عبودية عموم الخلق
عبودية عموم الخلق
إن الكلام على عبودية عموم الخلق قد سبق بحثه، وهنا نشير إليه مقتضبًا فحسب، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذا يشمل جميع المكلفين من عموم الثقلين.
كما أنه قد مَرَّ معنا في طيات البحث أن عموم الخلق يشملهم وصف العبودية، فمنهم من أقبَل على عبودية الله طائعًا مختارًا، ومنهم مَن شرد عن عبودية الاختيار، فقهره الله بعبودية القهر والغلبة التي لا تنفك عن أهل الجحود والنكران، كما أن عبودية الطاعة والاختيار تَميَّز بها عبادُ الله الأبرار.
أما أهل عبودية الاختيار، فاندرجوا بتلك العبودية تحت عبودية توحيد الألوهية، فألَّهوا ربهم وعبدوه وعظَّموه، وعبدوه خوفًا وطمعًا، ورغبًا ورهبًا.
وأما أهل عبودية الغلبة والقهر، فإنهم خرجوا عن مسمى الألوهية، فَغُلِبوا وقُصِرُوا قَهرًا تحت مسمى الربوبية.
من هنا يتجلى الأمر ويتَّضح أن الخلق جميعًا شاؤوا أم أَبَوا كلهم عبيد لله، فإن أقبلوا على ربهم طائعين مختارين، فقد حازوا شرفَ السَّبق، واندرجوا تحت عبودية التكريم والتشريف، وإن انتكبوا الصراط وامتنعوا عن قبول كرامة الله، والدخول تحت مسمى تلك العبودية، فإن الله قد قهَرهم وغلبهم على أمرهم، وقصَرهم على عبودية القهرة والغلبة ذليلين صاغرين؛ لأنه سبحانه هو خالقهم ورازقهم ومُحييهم ومميتهم، وباعثهم ومحاسبهم، ومجازيهم على أعمالهم، فليس لهم مِن مَهرب ولا مفر، ولا محيص عن تلك العبودية، ولا انفكاك لهم عنها بحال من الأحوال.