سيرة المحقق السعودي حمد الدخيّل في كتاب موسوعي
خالد جناحي لـ«الشرق الأوسط» : النساء للقيادة والرجال للحكم
«عندما كانت جدتي في الرابعة من عمرها، طلّق والدها والدتها دون أن يخبرها بطلاقهما. ثمّ ترك زوجته في العراق وأخذ ابنته (جدتي) معه على متن مركب شراعي إلى البحرين، جنوباً عبر الخليج. حيث كانت مراكب صيد اللؤلؤ تنتقل من ميناء البصرة إلى المنامة، أواخر القرن التاسع عشر… ولم يكن من الممكن تحمّل تكلفة ركوب السفينة البخارية؛ ولذلك ربما استغرقت رحلة جدتي الأولى أياماً عدة. ومرّ أكثر من 30 عاماً قبل أن ترى جدتي والدتها مرة أخرى». قاست الجدّة العناء، لكنها «تغلبت على سوء المعاملة وعلّمتنا التسامح». «جدتي كانت قصة صمود وتصميم عظيمين. كانت نصف عراقية ونصف بحرينية، أعتقد أن قوة والدتي جاءت من جدتي، التي تحملت المعاملة القاسية بهدوء منذ سن مبكرة».
يتوّقف الخبير المصرفي ورجل الأعمال البحريني خالد جناحي عند قصة جدته ووالدته ليستلهم منهما – كما من نساء أخريات – فكرته أن النساء يصنعن القيادة، بينما يصنع الرجال الحكم والإدارة.
مساء (الثلاثاء) دشّن جناحي كتابه «من الحكم إلى القيادة… في العالم العربي» في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، بحضور الشيخة ميّ بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، وعدد كبير من الوزراء السابقين ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية والاقتصادية في البحرين.
يتكوّن الكتاب، الذي صدر باللغة الإنجليزية، من ثلاثة أقسام، و13 فصلاً، ويقع في 420 صفحة، يقدّم في القسم جانباً من مذكراته، يعرض فيها تجربته المتراكمة حول القيادة، من مرحلة تكوينه كطالب وعمله في إنجلترا، والمناصب التي شغلها، ويفسّر من خلالها الدروس التي شهدها في مراحل قيادة الأعمال، يبلغ جناحي 62 عاماً، قضى أغلبها خارج العالم العربي، متنقلاً بين العواصم الغربية خبيراً مصرفياً ورئيساً تنفيذياً لعدد من الشركات والبنوك، كما تنقّل في معظم أرجاء العالم العربي، حيث تولى قيادة عدد من الشركات الاقتصادية، وهو يتمتع بخبرة تزيد على 30 عاماً في مجال الخدمات المصرفية والمالية.
خالد جناحي أيضاً هو رئيس Vision3 والشريك المؤسس والوصي لمؤسسة منتدى «مريم»، وشغل منصب نائب رئيس مجلس الأعمال العربي للمنتدى الاقتصادي العالمي (2003-2007)، إلى جانب منصب الرئيس المشارك لمجلس الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط حتى عام 2011. وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة «دار المال الإسلامي»، ورئيس مجلس إدارة مجموعة «سوليدرتي» القابضة ورئيس مجلس إدارة «نسيج».
وفي القسم الثاني يعرض جانباً من الأفكار التي تعبّر عن آرائه في التقدم والتنمية والقيادة وصناعة التغيير، وهو يطرح إطاراً لهذه الأفكار يقوم على التطور المتواصل والنزاهة الكاملة وتمكين المرأة ومنح الشباب الفرصة.
يقول: «النزاهة لا تقبل القسمة على عدد، يمكنك أن تكون نزيهاً من دون شروط أو ألا تكون». يضيف: علينا أن نعزز النزاهة كقيمة عليا في العالم العربي، لكي نتمكن أن نحقق شروط التقدم الصحيح من دون مجاملات أو لوي ذراع الحقيقة. وهو يقول لـ«الشرق الأوسط»: أقول ما أؤمن به، وأقدّم «الحقيقة العارية»، لا أسعى لإرضاء أحد، لكنني أيضاً لا أهدف للإثارة والإزعاج.
تمّ تخصيص القسم الثالث، لواحدة من أهم الهوايات التي شغف بها جناحي، وهي السينما، فكراً وصناعة، حيث يستعرض 100 فيلم على رأس قائمة أفضل الأفلام التي شهدتها صناعة السينما في العالم. رؤيته للسينما تنبعث من رغبته في فتح نوافذ للتعبير، ومشاركة الصورة في رسم مفاهيم تتعلق بالحرية والإبداع.
يقول جناحي في كتابه: «هذا الكتاب مخصص لجميع الشباب والشابات حتى يتمكنوا من بناء أحلام المستقبل. أتمنى أن يستخدموا حريتهم في اختيار الحياة التي يريدونها لأنفسهم وللجيل القادم. أتمنى أن يصبحوا القادة الذين يحتاج إليهم العالم بشدة في كل مكان». في مكان آخر من الكتاب يقول: أريد أن أرى تغييراً في الشرق الأوسط يجلب الابتكار والتفكير النقدي والقوة لكل فرد، بالطريقة التي لا يمكن إلا للقادة أن يلهموها لمواطنيهم.
