ضوابط البديل الشرعي المنضبط للمعاملات المصرفية
ضوابط البديل الشرعي المنضبط للمعاملات المصرفية
البديل الشرعي للمعاملة المحرمة هو محل التقويم لمدى نجاح الناظر في اجتهاده، وهو كذلك محل التطبيق، وجني الثمرة بعد تجربته، وتعميمه؛ لذا كان البحث فيه متعينًا.
في دراسة أعدّها فريق من الباحثين في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بلغ ما أنتجه الفقه الإسلامي الاقتصادي من الصيغ المالية -حسب ما استخرجه الباحثون- أكثر من 1200 صيغة؛ [1] منها ما سلك مسلك التطبيق والممارسة، ومنها ما بقي في مجال التنظير والتأصيل، وهذه الصيغ الكثيرة المتنوعة يحتاج الناظر فيها إلى معايير، تضبط اجتهاده في تقييمها، وتقويمها.
وسأسرد هذه الضوابط متفرّعة تحت كل قسمٍ من أقسام البدائل المصرفية؛ باعتبار انقسامها من جهة أهدافها والحاجة إليها، وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين:
أ- بديل يغطي احتياجات الأفراد الآنية، ويصرفهم عن الاحتياج إلى المعاملات المحرمة، ويشترط في صياغة هذا البديل أن يخضع للضوابط التالية:
1- من الجهة الشرعية: أن يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، وقواعدها الكلية، بعيدًا عن العقود الشكلية، والصور التحايلية، وقد سبق في المباحث السابقة تفصيل ذلك.
2- من الجهة المالية: أن يأخذ بالوسائل المؤدية إلى رفع الإنتاجية والعائد، وتقليل المخاطر في حدود ما هو مشروع،[2] وهي النظرة الاقتصادية للمنتج البديل.
3- من الجهة الشخصية: أن يسعى إلى تحقيق حوائج الناس ومتطلباتهم؛ الضرورية، والحاجية، والتحسينية، مع التنبه إلى أنه:
• لا يشترط أن يكون البديل في درجة المبدل، وبنفس المواصفات والمقاييس، وإلا لما كان للفارق بين الحلال والحرام علل حقيقية، وما كان للابتلاء وطلب التسليم للشريعة فائدة،[3] والأصل هو تتبع الشرع، لا تتبع ما يحقق الرغبات الشخصية، قال الزهري-رحمه الله-[4]: “من الله الرسالة، وعلى رسول الله r البلاغ، وعلينا التسليم”[5].
• أن ما يصلح للعامة من البدائل قد لا يصلح للخاصة من أهل التقى والورع، الذين يحرصون على اجتناب المكروهات والشبهات؛ كحرص العامة على اجتناب المحرمات، بل ويحرصون كذلك على ترك بعض الحلال هربًا من القرب من دائرة المشتبهات [6].
ب- بديل يحقق معايير الجودة الشرعية؛ المساهِمة في تحقيق الاكتفاء، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، ومن أهم ما يتعلق به من ضوابط:
1- الاتجاه في المسار الصحيح للتدرج في ابتكار البدائل المصرفية؛ وتنويع مجالات الاستثمار لسدّ حاجات المجتمع، وفق الترتيب الشرعي للأولويات الاقتصادية؛[7] وتبني الصيغ المتوازنة بين عاجل الحوائج، وآجل النتائج،[8] وبين المنافسة مع غيرنا، والتعاون مع بعضنا.
2- اعتماد الصيغ التي تحقق النمو والاستقرار الاقتصادي؛ كرفع مستوى الإنتاج عن طريق الشركات المساهمة في مجالي الصناعة والتعدين، أو عن طريق المضاربة مع المستثمرين العاملين في المجالات الزراعية والحيوانية والتجارية، والبنى التحتية، ونحوها[9].
3- وجود المصفاة الأخلاقية في اختيار المشروعات والتمويلات[10].
4- السعي في المحافظة على المال، وتنميته، وإتباع أرشد سبل الاستثمار، وترشيد الاستهلاك، وتوجيه الفائض لأغراض التنمية، والبعد به عن المجازفات[11].
5- تجنب ترويج الصيغ المالية التي تشجع على السفه،[12] وعلى رفع معدلات المديونية في المجتمع، وقد حذّرنا الله تعالى من ذلك فقال: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾[13].
6- اعتماد الآليات التي تحقق العدالة الاجتماعية، من خلال توزيع الدخول على جميع عناصر الإنتاج، وتوسيع أنظمة التكافل، والسعي في تقليص التضخم، وتحقيق العدالة في الأجور والمداينات[14].
[1] ينظر: مقال سناريوهات التشابه بين المنتجات المالية الإسلامية والتقليدية، لناصر الزيادات، ص(519) .
[2] ينظر: الهندسة المالية، لقندوز، ص(23) .
[3] ينظر: الروح، لابن القيم، ص(136)، مستقبل علم الاقتصاد، لمحمد شابرا، ص(315)، فقه البدائل الترفيهية، للمنجد، مقال منشور على شبكة الانترنت .
[4]هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو بكر الزهري القرشي المدني، كان أحفظ أهل زمانه، حدّث عن ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك y، توفي سنة 124هـ، له ترجمة في الثقات، لابن حبان، (3/ 349-350)، تذكرة الحفاظ، للذهبي، (1/ 108-113).
[5] صحيح البخاري، (9/ 189).
[6] ينظر: البدائل المشروعة وأهميتها في نجاح الدعوة، للبيانوني، ص (217).
[7] ينظر: البنوك الإسلامية، لفليح حسن، ص (412).
[8] ينظر: سياسة الجودة الشرعية في المصرفية الإسلامية، لعبد العزيز بن سطام، ص (263).
[9] ينظر: أساسيات الصناعات المصرفية الإسلامية، لصادق الشمري، ص (225).
[10] ينظر: مستقبل علم الاقتصاد، لشابرا، ص(162-163)، الاقتصاد الإسلامي علم أم وهم، لمنذر قحف، ص(187).
[11] ينظر: المقاصد العامة للشريعـة، لإحسان مير، (2/ 793-796)، التنمية الاقتصـادية، لعبد الحق الشكيري، ص(129) .
[12] ينظر: الإسلام وضرورات الحياة، للقادري، ص(129) .
[13] ] النساء : 5 [ .
[14] ينظر: في الاقتصاد الإسلامي، لرفعت العوضي، ص(98-106) .