صلة الأرحام
صلة الأرحام
كثير من الناس أخذتهم مشاغل الحياة عن التزاوُر وصلة الأرحام، فهناك تقصير شديد في هذا الجانب، فيأتي العيد لتكون فرصة للتواصل والتزاوُر وصلة الأرحام، وقد أمرنا رب العالمين في كتابه الكريم بصلة الأرحام؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، فنجد أن الله تعالى قد قرن الأمر بتقواه بصلة الأرحام ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، فإنه يجب القيام بحقوق الأقربين من ذوي الأرحام؛ (انظر تفسير السعدي: 1 /340).
صلة الأرحام من أحب وأفضل الأعمال عند الله تعالى:
فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الذي تزعُمُ أنك رسول الله؟ قال: “نعم”، قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: “الإيمانُ بالله”، قال: قلت: يا رسول الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: “ثُمَّ صلةُ الرَّحِمِ…” الحديث؛ (صحيح الجامع: 166) (صحيح الترغيب والترهيب: 2522).
صلة الأرحام شعار أهل الإيمان:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليَصِل رحمه، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ ليصمت”.
صلة الأرحام سببٌ لزيادة العمر، وسعة الرزق:
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ أحب أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ[1]، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ[2] فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”.
وأخرج القضاعي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صِلَةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمْرِ، وصَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ”؛ (صحيح الجامع: 3766) (الصحيحة: 1908).
وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “…. وإنَّ أَعجلَ البرِّ ثوابًا- وفي رواية: وإن أعجل الطاعةِ ثوابًا لصلَةُ الرَّحِمِ، حتى إنَّ أهلَ البيتِ ليكونوا فجَرةً، فتنمو أموالُهم، ويكثُرُ عددُهم، إذا تواصَلوا”؛ (صحيح الجامع: 5705) (صحيح الترغيب والترهيب: 2537).
فهؤلاء الفُجَّار تنمو أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا، فكيف لو كانوا من أهل الإيمان؟!
وقال الطِّيبيُّ-رحمه الله-: “إنَّ الله يُبقي أثَر واصل الرَّحِم طويلًا فلا يَضْمَحِلُّ سريعًا كما يضمحل أثر قاطع الرَّحِم”؛ (فتح الباري: 10 /430).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصلة الأرحام:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل، أن هرقل قال له: فماذا يأمركم- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان: قلت: يقول:”اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة”[3].
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله، وصِلُوا أرحامكم”؛ (الصحيحة: 869).
فمن أراد أن يصله الله تعالى فليصِلْ رَحِمَه[4]:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ[5] -وفي رواية: حتى إذا فرغ من خلقه- قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ[6] مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، وفي رواية: فهو لكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [سورة محمد: 22- 23 ][7]“.
قال ابن جريج -رحمه الله- في هذه الآية: “أي: هل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام”.
فالعيد فرصة عظيمة نستدرك ما قد فاتنا أو قصرنا فيه من صلة الأرحام. عسى الله أن يغفر لنا زلَّاتنا، ويعفو عن تقصيرنا في حق أرحامنا.
[1] يبسط له في رزقه؛ أي: يُوسَّع له فيه.
[2] يُنْسَأَ له في أثَرِهِ؛ أي: يُؤَخَّر له في أجَلهِ وعُمُرِهِ، وضبطت يُنَسَّأَ: بضم الياء وتشديد السين المهملة.
[3] الصلة: يعني صلة الأرحام.
[4] للمؤلف رسالة خاصة في فضل صلة الأرحام ضمن سلسلة: “الكتاب الجامع للفضائل” فارجع إليها فضلًا لا أمرًا.
[5] حتى إذا فرغ منهم: أي كمل خلقهم.
[6] العائذ؛ أي: المستعيذ، وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه.
[7] فأصمهم؛ أي: عن سماع الحق. وأعمى أبصارهم: أي عن رؤية الهدى.