سلبيات العولمة
سلبيات العولمة
إن من الذين عالجوا العولمةَ برؤية سلبية ناتجةٍ عن اختلافٍ في التوجه الفكري: صاحبي كتاب “فخ العولمة” هانز – بيتر مارت، وهارالد شومان، اللذين لم يَرَيَا فيها خيرًا للبشرية، بل إن عُنوان الكتاب “فخ العولمة” يوحي بالمضمون والمحتوى.
من هذا المنطلق الفكري يستمرُّ النقاش في هذا التوجه؛ حيث يقول المؤلفان فيما يقولانه من تحليل طويل ومعقَّد غير سطحي: “وعلى ما يبدو فقد انطبقت مصيدةُ العولمة على فريستها على نحو لا مفرَّ منه؛ فها هي حكوماتُ أغنى وأكبرِ دول العالم تبدو كما لو كانت أسيرةَ سياسةٍ لم تعُدْ تسمح بأي توجه آخر، وليس هناك مكانٌ عانى فيه السكان من هذا التطور ما عاناه سكان الوطن الأم للثورة الرأسمالية المضادة على وجه الخصوص: الولايات المتحدة الأمريكية”[1].
على أن هناك من ينظر إلى هذا التوجه “المحموم” نحو العولمة على أنه توجه نحو الإرهاب والفتنة بالمفهوم الأعمِّ لهاتين الكلمتين، باصطلاحهما الشرعي، لا بالاصطلاح الإعلامي السريع، ويؤكد الشيخ صالح بن عبدالله بن عبدالرحمن العبود ذلك في ورقة قدَّمها للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ حيث يناقش المفهومَ الشرعي للجماعة في مواجهتها للعولمة، وأن العولمة المرفوضة هي التي تأتي على حساب إثبات الهُوِيَّة الإسلامية[2].
من هنا، فإن الموقفَ العربي الإسلامي من العولمة لا يزال يخوضُ في جدلية القَبول والرفض، ولكلِّ فريقٍ مُسوِّغاتُه ومخاوفه من القبول أو الرفض[3].
لا ينصح (كامل الشريف) بمحاربة العولمة، أو التصدِّي لها ومقاطعتها، ويسوغ هذا التوجه المعتدل بالأسباب الآتية:
1- كونها ظاهرة عالمية، يصل تأثيرها عبر أقنية مفتوحة.
2- كون طبيعة النظام العالمي تقوم على التبادل والتعامل المشترك.
3- كون البلاد العربية والإسلامية لا تزال في أولى مراحل البناء الاجتماعي والاقتصادي؛ فهي بحاجة إلى رؤوس الأموال والأجهزة والخبرات المدرَّبة.
4- كون بعض البلاد العربية والإسلامية لا تزال تعيش نهايةَ مرحلة الاستعمار الأجنبي، وما تركه من آثار في الحدود والعداوات والخلافات، التي لا تزال جسورُها موصولةً بالمستعمِر أكثر من اتصالها بالجيران والإخوة.
5- عجز مؤسَّسات الوحدة والتضامن عن إثبات وجودها داخل المجتمع العربي والمسلم.
6- مع عجز كثيرٍ من الدول الأعضاء في هذه المؤسَّسات عن الوفاءِ بالتزاماتها المقرَّرة[4].
من هذا المنطلق نفسِه نجد أن (محمد أركون) يعالج موضوعَ العولمة برؤية تعوَّدناها منه، ويرمي إلى أن يجعلَ العولمةَ في مقابل التراث الإسلامي، وأن ظاهرةَ العولمة قد أخذت تقلِب جميع التراثات؛ الثقافية والدينية والفلسفية والسياسية والقانونية التي عرفتها البشرية حتى الآن، وفي هذا الصدد يؤكد المؤلف أن “ظاهرة العولمة تنشر على مستوى الكرة الأرضية بأسرها إستراتيجياتِ اكتساحِ الأسواق الاستهلاكية، وتدجينها وإلحاقها بها، ولا تبالي إطلاقًا بالمآسي الاجتماعية والفقر المُدْقِع الناتج عن ذلك في دول الجنوب”[5].
[1] انظر: هانز – بيتر مارتن وهارالد شومان، فخ العولمة – مرجع سابق – ص 209.
[2] انظر: صالح بن عبدالله بن عبدالرحمن العبود، المراد الشرعي بالجماعة وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية أمام عولمة الإرهاب والفتنة، المدينة المنورة: دار المآثر، 1423هـ – ص 127.
[3]انظر: صالح بن مبارك الدباس، العولمة والتربية، الرياض: المؤلف، 1423هـ – ص 29 – 35.
[4] انظر: كامل الشريف، الشباب المسلم والعولمة، ص 10، في: المؤتمر العالمي الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي، الشباب المسلم والتحديات المعاصرة، عمان 29 جمادى الآخرة – 3 رجب 1419هـ/ 20 – 23 تشرين الثاني/ أكتوبر 1999م، ص 16.
[5] انظر: محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؟ ترجمه وعلَّق عليه: هاشم صالح، بيروت: دار الطليعة، 2000م، ص 158.