فشلت في زواجي مرتين
♦ الملخص:
امرأة فشِلت مرتين في حياتها الزوجية، الأمر الذي جعلها تشعر بأنها غبية ولا تستطيع اتخاذ قرار في حياتها، وأنها لن تستطيع أن تعيش كأقرانها؛ ما جعلها في حالة نفسية سيئة، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
بعد طلاقي الذي كان بطلبٍ مني إذ نفرتُ من زوجي، ولا أدري إن كان تسرعًا مني أم شيئًا لا لومَ عليَّ فيه، المهم أنني خُطبتُ، وفي الرؤية الشرعية لم يعجبني شكله، لكنني وافقتُ، وعُقِدَ قِراني، وبعد عقد القران، وجدت أن شكله ما زال نقطةَ ضعفٍ، فدائمًا ما أشعر بضيقٍ وحزنٍ، وأشعر أنني تنازلت عن شيء يهمني، وطفِقْتُ أُقنعُ نفسي به، فتارة أقتنعُ، وتارة أتحسر وأتألم، فطلبت الانفصال عنه، برغم حبي له حبًّا شديدًا، وكوني أريده في حياتي، لكني علمت أن شكله من الممكن أن يسبب لي مشكلة، وأنني لن أتقبله، وسوف أنفِرُ منه، أو أُشعِرُه بالنقص، أو أعيش بشعور عدم الاكتفاء به زوجًا، فأظلمه معي، لكني لمتُ نفسي على أنني رفضته بعد عقد القران، وكان يجب عليَّ أن يكون هذا الأمر في مدة الخِطبة، والآن أعيش في حالة نفسية سيئة، أكره نفسي، وأكره ضعفي وفشلي في اتخاذ القرارات، وأجْلِدُ ذاتي، معتقدة أنني ظلمت كلا الرجلين، وظلمت نفسي، وأخاف أن أبتلى بزوجٍ لا يخاف الله، أو يكون فيه علة تستدي الطلاق، وحينئذٍ سيكون الأمر صعبًا عليَّ، ولن يدعمني أهلي، وسيشعرون أني لا أستطيع اتخاذ قرار لنفسي، ولا أفكر فيما أفعل، على الرغم من أنني فكرت في كلتا المرتين ولم آلُ جهدًا في التفكير، فقدتُ أملي في الارتباط بشخصٍ كما ترتبط أي فتاة، أعتقد أنني مجبرة على التنازل عن بعض أشياء، حتى ولو لم أكن مقتنعة، وأدْخُلُ على إثر ذلك في حالة من البكاء والهيجان؛ إذ كل من عمري قد تزوجْنَ، وحياتهم مستقرة، أما أنا فلم أعِشِ التجرِبة قط، فطلاقي كان سريعًا، وأشعر بالمَسْكَنَةِ، وأن الناس ينظرون إليَّ بإشفاق، ويزيد الأمر سوءًا أني لست موظفةً، فحياتي تتمحور حول هذا الأمر، وليس لديَّ منا يشغلني عن ترقُّب خِطبتي من رجل أحبه، أرجو توجيهكم، فأنا أشعر بالمسكنة والضياع والفشل والغباء، وأنني غير ناجحة اجتماعيًّا ولا مهنيًّا، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- عدم التوفيق في زواجَين سابقين بسبب العجلة في اتخاذ القرارات.
٢- يظهر أنكِ حساسة جدًّا، وتعطين الأمور أكبر من حجمها، وهذه الحساسية المفرِطة متعِبة لكِ جدًّا.
٣- يبدو من سردكِ لمشكلتكِ أنكِ تُعانين من ضعف في إيمانكِ، وفي توكلكِ على الله سبحانه، وفي إيمانكِ بالقدر، وفي عباداتكِ، وهذا كله يجعلكِ قلِقة متوترة، خائفة حزينة باكية.
