عيب خلقي جعلني أقسو على ابني
♦ الملخص:
أمٌّ أهملت ابنها، وقستْ عليه؛ لأنه وُلد بعيب خلقي، وهو ضيق صمامات القلب، فأرسلته إلى أمه لتربيه مدة، فظل الولد عندها تسع سنوات، لم تكن الأم تراه إلا في العطلات، ولأن الأب طبيب، فقد كان يتولى العلاج والفحوص الخاصة بالولد، فلما مرِضت أمها، لم تعد قادرة على تربية الولد، فأرسلته إلى بيت والديه، فلقِيَ الولد من أبويه قسوة، وقلة اهتمام، جعلته ينزوي على نفسه، وأصبح مكتئبًا حزينًا، يجلس وحيدًا، والأم تخشى عليه، وتريد إخراجه من تلك الحالة، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا أمٌّ لثلاثة أبناء، وثلاثة بنات، ابني البكر في الثالثة عشرة من عمره، وُلِد بعيب خُلُقي؛ ضيق في صمامات القلب، وكان أمره عليَّ وعلى أبيه صعبًا، ولقد كنت صغيرة، وولدت بعده بسنتين بنتين توأم، فلما كان صعبًا عليَّ الاهتمام به وبالتوأم جميعًا؛ طلبت من أمي – التي تسكن في منطقة ثانية – أن تربيَه مدة، فلم أكن أرى طفلي إلا في العطلات، ولأن زوجي طبيبٌ، فقد كان مهتمًّا بالفحوص والعلاجات الخاصة به، ويأخذه كل شهرين إلى المستشفى، وإذا مرِض ولدي، بقِيَ أبوه معه حتى يشفى، فلما أن صار عمره تسع سنوات، مرِضت أمي، ولم تعد تستطع الاهتمام به، فأخذنا الولد عندنا، ومنذ دخل بيتنا، كان أبوه يعامله بقسوة، حتى أمام إخوته، ويطلب منه أن يقوم بأعمال المنزل كتنظيف الحديقة، وغير ذلك، ويتصيد له الأخطاء؛ كي يضربه، أما أنا، فلم أكن أحب أن أراه دائمًا، وقد حاولت أن أهتم فيه كما أهتم بإخوته، فلم أستطع، وإذا ذهبنا إلى أي مكان، فممنوع عليه أن يطلب شيئًا، ونحن لا نسأله أصلًا إن كان يريد شيئًا أم لا، ولا نشتري له إلا الضروريات، مع أنه أجمل أولادي، ومؤدب، وهادئ، ومتفوق في الدراسة، لكن لا أدري لمَ لمْ أحبه كإخوته، الآن تغيرت حاله؛ فقد كان يحاول يتقرب إلينا ويفرح بما نعطيه، والآن أصبح مكتئبًا هادئًا، لا يكلم إخوته، وليس عنده أصدقاء، وكان يسأل عن أمي، والآن لم يعد يسأل عنها، وضعفت رغبته في الأكل، وكان يجلس لمشاهدة التلفاز، أو يجلس في الحديقة، أو يرسم، أما الآن فهو ملازم غرفتَه، ينهي العمل المطلوب منه، ثم يرجع غرفته، وكلما دخلت عليه، وجدته مُطْرِقًا، وعندما أسأله: ما بك؟ لا يرد عليَّ، ويظل صامتًا، أنا خائفة عليه، أريد إخراجه من تلك الحالة، فماذا أفعل؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن تربية الأبناء ورعايتهم أمانة ومسؤولية، نُحاسَب على التفريط فيها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته))؛ [متفق عليه].
أختي الكريمة: إن ما ذكرتِ من أحداث لَتُثير الشعور بالألم والحسرة تجاه هذا الابن، وكيف أن الظروف قد آلت به إلى الشعور بالاضطهاد، والرغبة في العزلة والانسحاب، وانخفاض مستوى الرضا عن الذات.
وإليكِ هذه التوصيات؛ لعلها تساهم في علاج المشكلة، والتخفيف من آثارها:
أولًا: لا بد من رفع مستوى الإحساس بالمسؤولية لدى المربِّي، والانتباه إلى طريقة التعامل مع الأبناء، ومراقبة الله تعالى في ذلك.
ثانيًا: اجتنبوا التعامل القاسيَ والفظَّ معه؛ فهو يبني الحواجز بينكم، ويجعله غير متقبِّلٍ لتوجيهاتكم؛ فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))؛ [رواه مسلم].
ثالثًا: تأملوا أسباب هذه القسوة التي تنبعث من مشاعركم تجاه هذا الابن؛ فالمشاعر هي التي تقود السلوك، عالجوها، ولا تُحمِّلوه ما ليس في وُسْعِهِ.
رابعًا: دَعُوه يشعر بالانتماء إلى هذه الأسرة، وأهمية وجوده؛ وذلك بالتعامل الجيد والاهتمام.
خامسًا: اهتموا باحتياجات مرحلته العمرية، وتلبية رغباته، وتَمْكِينه من ممارسة هواياته التي تحسن من شعوره، وتُشْعِره بقيمته.
سادسًا: لا تحمِّلوه من المهامِّ والأعباء ما لا يتناسب مع مرحلته العمرية.
سابعًا: تداركوا الفرصة قبل أن تزداد أزمتُه، ويصعب الخلاص من آثارها؛ فهو في مرحلة المراهقة، وبداية تشكُّل الشخصية ورسم معالمها.
ثامنًا: تحرَّوا العدل بين الأبناء في التعامل، وفي مداراة المشاعر كذلك؛ فالابن في هذه المرحلة مرهف الشعور، ويعي ما يدور حوله.
تاسعًا: مشكلة التفرقة بينهم في التعامل ليست في إذكاء نار الكراهية تجاه الوالدين فقط، بل تجاه إخوته كذلك؛ فلا تقتلوا المودة في قلبه تجاهكم جميعًا، ولا تكونوا السبب في العداوة والقطيعة بينكم في المستقبل.
أسأل الله للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.