صرخة فتاة تعرضت للتحرش
صرخة فتاة تعرضت للتحرش
التحرُّش شكلٌ من أشكال المضايقات التي تواجه المجتمع ذكورًا وإناثًا، ويُعرَف التحرُّش في النظام السعودي بأنه: “كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمَسُّ جسده، أو عِرْضَه، أو تخدش حياءه، وهذا بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة من تطبيقات تواصل ومنصات اجتماعية على الإنترنت”.
أيها السادة، من التعريف السابق نستنتج أن للتحرش أشكالًا وأنواعًا؛ منها: التحرُّش اللفظي، والتحرُّش الفعلي، والتحرُّش بالإشارة، والتحرُّش بالتلميح، والتحرُّش الإلكتروني، والتحرُّش بالنظرات، والتحرُّش بالتعبيرات الوجهية، وللتحرش آثار سلبية على المتحرَّش به؛ منها: الخوف والتوتر والفزع، والخزي والعار، والرغبة في العزلة وعدم مواجهة مع الآخرين، والاكتئاب الشديد، والأفكار الانتحارية التي تنتاب الشخص الذي تعرض للتحرش، واضطرابات النوم والأكل، وكثرة البكاء نتيجة ما حدث، والتأثير على الدراسة وعدم القدرة على القيام بالأعمال اليومية، وفقدان احترام الذات.
تقول فتاة: أبلغ من العمر 19 عامًا، تعرضتُ للاعتداء الجنسي في عامي الثاني عشر من ابن أختي الذي يكبرني بثلاث سنوات، وكان يتحرش بي عندما يأتي لزيارتنا مع والدته، إذا لم يجدني مع جدته بدأ بالصعود إلى غرفتي، ثم يدخل عليَّ وأنا نائمة، فأتفاجأ به يعتدي عليَّ وأنا نائمة، فإذا انتبهتُ واستيقظتُ أضربه وأدفعه عني، وبعدها أبكي وأرتجف من الخوف، وكان يقول لي: إنني عشيقته، وهو يحبني، حتى إنه كان يأتي لي بالأشياء التي أحبها دون مناسبة، واستمر هذا الأمر حتى بلغت عامي السادس عشر، خلال هذه السنوات لم أخبر أحدًا، كنت دائمًا أهدِّده بإخبار أمِّه، ولكنني أتراجع في اللحظة الأخيرة، أخاف أن أقع معه في العقاب، مع أني لم أفعل شيئًا، وكنت دائمًا أدعو عليه، حتى ذهب للخارج للدراسة، وكنت فرحة جدًّا لأنني تخلصت منه.
والآن عاد وخطبت له أمه فتاة من العائلة، ولم يعد لعاداته القديمة، مشكلتي الآن أنني أكرهه كثيرًا ولا أحب البقاء معه في مجلس واحد، وإذا كلَّمني أُجامله، دائمًا أقول لنفسي: إنه ابن أختي، ويجب أن أنسى ذلك الماضي، لكنني لا أستطيع، وبحكم ديننا وعاداتنا، فأنا لم أعرف من الرجال إلا أبي وأبناء أختي الاثنين، وليس لديَّ إخوة، وأخاف أن أتزوَّج فأكره الرجل الذي سيتقدم لي، أبكي كثيرًا من قسوة الحياة، فهو سيتزوج ولن تعلم زوجته عن ماضيه، أما أنا لا أعلم ماذا أفعل، فقد تقدم لي خاطب، وأهلي يقنعونني بالزواج منه، لكني خائفة جدًّا من أن يكون ابن أختي أفقدني عُذْريتي، أرجوك لا تطلب مني أن أذهب إلى دكتورة فهذا مستحيل، ولا تقل لي أن أخبر أحدًا من أهلي، فأنا بالكاد كتبت لك مشكلتي الفريدة بشناعتها وواقعها المرير، فماذا أفعل؟
إنها صرخات وآلام خرجت من قلوب مكلومة، نفوس تعرضت للتحرش في أغلى ما تملك، مشكلة أفقدت الأسرةَ النومَ والراحة والطمأنينة، بيوت تلُفُّها غمامة سوداء، لا تعرف مصيرها ومستقبلها.
فإلى كل أب وأمٍّ، وإلى كل فتاة وشابٍّ، احرصوا على أنفسكم وأولادكم، علِّموهم مخافةَ الله سبحانه ومراقبته أولًا، ثم علِّموهم الحرصَ على أنفسهم من أصحاب السوء، وذكروهم ألَّا يثقوا بهم، علِّموا أولادكم أن يرجعوا إليكم عند بداية المشكلة، ولا تعنِّفوهم أو تضربوهم على أخطائهم، علِّموهم ألَّا ينفردوا بمن يشكُّون فيهم، علِّموا أطفالكم الفرقَ بين اللمسة الصحية، واللمسة السلبية لأجسادهم، علموهم خصوصية أجسادهم وأنها مِلْكٌ لهم، لا ينبغي لأحدٍ مهما كان التعرض لها، جنِّبوهم مشاهدة المقاطع الإباحية أو التي تثير الغرائز، علِّموهم القيم والأخلاق وحُكْمَ الله فيمن وقع في الحرام.
أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن يصرف عنهم شر الأشرار، وكيد الفجَّار، وأن ينبتهم نباتًا حسنًا، وصلى الله على سيدنا محمد.