فائدة في النحو والإعراب


فائدة في النحو والإعراب

 

س: نقول: فاعل مرفوع بالضمة، أم فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة؟

ج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فإن الجواب عن هذا السؤال يحتاج مزيدًا من التفصيل؛ حتى تتضح الأمور لكل ذي عينين.

 

فأقول: اعلم – رحمني الله وإياك – أن النحاة في أعاريبهم على قسمين:

1- قسم يرى أن الضمة هي عين الرفع؛ لذا يقولون: فاعل مرفوع بالضمة.

 

2- قسم آخر يرى أن الضمة علامة على الرفع؛ لذا يقولون: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

 

والسؤال: لِمَ اختلف النحاة في طريقة الإعراب؟

الجواب: هذا الخلاف يرجع إلى خلاف في مسألة قديمة بين نحاة البصرة والكوفة؛ وهي مسألة حقيقة الإعراب.

 

فقد ذهب البصريون إلى أن الإعراب لفظي، بينما أبى الكوفيون ذلك، وذهبوا إلى أن الإعراب معنوي.

 

أقول للتوضيح: معنى لفظي؛ أي: منطوق يلفِظه لسانك، ومعنى معنوي: لا يظهر في النطق، ولا يلفظه اللسان، ولكن يدل على وجوده شيء آخر يلفظه اللسان، ويظهر في النطق، وجعلوا علامات وحروف الإعراب هي الدليل على وجود الإعراب.

 

الإعراب كما نعلم له أربعة ألقاب: الرفع، والنصب، والجر، والجزم.

 

فمعنى قول البصريين: الإعراب لفظي؛ أي: إن الرفع هو عين الضمة، والنصب هو عين الفتحة، والجر هو عين الكسرة، والجزم هو عين السكون.

 

فالرفع والضمة وجهان لعملة واحدة، وكذا النصب والفتحة …؛ إلخ.

 

وما يُقال فيما يُعرَب بالحركات يُقال كذلك فيما يُعرَب بالحروف.

 

فمثلًا المثنى: في حالة الرفع يكون الرفع هو عين الألف، والنصب والجر عين الياء، وعلى هذا فَقِسْ.

 

أما الكوفيون، فيرون أن الإعراب معنوي، وأن الحركات والحروف ما هي إلا علامات على ذلك الإعراب، وليست هي الإعراب.

 

فالرفع ليس هو الضمة، وإنما الضمة علامة على الرفع، والنصب ليس هو الفتحة، وإنما الفتحة دليل، وعلامة على وجود النصب، والخفض (الجر) ليس هو الكسرة، وإنما الكسرة علامة تدل على وجود الخفض …؛ إلخ.

 

من هذا الخلاف نشأ الخلاف في طريقة الإعراب بين النحاة.

 

فمن قال من النحاة: فاعل مرفوع بالضمة، فإنه يتبنَّى قول البصريين في حقيقة الإعراب، وأن الإعراب لفظي يظهر في النطق.

 

ومن قال من النحاة: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، فإنه يتبنَّى قول الكوفيين في حقيقة الإعراب، وأن الإعراب شيء معنوي، لا يظهر في النطق، وإنما يدل على وجوده دليلٌ وعلامة؛ وهي حركات وحروف الإعراب المعروفة.

 

لذا فلا غضاضة إن أخذت بأيِّ قولٍ شئتَ.

 

ثم أريد أن تنتبه لمسألة؛ وهي أن التطبيق أحيانًا يخالف التنظير؛ فقد ذكر الشيخ الحازمي في شرحه على الألفية أن هناك من نحاة البصرة مَن قد خالف تطبيقه تنظيره؛ فمثلًا تجده يقول في إعرابه: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهذا هو عين مذهب الكوفيين، فكيف يُرَدُّ على ذلك؟

 

قال أهل العلم: إن هذا الصنيع من قبيل مخالفة التطبيق للتنظير، وفيه تسامح في الكلام، ولا بأس بذلك.

 

أقول: هذا يدل على أن كلا المذهبين سائغ؛ ومن ثَمَّ فلا يجوز على أحد أن ينكر على من أخذ بالمذهب الآخر؛ فإن شئتَ فخُذْ بمذهب البصريين، وإن شئتَ فخُذْ بمذهب الكوفيين.

 

والخلاف في هذه المسألة لا يترتب عليه كبيرُ فائدة.

 

هذا، والله أعلم.

وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد، وآله، وصحبه أجمعين.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
مكتبه السلطان – كتب مسموعة// كتاب لماذا من حولك أغبياء ؟ // كتب صوتية ( خير جليس جيل يقرأ )
انطلاق معرض الشيخ زايد للكتاب تحت شعار “الثقافة والنصر”