٤- يبدو واضحًا كثرةُ لومكِ لنفسكِ، وتعليقكِ كل ما حصل لكِ على ما وصفتِهِ بضعفكِ وبفشلكِ، وأنكِ مسكينة وغبية…
وبمعنى آخر: علَّقتِ كل ما حصل على الأسباب فقط، وجلدتِ ذاتكِ جلدًا مؤلِمًا، لا طائلَ من ورائه، ثم تقولين: أريد منكم توجيهًا، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: العَجَلَةُ في اتخاذ القرارات المصيرية غير مأمونة العواقب، لذا فخذي لكِ درسًا مستقبليًّا في التأني والاستخارة، والسؤال عن الخاطب، وإن رأيتِ الخاطب، ولم يَرْتَحْ قلبكِ له، فلا تخاطري بالموافقة عليه.
ثانيًا: الحساسية الزائدة والمثالية المبالَغ فيها صفتانِ منبوذتان، ولهما آثار نفسية مدمِّرة، فابتعدي عنهما، واسألي ربكِ سبحانه أن يصرفهما عنكِ، وتأملي كثيرًا الحديث التالي، واعملي به، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ))؛ [متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلمٍ]، وفي رواية البخاري: ((إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ)).
ثالثًا: الزوج الصالح هو من جمع بين الدين والخُلُق، وهو الذي يُكرم المرأة ويُعطيها حقوقها، وليس الشكل فقط، ولكن لعلكِ ابتُليتِ بالنظر للمشاهير من الفنانين واللاعبين وغيرهم، وتعلقتِ بأشكالهم، ثم احتقرتِ شكل زوجكِ بالنسبة لهم، فإن كان ذلك قد حصل، فحاسبي نفسكِ على هذا الخطأ الفادح.
رابعًا: كما وصفت لكِ: إن مشكلتكِ تدل على ضعف شديد في إيمانكِ وصبركِ، لذا فلا بد أن تعملي بجدٍّ على تقوية إيمانكِ بالآتي:
١- طلب العلم النافع.
٢- الإكثار من الصلاة والدعاء.
٣- الإكثار من الأعمال الصالحة الأخرى؛ مثل: تلاوة القرآن، والذِّكْرِ، والصدقة، والصيام، ومجالسة الصالحات…
خامسًا: جَلْدُ الذات وتعليق كل المصائب على الأخطاء والغباء، كل ذلك لا يُجدي فتيلًا، ولا يُعيد مفقودًا، بل فقط يصيب بالإحباط والحزن والكآبة، والحل هو الإيمان بالقدر، وعدم اليأس من رحمة الله سبحانه، وكثرة الاسترجاع؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157].
سادسًا: ولا مانع من محاسبة معقولةٍ للنفس على أخطائها لتصحيحها مستقبلًا، وليكن ذلك باعتدال دون إسراف ولا مبالغة، ولا تحطيم للنفس.
سابعًا: استمري في الدعاء بإلحاح وصدقٍ في طلب الزوج الصالح، ولتأخذي دروسًا من أخطائكِ السابقة، فلا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين، وتذكري قوله عز وجل: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، وقوله سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
ثامنًا: مما يُسليكِ أن تعلمي يقينًا جازمًا بأن كل ما أصابكِ قدرٌ كتبه الله عليكِ؛ لرفع درجاتكِ، وتكفير سيئاتكِ؛ لقوله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
تاسعًا: ومما يسليكِ علمكِ الجازم بأن الزوج المكتوب لن يمنعه أحد أبدًا؛ لقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].
عاشرًا وأخيرًا: أنصحكِ بهجر الأحزان، فلن تورثكِ إلا علقمًا مُرًّا، وبدلًا عنها انهضي واعملي بما ذكرته لكِ من توجيهات، خاصة تقوية العلاقة بالله سبحانه، ومحاسبة النفس على المعاصي؛ لأن المؤمن قد يُبتلَى بسبب معاصيه؛ كما قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
حفظكِ الله، ورزقكِ الثبات والزوج الصالح، وشفاكِ من الاستعجال والأحزان.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.