فضائل ليلة القدر


فضائل ليلة القدر

 

الـحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فإن ليلة القدر المباركة لها فضائل كثيرة؛ فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 – 5].

 

اسم ليلة القدر:

قال الإمام النووي رحمه الله: “قال العلماء: سُمِّيَت ليلة القدر؛ لِما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة؛ كقوله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، وقوله تعالى ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]؛ ومعناه: يُظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به، وتقديره له، وقيل: سُمِّيت ليلة القدر؛ لعِظَمِ قدرها وشرفها، وأجمع من يُعتَدُّ به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة”؛ [صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 8، ص: 57].

 

قال العلماء: وإنما سُمِّيت بذلك؛ لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة.

 

فضائل ليلة القدر:

نستطيع أن نوجز فضل ليلة القدر في الأمور الآتية:

(1) أنزل الله تعالى القرآن الكريم جملةً واحدةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].

 

(2) عبادة ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر؛ قال سبحانه: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].

 

(3) يكثُر نزول الملائكة في ليلة القدر؛ قال تعالى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4].

 

(4) ليلة القدر كلها سلام وخير وبركة، حتى طلوع الفجر؛ قال سبحانه: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3].

 

قوله: ﴿ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾: قال قتادة بن دعامة رحمه الله: “هي ليلة القدر”؛ [تفسير الطبري، ج: 21، ص: 6].

 

(5) قيام ليلة القدر سبب لمغفرة الذنوب.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))؛ [البخاري، حديث: 2014].

 

قوله: (إيمانًا): أي: مـخلصًا وتصديقًا وإيمانًا بالله سبحانه وتعالى.

 

قوله: (واحتسابًا): أي: طلبًا للثواب الجزيل من الله تعالى.

 

(6) تقدير أعمال السنة كلها في ليلة القدر؛ قال الله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4].

 

قال قتادة بن دعامة رحمه الله: “فيها يُقضَى ما يكون من السنة إلى السنة”؛ [تفسير الطبري، ج: 21، ص: 9].

 

الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان لإدراك ليلة القدر:

روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مِئزرَه، وأحيا ليله، وأيقظ أهله))؛ [البخاري، حديث: 2024، مسلم، حديث: 1174].

 

قولها: (دخل العشر): أي: العشر الأواخر من شهر رمضان.

 

قولها: (شد مئزره): أي: اعتزل النساء.

 

قولها: (وأحيا ليله): أي: أحيا ليله بالصلاة والدعاء وذكر الله تعالى.

 

قولها: (وأيقظ أهله): أي: أيقظ أهله للصلاة في الليل.

 

الحكمة من إخفاء ليلة القدر:

روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أُرِيتُ هذه الليلة، ثم أُنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وَتر))؛ [البخاري، حديث: 2018، مسلم، حديث: 1167].

 

روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((تحرَّوا ليلة القدر في الوَتْرِ، من العشر الأواخر من رمضان))؛ [البخاري، حديث: 2017، مسلم، حديث: 1169].

 

قال الإمام أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله: “قال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر؛ ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُيِّنت لها ليلة، لاقتُصر عليها”؛ [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج: 4، ص: 266].

 

دعاء ليلة القدر:

روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوُّ تحب العفو فاعفُ عني))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 2789].

 

ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة؛ فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة؛ وأختم بقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
بحوث حديثية (1): هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء (PDF)
عبادة الشكر (خطبة)