عبودية خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم
عبودية خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم
لا شك في أن أكمل العبودية وأشرفها وأعظمها قدرًا وأعلاها رُتبة ومكانة عبودية النبيين والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام – ذلك لأنهم أفضل البشر على الإطلاق، وذلك بدلالة نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة والنظر الصحيح كذلك، وإن أعظمها وأجلَّها وأعلاها قدرًا عبودية خاتمهم وإمامهم وسيدهم وقدوتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “حقَّق الله له نعت العبودية في أرفع مقاماته؛ حيث قال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ [الإسراء: 1]، وقال تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19]، ولهذا يشرَع في التشهد وفى سائر الخطب المشروعة كخطب الجمع والأعياد، وخطب الحاجات عند النكاح وغيره – أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله”[1]،
هذا ولقد وُصِفَ النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الله بالعبودية في أشرف المقامات وأعلاها وأزكاها كما مر آنفًا بيان شيخ الإسلام لبعضها، ونعيد بيان تلك المقامات بشيء من الإيضاح؛ قال سبحانه في مقام الوحي: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم:10]، وقال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وقال أيضًا: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، والوحي من أعلى المقامات وأشرفها، وقال في مقام الدعوة إلى الله: ﴿ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19]، والدعوة التي هي إبلاغ الحق للخلق بأمر الخالق، شرف لا يدانيه شرف، وقال في مقام ولايته وكفايته له أيضًا: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه ﴾ [الزمر:36]؛ قال ابن سعدي – رحمه الله-: “أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصًا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء”[2].
وقال في مقام التحدي: ﴿ وَإِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ ﴾ [البقرة:23].
وقال سبحانه في مقام الإسراء: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء:1]، وهو مقام تشريفي خُصَّ به أشرفُ الخلق صلى الله عليه وسلم من بين العالمين.
قال القرطبي: “قال العلماء: لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسم أشرف منه، لسماه به في تلك الحالة العلية.
قال القشيري: لَما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية، ألزمه اسم العبودية تواضعًا للأمة”[3].
ويؤكد الشنقيطي (ت: 1393هـ) بيان ما ذكره القرطبي حول آية الإسراء، فيقول رحمه الله: “والتعبير بلفظ العبد في هذا المقام العظيم يدل دلالة واضحة على أن مقام العبودية هو أشرف صفات المخلوقين وأعظمها وأجلُّها؛ إذ لو كان هناك وصف أعظم منه، لعبَّر به في هذا المقام العظيم الذي اخترق العبد فيه السبع الطباق، ورأى من آيات ربه الكبرى”[4].
[1] مجموع الفتاوى (1/66). مجموع الفتاوى المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية عام النشر: 1416هـ/1995م.
[2] تفسير ابن سعدي: (ص: 725). تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى 1420هـ -2000 م عدد الأجزاء: 1.
[3] الجامع لأحكام القرآن: (10/ 205). تفسير القرطبي، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م عدد الأجزاء: 20 جزءا (في 10 مجلدات).
[4] تفسير أضواء البيان، للشنقيطي: (3/ 8). أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان عام النشر: 1415 هـ – 1995م.