صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم حصن الإسلام


صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم حصن الإسلام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فإن الله تعالى قد ضمِنَ حِفْظَ القرآن والسنة؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

 

لقد جَعَلَ اللهُ تعالى لحفظ الإسلام أسبابًا، ومن أعظم هذه الأسباب أنه اختار أصحابَ نبينا صلى الله عليه وسلم، فحفِظوا القرآن والسُّنَّة، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقاموا بواجبهم كاملًا نحو دين الله تعالى، فبذلوا في سبيل ذلك كلَّ شيء، فكانوا أهلًا لتزكية الله تبارك وتعالى إياهم في القرآن، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كان من حقهم علينا أن نُظهِرَ فضائلهم، وندافع عنهم ضد أصحاب العقائد الفاسدة؛ فنقول وبالله التوفيق:

تعريف الصحابي:

* الصحابيُّ هو كل من لَقِيَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، فيدخل في ذلك كلُّ مَن لقِيَ النبي صلى الله عليه وسلم، طالت مجالسته له أو قصُرت، ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يروَ عنه، ومن غزا معه ومن لم يغزُ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يَرَهُ لعارضٍ كالعَمَى؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 1، ص: 10].

 

عدد الصحابة:

تُوفِّيَ النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمِع منه من الصحابة زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 5، ص: 309].

 

عدالة جميع الصحابة في القرآن:

(1) قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74].

 

(2) قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

* قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 203].

 

(3) قال جل شأنه: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7].

 

(4) قال الله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10].

 

عدالة الصحابة في السُّنَّة:

(1) روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ الناس قَرْنِي، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يلونهم))؛ [البخاري حديث: 3651، مسلم حديث: 2533].

 

(2) روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسُبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفه))؛ [البخاري حديث: 3673، مسلم حديث: 2541].

 

(3) روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الأنصار لا يُحبُّهم إلا مؤمن، ولا يُبْغِضُهم إلا منافقٌ، من أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله))؛ [البخاري، حديث: 3783].

 

(4) روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ((جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفِرُ الخندق، وننقُل التراب على أكتافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار))؛ [البخاري حديث: 3797، مسلم حديث: 1804].

 

سرعة استجابة الصحابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم:

أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هم الصَّفُوة المختارة من البشرية بعد الأنبياء والمرسلين، وقد زكَّاهم الله تعالى في مواضعَ عديدة في كتابه العزيز، ومدحهم النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه الشريفة، وسوف نذكر بعضًا من النماذج لاستسلام الصحابة لأوامر الله تعالى، وسرعة انقيادهم وطاعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم.

 

الإنفاق في سبيل الله:

* روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((أمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليومَ أسْبِقُ أبا بكر، إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيتَ لأهلك، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيتَ لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا))؛ [حديث حسن، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 1472].

 

* روى أحمد عن عبدالرحمن بن سَمُرة قال: ((جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهَّز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فصبَّها في حِجْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ النبي صلى الله عليه وسلم يُقلِّبها بيده، ويقول: ما ضرَّ ابنُ عفَّانَ ما عمِل بعد اليوم؛ يرددها مرارًا))؛ [حديث حسن، مسند أحمد، ج: 34، ص: 232، حديث: 20630].

 

* روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالًا، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء – حديقة – وكانت مُستَقْبِلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، فلما نزلت: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحب أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث شئتَ، فقال: بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين، قال: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه))؛ [البخاري حديث: 2318، مسلم حديث: 998].

 

تحريم الخمر:

* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديًا فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألَا إن الخمر قد حُرِّمت، فقال لي: اذهب فأهْرِقْها، قال: فجَرَت في سِكَكِ المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ))؛ [البخاري حديث: 4620]، والفضيخ: عصير من التمر.

 

* روى مسلم عن عبدالله بن عباس قال: ((إن رجلًا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية – قربة – خمرٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمتَ أن الله قد حرَّمها؟ قال: لا، فسارَّ إنسانًا – أخبره سرًّا – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِمَ سارَرْتَه؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال: إن الذي حرَّم شربها، حرَّم بيعها، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها))؛ أي: ألقاها على الأرض؛ [مسلم حديث: 1579].

 

ارتداء الحجاب:

* روى البخاري عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَلِ، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، شَقَقْنَ مُرُوطَهن فاختمرن بها))؛ [البخاري حديث: 4758].

 

(الْمِرْط): كساء من حرير أو صوف تتلفع به المرأة.

 

(فاختمرن بها): سَتَرْنَ بها أعناقهن ونُحُورهن.