لكن، لماذا اختار خالد جناحي اللغة الإنجليزية؟، يقول لنا: «الإنجليزية هي اللغة التي يمكنني استعمالها عبر مختلف الوسائط الإلكترونية، حيث كتبته مستعيناً بالتكنولوجيا، ولا يوجد شيء في الكتاب لا أودّ، أو أخشى نقله للقارئ العربي. أردتُ مخاطبة جميع الشباب في العالم وليس الشباب العربي فقط، ولكني أيضاً أتجه لإصدار نسخة مترجمة من الكتاب». لكنه يشير إلى أن النسخة العربية ستحمل أفكار نص يعبّر عن أفكار الكتاب، وليس ترجمة حرفية له. ولذلك؛ فمن المؤمل أن يتغير العنوان أيضاً.
التطور وليس الثورة
في منتدى اقتصادي عالمي أقيم في العقبة بالأردن، قال الملك عبد الله الثاني بن الحسين، مخاطباً القادة السياسيين والاقتصاديين: «إننا في العالم العربي نتطلع نحو التطوّر وليس الثورة».
ويقول جناحي، إنه توقف عند هذه العبارة؛ لكونه «مراقباً يقظاً يطرح الأسئلة» «أريد أن أشارك وجهة نظري حول الأهمية الكبرى للتفكير النقدي والحوار والمحادثة والنقاش لإحداث تغيير في نهاية المطاف يمكّن الناس من حرية الاختيار لأنفسهم وتحديد قيمتهم في المجتمع. عندما أنظر إلى الوراء على مدار العشرين عاماً الماضية في العالم العربي، أرى أننا لم نشهد أي تطور حقيقي باستثناءات قليلة جداً».
يتوقف جناحي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عند نماذج النجاح في العالم العربي: «السعودية تصنع قصة نجاح مبهرة، عبر تمكين المرأة وتطوير التعليم بعد إضافة الفلسفة والتفكير النقدي للمناهج… وعبر مبادرات متعددة. لو أعطينا المرأة فرصة العمل والمشاركة منذ أربعينات القرن الماضي لتغير حال العالم العربي. مثلما تنص خطة التنمية البشرية التي أقرّتها الأمم المتحدة، ولرأينا الكثيرات من النساء يتبوأن مناصب قيادية في العالم العربي»؛ لذلك يقول في كتابه: «النساء قادة والرجال حكام».
بعيداً وسالماً
يتوقف جناحي أيضاً عند نصيحة أسداها جدّه القادم من الساحل الفارسي للخليج، بلغته العربية المخلوطة بلهجة «الهولة»، قائلاً: «كنْ بعيداً… وأنتَ دائماً سالم»، وهي ترجمة للمثل الخليجي المعروف: «اذهب بعيداً… وارجع سالماً». يضيف: «لقد تردد صدى هذه الكلمات في حياتي وكانت بمثابة تحذير ودليل وعزاء لي في أوقات مختلفة. وكان جديّ يرددها لي بالعامية الفارسية عندما كنت صغيراً».
يضيف: لقد أثرت هذه الكلمة في حياتي، لقد اشتركتُ في الكثير من الأعمال القيادية والاقتصادية في بلدي وفي دول الخليج، ولكني كنتُ أضع مسافة بين ما أقوم به وبين مركز القرار. فالكثير من الذين التصقوا بصناع القرار فقدوا باختيارهم حرية الاختيار وحرية الحركة، فلم يتمكنوا أن يضيفوا شيئاً لعناصر التقدم والتطور التي يدعون لها.
يستشهد جناحي بكلمة وجهها له الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى: «من مميزاتك أنك قليلُ الأصدقاء»، يضيف هذه ميزة تجعلني غير متأثر بالمحيط. ثمة نصيحة أخرى من أحد أصحاب القرار: «اجعل بينك وبين الآخرين نهراً مليئاً بالماء… يمكنهم أن يشاهدوك، ولكنهم غير قادرين على مسك».
مع أميركيين تحت الغزو
بالعودة إلى أصول جدته العراقية، فقد مكّنته من إتقان اللهجة العراقية، حيث ساعدته عشية الثاني من أغسطس (آب) 1990 على تجنّب الوقوع في الأسر حين اجتاحت القوات العراقية الكويت.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: وقتها كنتُ برفقة ثلاثة من رجال الأعمال الأميركيين في الكويت، جاءوا ممثلين لشركاتهم الكبيرة للاستحواذ على شركات اقتصادية في الكويت، استيقظتُ على إيقاع الجنود العراقيين، لكني حدثتهم باللهجة العراقية فأعفوني من الاعتقال، طالبين مني مغادرة الفندق.
القصة يسردها في الفصل العاشر من الكتاب، ويضيف: نقلت رجال الأعمال الأميركيين إلى شقة صديق لبناني، وظللنا 14 يوماً تحت الخوف، خاصة بعد أن رفضت سفارة بلادهم انتقالهم معي إلى الأراضي السعودية، ويكفي أن أشير إلى أننا خضنا مفاوضات ومساومات مطولة لشراء «الأنسولين» لأحد هؤلاء الذين يعانون مرض السكري، حتى حصلنا عليه بألف دولار.
بعدها تمكن جناحي من مغادرة الكويت بعد أن أمّنت له البحرين رحلة برية إلى السعودية، بالتنسيق مع السلطات العراقية، يقول: وجدت في الحافلة شخصيات كويتية، بينهم محافظ البنك المركزي، لكنني علمتُ أن السفارة منحتهم هويات بحرينية لكي يسهل انتقالهم دون أن تعترضهم القوات العراقية.