ظاهرة النجومية والتعلق بالمشاهير


ظاهرة النجومية والتعلق بالمشاهير

إن التعلق بالمشاهير كان ولا يزال في الناس ومجبول عليه أكثر الخلق غير أنه في الزمان القديم الطيب؛ زمن العلم والعلماء كان الناس يحبون مشايخهم ومعلميهم، ويلتفُّون حولهم ينهلون منهم العلم؛ فكان التعلق بهم لا يضير، بل يشجع الطلاب للجلوس معهم والتعلم منهم ونشر علمهم ودعمهم ونحوه، فنجد أن لكل إمام من الأئمة في الماضي جمعًا من المريدين والتابعين الذين حملوا علمه وزادوا فيه ونشروه بين الناس؛ فاستفادوا وأفادوا الناس معهم، وأمَّا الآن فقد انقلبت الموازين، وأصبح الناس يحبون أخس طبقات المجتمع وأكثرها فجورًا ومعصيةً، فتجدهم يتعلَّقون بالنجوم والمشاهير، فلا يستفيدون منهم شيئًا سوى ضياع الأوقات وجني الذنوب والمعاصي بالاستماع إلى الأغاني الماجنة ومشاهدة الحرام في الأفلام والمسلسلات من مناظر فاضحة وأفعال منكرة تعرضها الشاشات على الملأ في منتصف النهار، وتنشر بها الفساد في المجتمع وتروِّج للرذيلة والفواحش والمنكرات، وقد جُبِل الناس من قديم الزمان على مُحاكاة من يحبونهم لا سيَّما من النجوم المشاهير.

والنجومية هي الشهرة وانتشار شعبية الإنسان الذي غالبًا ما يكون من الممثلين أو الفنانين أو لاعبي الكرة ونحوهم، وكانت هذه الظاهرة أقل انتشارًا قبل انتشار شبكات التواصُل الاجتماعي التي فتحت الباب على مصراعيه للناس لتصبح النجومية ليست مقتصرةً على هذه الفئة من الناس؛ بل امتدت لتحتوي أصحاب قنوات اليوتيوب وحسابات الإنستقرام والتويتر وغيرها، وأصبح من السهل أن يصبح الشخص العادي الذي لا يمتلك التميز والمواهب التي كانت مطلوبة في السابق ليصل إلى لقب “نجم”. وهذا قد غير كثير من القيم في المجتمع، وأدَّى إلى تدني المستوى الفني والمضمون الذي يجذب المجتمع ليصير يتضمن محتويات لا تمتُّ للفن بصلة، ومعظمها غث لا فائدة منه ولا وزن فيه؛ بل وربما تكون من أتفه المحتويات وأدناها؛ مثل اشتهار أفراد في يوتيوب لأجل مقطع من غناء شعبي أو كلمات غير مفهومة أو حركات مملوءة سذاجة وربما هبل، وهذا أثَّر سلبًا في تفكير الشباب واهتماماتهم، وساعد على تدني مستواهم الأخلاقي والعلمي والفكري.

وقد ساعدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على انتشار التعلق بالمشاهير بنشر أخبارهم وصورهم وأفلامهم وأغانيهم وترويج أفكارهم وبدعهم ومعاصيهم بين الناس لا سيَّما الشباب، كما ساعدت هذه الوسائل على زيادة التعلُّق الجنوني بهم الذي يجعل الإنسان منشغلًا عن طاعة الله ومتهاونًا في عباداته، فنجد من يفتح قنوات اليوتيوب لمتابعة نجومهم الذين يحبونهم أكثر من حب الله، ويضيعون الساعات الطوال في مشاهدة ما يقدمونه ويستعيضون به عن الذكر وقراءة القرآن والصلاة، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة: 165]؛بل قد تجد أحدهم يسرع مهرعًا لمشاهدة المسلسل إن حان موعده، ويقضي الساعات في مشاهدته، بينا يؤذن الآذان وتقام الصلاة وهو لا يحرك ساكنًا من موضعه، فالمسلسل عنده أهم من الصلاة ومن الدنيا برمتها، وما ذلك إلا لما يعرض فيه من صور محبوبه من المشاهير وما يسميه المجتمع اليوم بــ”فنانه المفضَّل”، فأصبح هواه هو ما يقوده ويتحكم فيه ويملأ عليه وقته، فلا ذكر لله ولا للآخرة وهو في أشد غفلات الغافلين، فلم يعد يقبل نصيحة أو تنفع فيه موعظة، فيُختَم على قلبه لغرقه في الملذَّات والشهوات دون توبة ولا استغفار ولا صلاة ولا علم؛ قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23].

التعلق بالمشاهير وظاهرة النجومية تحت منظور مقاصد القرآن الكريم:

رفع شأن هؤلاء المشاهير والنجوم لدرجة التقديس، وجعلهم شغل الناس الشاغل فيه سوء أدب مع الله؛ إذ كان الأولى بهم أن يجعلوا شغلهم الشاغل هو السعي لمرضاة الله لا لتجاهله وإهمال طاعته، والتعلق الشديد بغير الله فيه ضعف للإيمان والعقيدة، وهذا قد يتناقض مع مقصد إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].

تضييع أوقات كبيرة لتتبُّع أخبار المشاهير والنجوم قد يؤدي إلى تضييع الصلاة وإهمال العبادات، وهذا قد يتناقض مع مقصد تشريع الأحكام، قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5]،كما أن هذا قد يؤثر سلبًا في مسيرة تعليم الأفراد التي تتطلب وقتًا طويلًا يكاد يستحيل توفيره مع متابعة المشاهير وتضييع الأوقات في محتواهم الغث، وهذا قد يتناقض مع مقصد التعليم.

نشر صور المشاهير والنجوم وأفلامهم يؤثر في تفكير الناس وسلوكهم، فينتشر تقليد المشاهير في لبسهم وسلوكهم بين أوساط الشباب والمراهقين ومحاكاة أفعالهم الفاسدة، وهذا قد يتناقض مع مقصد تهذيب الأخلاق ومقصد المواعظ، والإنذار، والتحذير، والتبشير، كذلك إنه قد يؤدي إلى الوقوع في الهوى والعشق المُحرَّم، وهذا محذور يؤدي إلى تغيير أحوال الناس إلى الأسوأ ويتناقض مع المقصد الكلي عند ابن عاشور، وهو صلاح الأحوال الفردية والجماعية.

صرف الأموال في شراء أفلامهم وأجهزة تشغيلها ونحوه فيه تبذير للمال وضياع له، وهذا قد يناقض مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 27].

النصائح والضوابط المقترحة:

يجب وضع حَدٍّ لمثل هذه الظواهر بتقليل تسليط الضوء على النجوم والتركيز على نشر برامج الدعاة؛ كالفتاوى ودروس الوعظ والخطب المنبرية.

يجب توعية الناس بفساد الممثلين والمغنين والنجوم وأنهم ليسوا أهلًا ليكونوا محطَّ أنظار أفراد الأمة وشبابها.

يجب حذف الصور والمقاطع المُخِلَّة بالأدب من وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التلفاز، كما يجب تدخُّل الدولة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التحكم بالمحتوى الذي يعرض في هذه القنوات.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
خطبة: الدعاء على الأولاد
سورة الكهف والدجال (2)