 

تحريم الذهب على الرجال:

* روى مسلم عن عبدالله بن عباس ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجلٍ، فنزعه فطرحه، وقال: يعمَد أحدكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يده، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمك، انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسلم حديث: 2090].

 

تقبيل الحَجَرِ الأسود:

روى الشيخان عن عابس بن ربيعة، عن عمر رضي الله عنه: ((أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حَجَرٌ، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قبَّلتُك))؛ [البخاري حديث: 1597، مسلم حديث: 1270].

 

قوله: (لا تضر ولا تنفع)؛ أي: أنت حجر مخلوق، لا تضر ولا تنفع بذاتك، وإنما النفع بالثواب يكون بامتثال أمر الله تعالى في تقبيلك؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 9، ص: 17].

 

المحافظة على أموال الأيتام:

* روى أبو داود عن ابن عباس قال: ((لما أنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152]، و﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ﴾ [النساء: 10]؛ الآية، انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضُل من طعامه فيُحبس له حتى يأكله أو يفسُد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 220]، فخلطوا طعامهم بطعامه، وشرابهم بشرابه))؛ [حديث حسن، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 2495].

 

منزلة الصحابة عند السلف الصالح:

سوف نذكر بعضًا من أقوال سلفنا الصالح في أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

(1) روى أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ”؛ [حديث حسن، مسند أحمد، ج: 6، ص: 84].

 

(2) قال الإمام عبد الله بن عباس: “لا تسُبُّوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله عز وجل قد أمَرَ بالاستغفار لهم، وهو يعلم أنهم سيَقْتَتِلُون”؛ [اعتقاد أهل السنة للالكائي، ج: 4، رقم: 2339].

 

(3) قال الإمام جعفر بن محمد: “برِئَ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما”؛ [اعتقاد أهل السنة، ج: 4، رقم: 2393].

 

(4) قال الإمام أحمد بن حنبل: “إذا رأيت أحدًا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء، فاتَّهِمْهُ على الإسلام”؛ [اعتقاد أهل السنة، ج: 7، ص: 1326].

 

(5) قال الإمام أبو زرعة الرازي: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسُّنَن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطِلوا الكتاب والسُّنَّة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة”؛ [الكفاية في علم الرواية، ص: 49].

 

(6) قال القاضي عياض عن الصحابة: “وأما الحروب التي جَرَت، فكانت لكل طائفة شبهة، اعتقدت تصويب نفسها بسببها، وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرِج شيء من ذلك أحدًا منهم عن العدالة؛ لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد، كما يختلف المجتهدون بعدَهم في مسائل من الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم”؛ [معارج القبول، ج: 2، ص: 505].

 

(7) قال الإمام ابن عبدالبر: “من أوكد آلات سنن النبي صلى الله عليه وسلم المعينة عليها، والمؤدِّية إلى حفظها معرفةُ الذين نقلوها عن نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وحفظوها عليه، وبلَّغوها عنه، وهم صحابته الذين وَعَوها وأدَّوها، محتسبين حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبت بهم حُجَّة الله عز وجل على المسلمين، فهم خير القرون، وخير أمة أُخرجت، ثبت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه”؛ [الاستيعاب، ج: 1، ص: 1].

 

(8) قال الإمام النووي عند شرحه لما رواه عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قال: فقلت – أو قيل: يا رسول الله – هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه))؛ [مسلم حديث: 2888].

 

اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأوِّلون، لم يقصدوا معصيةً ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه الْمُحِقُّ، ومخالفه باغٍ، فوجب عليه قتاله؛ ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبًا، وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ؛ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ فلا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة، حتى إن جماعةً من الصحابة تحيَّروا فيها، فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب”؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 9، ص: 239].

 

(9) قال الإمام ابن تيمية: “إن القدح في خير القرون الذين صحِبوا الرسول قدحٌ في الرسول عليه السلام، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما طعنوا في أصحابه، ليقول القائل: رجلُ سوءٍ، كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلًا صالحًا، لكان أصحابه صالحين، وأيضًا فهؤلاء الذين نقلوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين نقلوا فضائل عليٍّ وغيره، فالقدح فيهم يوجِب ألَّا يُوثَق بما نقلوه من الدين، وحينئذٍ فلا تثبت فضيلة، لا لعليٍّ ولا لغيره”؛ [مجموع فتاوى ابن تيمية، ج: 4، ص: 429].

