإباحية، ويجد صعوبة في تركها؛ لهذا يتعمد هجركِ، فاصبري عليه، وتابعي طرق التعافي من ذلك وأعينه عليها، وضعي برنامجًا غذائيًّا يعينه على التعافي، وخصصي جزءًا من ميزانيتكِ للعسل والفيتامينات، فإن تعافى، فالحمد لله، وإن بقي كما هو، فقد اعتدتِ أنتِ على الأمر، وسوف يجعل الله لكِ مخرجًا.
لكن الذي لن يعود عليكِ بخير هو النفور منه، فهذا سيحزنكِ أنتِ، ويزيد همكِ، وسيزيده إعراضًا، فلأجلكِ أنتِ حاولي مرة أخرى، وأكثري من الدعاء والاستغفار والصدقة بنية شفائه، وربكِ كريم حليم لن يترك امرأة تريد الحلال، دون أن يبرها بعطفه ورحمته سبحانه.
نأتي لسؤالكِ الأخير؛ وهو خوفكِ من الذنب إن طلبكِ للفراش ورفضتِهِ، لا شك أنه ذنب، فربما هو مريض فعلًا، ويعاني أشهرًا حتى يستطيع أن يأتيَك، وهذا الأمر حساس عند الرجال، يتجبرون على المرأة، ويُظْهِرون الإعراض حتى لا تفهم أنه مريض، فيصغُر في عينها، هكذا هم يفكرون، فكيف يكون الحال إذا رفضتِه؟
نعم، أنا أقدر مشاعركِ، ولكن أجركِ عظيم عند الله، تجمَّلي وتصبري بالله، ولا ترفضيه، ولكن هناك رفض علاجي، كنوع من التمنُّع حتى توقظي فكره ومشاعره، ويبدأ يشعر بأنه مرفوض، فيُحسِّن من تعامله وصورته في نظركِ، ولكن هذا تفعلينه في الأوقات العادية التي لم يطلبكِ فيها، وذلك يخضع لذكاء المرأة وفهمها لزوجها.
بالنهاية يا حبيبة، اشغلي وقتكِ وعقلكِ بما ينفعكِ دنيا وآخرة؛ فالفراغ مزرعة الظنون، ولا تكثري من التفكير، فذلك مُهلِك، وأعرضي عن النجوى؛ فإنها من الشيطان؛ حيث تشعل النفس والعقل، وتحملكِ فوق طاقتكِ.
كوني دائمًا الزوجة الجميلة المعطرة الزاكية الذكية، سيجد قربكِ مستراحه لا شك، وعلى هذا أنتِ مأجورة بإذن الله؛ فـ((خيرُ النِّساءِ امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتْكَ، وإذا أمرتَها أطاعتْكَ، وإذا غِبتَ عنها حفِظتْكِ في نفسِها ومالِكَ))، نحسبكِ منهم بإذن الله.