{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط … }
فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ… ﴾
قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 18، 20].
1- شهادة الله – عز وجل – لنفسه بتفرده بالألوهية، وأنه لا إله إلا هو، بقوله وفعله وعجيب صنعه؛ لقوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، وفي هذا تنبيهٌ لعباده على غناه عن توحيدهم له، وأنه سبحانه هو الموحِّد نفسه بنفسه.
2- شهادة الملائكة وأولو العلم بما شهد الله به لنفسه من الوحدانية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾، والمراد: أولو العلم بالله وشرعه وأتباعهم.
3- فضيلة الملائكة؛ حيث جعلهم الله تعالى في المرتبة الأولى في الشهادة بالتوحيد بعده سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾.
4- أخذ طائفة من أهل العلم من قوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أنه لا يشترط للشاهد عند الحاكم وغيره في قبول شهادته أن يتلفظ بلفظ الشهادة، فمن تكلم بشيء وأخبر به، فقد شهد به؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 150]، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19].
فجعل منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]، فسمى إقرار المرء على نفسه شهادة.
وفي حديث ماعز: «فلما شهد على نفسه أربع مرات، رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم »[1]. فَسُمِّيَ إقراره شهادة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «شهد عندي رجال مرضيون – وأرضاهم عندي عمر – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس»[2].
ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ الشهادة.
والعشرة الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة لم يتلفظ بشهادته لهم بلفظ الشهادة، وإنما قال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة…»[3].
وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» دخل في الإسلام وشهد الشهادتين، وإن لم يقل: «أشهد» ونحو ذلك.
وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه لابد للشاهد عند الحاكم ونحوه من التلفظ بلفظ الشهادة.
5- فضل العلم بالله وشرعه، وفضل أهل هذا العلم والثناء عليهم؛ حيث جعلهم الله شهودًا بعد الملائكة على وحدانيته، وقرَن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، واستشهد بهم على أجل مشهود به، وجعلهم حُجة على من أنكر هذه الشهادة، فزكَّاهم بهذا وعدَّلهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾، وهذه منقبة عظيمة للعلماء في هذا المقام.
وهذا لمن قدَّر منهم للعلم قدره، فعظَّم ربه، وصان علمه، وعمل به وعلَّمه، فوَفَّى بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].
وهؤلاء من أهل العلم قليل؛ ولهذا قال تعالى في ختام الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن مِن أول مَن يُقضى يوم القيامة عليه رجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأُتِيَ به فعرَّفهُ نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلَّمت العلم لِيُقال: عالِم، وقرأت القرآن لِيُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار»[4].
وقد أحسن القائل:
وعالم بعلمه لم يعلمن معذب في قبره من قبل عباد الوثن[5] |
وقال الآخر:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظَّموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنَّسوا محياه بالأطماع حتى تجهما[6] |
6- الترغيب في العلم بالله وشرعه؛ لأن به تحصل الشهادة على وحدانية الله – عز وجل – بل هي من مقتضياته، فمن لم يشهد من أهل العلم لله بالواحدانية، فهو من أجهل الجهال، وإن علم من أمور الدنيا ما لم يعلَمه غيره.
7- حكم الله – عز وجل – أنه لا إله حق إلا هو، بعد شهادته وإخباره بذلك، وأمره – عز وجل – عباده بتوحيده؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]، فمن عبد مع الله غيره فهو مُشرك.
8- تأكيد تفرده – عز وجل – بالألوهية، فشهد عز وجل بذلك لنفسه، وأخبر به، وحكم به وأمر، كما شهِد بذلك الملائكة وأولو العلم.
9- إثبات قيام الله تعالى واتصافه بالعدل قولًا وفعلًا وحكمًا وإخبارًا، وحكمًا به وأمرًا، وشهادته – عز وجل – لنفسه بذلك وشهادة الملائكة وأولو العلم؛ لقوله تعالى: ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾.
10- اجتماع صفات الكمال لله عز وجل؛ لأن التوحيد والعدل هما جماع صفات الكمال، فالتوحيد يتضمن تفرُّدَه سبحانه بالكمال والجلال والمجد والتعظيم الذي لا ينبغي لأحدٍ سواه، والعدل يتضمن وقوع أفعاله كلها على السداد والصواب، وموافقة الحكمة؛ ففي الأول كمال ذاته، وفي الثاني كمال أفعاله.
11- إثبات اسم الله «العزيز» وصفة العزة التامة له – عز وجل – لقوله تعالى: ﴿ العزيز ﴾.
12-إثبات اسم الله «الحكيم» وأن له – عز وجل – الحكم التام، والحكمة البالغة؛ لقوله تعالى:﴿ الحكيم ﴾، وفي هذا رد على الجبرية والجهمية الذين ينفون حكمة الله تعالى.
13- في اقتران العزة والحكمة في حقه – عز وجل – زيادة كماله تعالى إلى كمال.
14- أن الدين الذي يُعتد به ويُقبل عند الله هو الإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء والرسل، وهو توحيد الله تعالى، والانقياد لشرعه، وهو بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، ما جاء به من الشرع، فهو الإسلام الذي لا يُقبل من أحدٍ سواه؛ لنسخه لجميع الأديان قبله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلت به إلا كان من أصحاب النار»[7].
15- أن حقيقة الدين والتدين لله تعالى الاستسلام له بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك؛ لأن الله سمى «الدين» الإسلام.
16- أن أهل الكتاب اليهود والنصارى لم يختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم؛ أي: إن اختلافهم كان عن علم، فلا يعذرون فيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾.