 

(10) قال الإمام ابن كثير: “أخبر الله العظيم أنه قد رضِيَ عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم، أو سبَّهم، أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصِّدِّيق الأكبر، والخليفة الأعظم؛ أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يُعادُون أفضل الصحابة ويُبغِضونهم ويسبُّونهم، عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضِيَ الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضَّون عمن رضي الله عنه”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 7، ص: 271:270].

 

(11) قال الإمام العسقلاني: “اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عُرِفَ الْمُحِقُّ منهم؛ لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يُؤجَر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرَين”؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 13، ص: 37].

 

عقيدتنا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

أخي المسلم الكريم، من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة سلامةُ قلوبهم وألسنتهم في جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن بحمد الله تعالى نقبل ما جاء به كتابُ الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء من فضائل الصحابة ومراتبهم، فنحن نقدِّم من أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل في سبيل الله على من أنفق من بعدُ وقاتل، وكلًّا وعد الله الحسنى، ونقدم المهاجرين على الأنصار، ونؤمن بأن الله تعالى قال لأهل بدر، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر: ((اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم))؛ [مسلم حديث: 2195].

 

ونؤمن بأنه لن يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة، وأن الله تعالى رضِيَ عنهم جميعًا، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.

 

* روى مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ الذين بايعوا تحتها))؛ [مسلم حديث: 2496].

 

ونشهد بالجنة لمن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم ممن عيَّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونؤمن بأن خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا.

 

التوقُّف عما شَجَرَ بين الصحابة:

أخي المسلم الكريم، من عقيدتنا وجوب السكوت، وعدم الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان، ونعتقد أن فتنة الجمل قد تمت من غير اختيار من علي بن أبي طالب، ولا من طلحة بن عبيدالله، ولا من الزبير بن العوام رضي الله عنهم، وأن عائشة رضي الله عنها خرجت للإصلاح بين المسلمين، مع العلم بأنهم جميعًا من الذين بشَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ فيما أخرجه الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف؛ [صحيح الترمذي للألباني حديث: 2946].

 

* ومن عقيدتنا أننا نحب جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نفرِّط في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونُبغض من يُبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، وحبهم دين وإحسان.

 

نسأل الله أن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى من الجنة بحبنا لهم، وإن لم نعمل بمثل أعمالهم، ومن عقيدتنا أيضًا وجوب التوقف عما شَجَرَ بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان، مع اعتقادنا أن الحق كان مع عليٍّ وأصحابه، وأن معاوية كان متأوِّلًا في قتاله لعلي بن أبي طالب.

 

* روى الترمذي عن عبدالرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: ((اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، واهدِ به))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 3018].

 

ونعتقد أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة، فإن أهل موقعة الجمل وصفين، لم يقاتلوا على اختيار إمامٍ غيرِ علي بن أبي طالب، ولا كان معاوية يقول: إنه الإمام دون عليٍّ، وكذلك طلحة والزبير.

 

واعلم – أخي الكريم – أن أكثر الصحابة قد اعتزلوا القتال، واتبعوا النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الفتنة.

 

* قال محمد بن سيرين: “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضر فيها مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين”؛ [السنة لأبي بكر الخلال، ج: 2، ص: 466].

 

ومن عقيدتنا أن نستغفر للقتلى من كلا الفريقين، ونحفظ فضائلهم، وننشر مناقبهم؛ عملًا بقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

أعداء الصحابة:

يجب على كل مسلم أن يعرف أعداء الصحابة لكي يحذَرهم ويتصدى لأقوالهم الباطلة؛ دفاعًا عن أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن الدفاع عن الصحابة إنما هو في حقيقة الأمر دفاع عن القرآن والسنة، وأعداء الصحابة هم الخوارج والشيعة الروافض، وهم من الفرق الضالة.

أولًا: الخوارج: هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد قبوله التحكيم مع معاوية، وهم فرق متعددة ضالة، وأشدهم بغضًا لعليٍّ هم النواصب، وأجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، ومن معهم من الصحابة، بعد أن رضِيَ عليٌّ بالتحكيم، وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم؛ [مقالات الإسلاميين، ج: 1، ص: 167].

 

ثانيًا: الشيعة الروافض: وتسمى بالشيعة الإمامية أو الاثنا عشرية.

 

قال أبو الحسن الأشعري: “إنما سُمُّوا الرافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر”؛ [مقالات الإسلاميين، ج: 1، ص: 89].

 

يعتقد الرافضة أن كل الصحابة قد ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ثلاثة؛ وهم: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي؛ [الشيعة والسنة، ص: 49].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تحميل كتاب الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج pdf
تحميل كتاب الإخوان المسلمون والجماعة الوطنية في مصر (2003-2007م) pdf