سنن المطر
سنن المطر
الحمد لله الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن من رحمة الله تعالى أنْ شَرَعَ لنا عباداتٍ تُقرِّبنا إليه في مختلِف الأحوال، ومن ذلك وقت الأمطار، وقد كتبت فوائدَ ولطائف في منصة (إكس)، ثم جمعتها في مقال؛ ليستفيد منها القُرَّاء والخطباء.
ومن الله أستمِدُّ العَونَ.
أولًا: مواسم الأمطار:
ورد في السنة أن كمية الأمطار واحدة؛ ودليله حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من عامٍ بأقلَّ مطرًا من عام))؛ [أخرجه البيهقي برقم: 6275، الجزء الثالث، ص 363 من طبعة الهند].
وأخرج الحاكم [برقم: 3520، الجزء الثاني، ص 403 من طبعة الهند]، عن ابن عباس بلفظ: ((ما من عام بأمطرَ من عام، ولكن الله يَصْرِفُهُ، أو يُصَرِّفُه)).
وفي [الصحيحة للإمام المحدث الفقيه الألباني رحمه الله (2461)]: ((ما من عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه حيث يشاء؛ ثم قرأ: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ﴾ [الفرقان: 50]؛ الآية))؛ عن ابن عباس؛ [صحيح]، ويُستفاد منه: أن كمية المطر في كل عام واحدة لكن تصريفه يختلف، وقال البغوي في (معالم التنزيل) عقب حديث ابن عباس: “وهذا كما رُوِيَ مرفوعًا: ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء، وذكر ابن اسحاق وابن جريج ومقاتل، وبلغوا به ابن مسعود يرفعه قال: ليس من سنة بأمرَّ – أي أسوأ – من أخرى، ولكن الله قسم هذه الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا، في هذا القُطْر ينزل منه في كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم، وإذا عمِلَ قومٌ بالمعاصي، حوَّل الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصَوا جميعًا، صرَّف الله ذلك إلى الفيافي والبحار”.
ثانيًا: ما يُشرَع عند المطر:
1) التعرض للمطر: عن أنس رضي الله عنه قال: ((أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطرٌ، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: لأنه حديثُ عهدٍ بربه تعالى))؛ [رواه مسلم (898)].
2) قـول: “اللهم صيبًا نافعًا”؛ فعن عائشة رضي الله عنها ((أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: صيبًا نافعًا))؛ [رواه البخـاري (985)].
3) قول “رحمة”؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى المطر: رحمة))؛ [رواه مسلم (899)].
4) قول: “مُطِرْنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله”؛ كما في حديث خالد بن زيد رضي الله عنه؛ [رواه البخاري (3916)].
5) الدعاء العام عند نزول المطر: فهو من مواطن استجابة الدعاء؛ كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم (2/ 114) وصححه، وانظر: مجموع الفتاوى (7/ 129).
قال الشيخ عبدالله بن مانع الروقي: “الدعاء عند المطر: أقوى ما ورد في استجابة الدعاء عند المطر:
1- مرسل مكحول عند ابن أبي شيبة قوي.
2- موقوف على عبدالرحمن بن سابط عند ابن الضريس في فضائل القرآن (محتمل للتحسين).
3- موقوف على عطاء بن أبي رباح، جيِّد عند سعيد بن منصور.
4- عند نزول الغيث تنتشر الرحمة؛ قال جل وعلا: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [الشورى: 28]، وفي آيات أنه سبحانه يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته.
5- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والدعاء مستجاب عند نزول المطر وعند التحام الحرب… إلى قوله: وأمثال ذلك، فهذا كلُّه مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن” ا.ه؛ [مج، ج27، ص129].
وما سوى ذلك مما ورد مرفوعًا مناكير وواهيات لا تصح، والمنكر أبدًا منكر، فلا يصلح للاعتضاد.
6- وأخيرًا قال الشافعي في [الأم ج1، ص 289]: “وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة”؛ ا. ه
فلا تشدَّد بالإنكار يا طالب العلم في ذلك (ثبوت الاستجابة)، فلذلك أصل.
6) أن يقول: ((اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام – أي الهضاب – والجبال والآجام – أي منبت القصب – والظِّراب – أي الجبال – والأودية ومنابت الشجر))؛ [رواه البخاري (967) من حديث أنس رضي الله عنه ونحوه عند مسلم (897)، وانظر: زاد المعاد (1/ 459)].
7) عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك))؛ [رواه أحمد (2/ 100)، والبخاري في الأدب (721)، والترمذي (350)، وصححه الحاكم (4/ 318)].
8) الاقتداء بابن الزبير رضي الله عنه، فقد كان إذا سمع الرعد ترك الحديث؛ وقال: ((سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته))؛ [رواه مالك (1801)، والبخاري في الأدب (723)].
9) الصلاة في البيوت حال المطر الشديد؛ ففي البخاري (666) ومسلم (697) عن نافع قال: ((أذَّن ابن عمر في ليلة باردة بِضَجْنَانَ، ثم قال: صلوا في رِحَالِكُمْ، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على إِثْرِهِ: أَلَا صلوا في الرِّحَال، في الليلة الباردة – أو المطيرة – في السفر)).