17- أن اختلاف أهل الكتاب كان بسبب بغي بعضهم على بعض؛ لقوله تعالى: ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾.
18- التحذير من الاختلاف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾، وقال تعالى محذرًا هذه الأمة: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105].
وقال صلى الله عليه وسلم محذرًا أمته من ذلك: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة»[8].
19- خطر البغي، ووجوب الحذر منه؛ لأنه سبب للاختلاف ورد الحق؛ لقوله تعالى: ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾.
20- ينبغي في مسائل الخلاف الانتصار للحق، والبحث عنه، والبعد عن التطاول، والانتصار للنفس.
21- التحذير من الكفر بآيات الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾، فمن كفر بآيات الله فسيُحاسبه الله سريعًا، ويجازيه على كفره قريبًا، وفي هذا وعيدٌ لمن كفر بآيات الله، وحضٌّ على الإيمان.
22- سرعة حساب الله تعالى للخلائق؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾.
23- إثبات حساب الخلق على أعمالهم، لكن حساب المؤمنين تقريرٌ وعرضٌ، أما حساب الكفار فمناقشة وتوبيخ وتقريعٌ.
كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسِب عُذِّب»، قالت عائشة: فقلت: أَوَليس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؟ قالت: فقال: «إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك»[9].
24- عناية الله – عز وجل – بنبيه صلى الله عليه وسلم ، وتهيئته لما سيواجه ممن يدعوهم، وتعليمه ما يقوله للمحاجين له، ولمن يدعوهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 20]، وفي هذا إعدادٌ من الله له، وتقوية لقلبه ولحجته ودعوته.
25- في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ [آل عمران: 20]، توجيه له صلى الله عليه وسلم لما هو أخصر، وبما فيه قطع الطريق على المحاجين وإسكاتهم؛ أي: هذا طريقي وطريق أتباعي دون محاجة أو جدال، وهذا من أساليب الرد على المحاج إذا كان لا جدوى للمحاجة؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
26- أن المنهج الحق في الإسلام أن يتوجه المسلم إلى الله تعالى بكليته، وبوجهه، وقلبه، وبدنه ممتثلًا لأمر الله، مجتنبًا لنهيه، فهذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾.
27- شرف الوجه من بين الأعضاء؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾، فخصَّهُ من بين الأعضاء لشرفه، ولأن توجهه علامة ظاهرة على توجه بقية الأعضاء.
28- أن من لم يُسلِم وجهه لله تعالى فليس متبعًا للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾.
29- وجوب الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾.
30- عموم رسالة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم للعرب وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾، وفي هذا ردٌّ على من زعم من أهل الكتاب أن رسالته صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب فقط.
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعِثت إلى الناس عامة»[10].
وفى رواية: «وبُعِثت إلى كل أحمر وأسود»[11].
ولما زار صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي في مرض موته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «يا فلان، قُل: لا إله إلا الله»، فنظر إلى أبيه، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطِعْ أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار»[12].
31- في تقديم ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾: إشارة إلى أن قيام الحجة عليهم أعظم؛ لما عندهم من العلم عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41].
32-أن العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب؛ لقوله تعالى:﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾.
33- أن من أسلم فقد اهتدى للطريق المستقيم، وَوُفِّق إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾، وفي هذا حض على الإسلام، وترغيب فيه.
34- أن من لم يُسلِم فقد تولَّى وأعرَض عن الحق، وليس على الرسول صلى الله عليه وسلم هدايته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾.
35- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والواجب عليه بالنسبة للناس هي إبلاغهم الرسالة ودعوتهم، وأما هدايتهم فهي إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾.
36- اطلاع الله – عز وجل – وبصره بالعباد وأعمالهم وأحوالهم، ومَن هو أهل للهداية، ومَن ليس أهلًا لها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، وفي هذا وعدٌ لمن أسلَم واهتدَى، ووعيدٌ لمن تولى وأعرَض.
[1] أخرجه البخاري في الطلاق (5272)، ومسلم في «الحدود» (1691)، وأبو داود في «الحدود» (4430)، والنسائي في «الجنائز» (1956)، والترمذي في «الحدود» (1429)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» (581)، ومسلم في «صلاة المسافرين» (826)، وأبو داود في الصلاة (1276)، والنسائي في «المواقيت» (562)، والترمذي في الصلاة (183).
[3] أخرجه الترمذي في «المناقب» (3747)، من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.
[4] أخرجه مسلم في «الإمارة» (1905)، والنسائي في «الجهاد» (3137)، والترمذي في «الزهد» (2382).
[5] البيت لابن رسلان الشافعي؛ انظر: «غاية البيان» (ص4).
[6] البيتان للقاضي الجرجاني؛ انظر: «محاضرات الأدباء ومحاورات لشعراء» (ص14).
[7] أخرجه مسلم في «الإيمان» وجوب الإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس (153)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] أخرجه أبو داود في «السنة» (4596)، والترمذي في «الإيمان» (2640)، وابن ماجه في «الفتن» (3991)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في «العلم» (103)، ومسلم في «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» (2876)، والترمذي في «صفة القيامة» (2426).
[10] أخرجه البخاري في «التيمم» (335)، ومسلم في «الغسل والتيمم» (432).
[11] أخرجها مسلم في «المساجد ومواضع الصلاة» (521).
[12] أخرجه البخاري في «الجنائز» (1356)، وأبو داود في «الجنائز» (3095)، من حديث أنس رضي الله عنه.