صور من تسليم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحيين


صور من تسليم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحيين

 

قال الزهري: “من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم”، فإن تعبيدَ الخلق لله رب العالمين وتحريرهم من رهق العبودية لغيره من أعظم مقاصد الشريعة، وكان لتحقيق هذه الغاية وسائل كثيرة، من أهمها وأكثرها ورودًا في النصوص الشرعية:

تربية المُتَلقّين على التسليم المطلق لكلام الله ورسوله، مهما خالفَ مراد الإنسان، وتعظيمِ الوحي قرآنًا وسُنة.

لذا لم يكن في تاريخ الرعيل الأول خلاف ولا اختلاف، لا في أصول الدين ولا فروعه لتعظيمهم أمر الله ورسوله، وهناك العديد من الصور التي تثبت ذلك التعظيمَ، وسيقتصر المقال على بعضها؛ لكثرتها، مع ذكر الآثار التربوية للتربية بالتسليم لله في حياة المسلم.

 

الصورة الأولى: هذا معقل بن يساررضي الله عنهزوَّج أخته لرجل، لكن هذا الرجل طلَّقها، ثم ندم وجاء يخطبها مرة أخرى، فقال معقل: زوجتُك وأكرمتُك ثم طلقت أختي، لا والله لا ترجع إليك أبدًا، فلما أنزل الله: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 232].

قال معقل: سمعًا لربي وطاعةً، ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك، ولك أن تتخيل صعوبة الموقف ولكن استجابة لأمر الخالق كان ذلك التسليم.

 

الصورة الثانية: في قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا، لم يكن العجيب فقط هو التزام الصحابة رضي الله عنهمهجر أولئك الثلاثة فحسب، مع أن بعضهم كان قريبًا وصديقًا حميمًا لبعض هؤلاء الثلاثة، ولكن العجب ازداد وعَظُمَ حين أمر النبيصلى الله عليه وسلم بعد مرور أربعين ليلة أن يعتزل الثلاثة نساءهم، فقال كعبٌ: أطلقها؟ أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها”.

لم يراجع كعب النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا منه التخفيف أو أن يذكر أن ما مضى من هجر الناس له طيلة هذه المدة كافٍ، بل بادر بالسؤال، فقال كعبٌ: أطلقها؟ أم ماذا أفعل؟ فلم يخض رضي الله عنه في تفاصيل الحكمة من هذا الأمر ولم يحمل الأمر على علة؛ بل التسليم لأمر الله ورسوله.

 

الصورة الثالثة: ذكر الحميدي أنه كان عند الشافعي، قال: “فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال الشافعي: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: وما تقول أنت؟ فقال الشافعي: سبحان الله! تراني في كنيسة، تراني في بيعة -أي دار عبادة اليهود- ترى على وسطي زنارًا -وهو شعار أهل الذمة- أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: ما تقول أنت”.

 

الصورة الرابعة: تقول أم سلمةَ رضي الله عنها: “لما نزلت آية الحجاب﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59] خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية”؛ [رواه أبو داود]، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساءَ المهاجرات الأول، لما أنزل الله ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] شققن مروطَهن فاختمرن بها “فأصبحن يصلين الصبح مُعْتجِراتٍ كأن على رؤوسهن الغربان”.

كل تلك الآثار العظيمة تدل على الاتباع، وعلى أن الإنسان يتبع ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يحكم عقله، ولا يجعل لعقله مجالًا في الاعتراض على الأحكام الشرعية، بل الواجب هو اتهام العقول، والموافقة للنقول.

لذا كلما حاول الإنسان أن يجعل العقل تبعًا للنقل، كان في سلامة من عمره، فمهما امتاز عقل الإنسان بالذكاء لكنه يعد قاصرًا في كثير من الأمور، ولا يمكن أن يلم بكل شيء ما لم يستند إلى حصن مكين كالنص الشرعي.

يقول الذهبي رحمه الله: “لعن الله الذكاء بلا إيمان”.

ومن أبرز الآثار التربوية للتربية بالتسليم لله في حياة المسلم أن التسليم والانقياد لأوامر الله عز وجل ونواهيه وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبني شخصية الفرد على تعظيم الله تعالى ومعرفته حق المعرفة، كما تجعل الفرد في خوف من الله تعالى، كما تعمل على تهذيب النفس وإصلاحها والتخلص من قيود الهوى والشهوات.

 

اللهم إنا نسألك بأحبِّ الأسماء وأحسن الصفات، ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تقذف في قلوبنا التسليم والانقياد والخضوع لك ولرسولك، وأن تجعلنا من عبادك الصالحين.

اللهم اجعل شعار حياتنا “سمعنا وأطعنا”، اللهم اجعلنا على درب رسولك سائرين، ولسُنته رافعين.

 

المراجع:

حسن صالح، ن. ع، نهيل علي، فالح المهيدات، تسنيم نور الدین (2018)، التربية بالتسليم لله تعالى وآثارها في حياة المسلم، مجلة کلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف-دقهلية، 20(2)، 867-900.

المقبل، عمر بن عبدالله (1438هـ)، تعظيم النص عند السلف أقوال ومواقف، ورقة مقدمة لمؤتمر تعظيم النص الشرعي الذي تنظمه كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم في 23 – 24 / 2 / 1438 هـ.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
صل على النبي (قصيدة)
من فقه السلام