فوائد معرفة مصادر السيرة النبوية


فوائـد معرفة مصادر السِّيـرَة النَّبويَّة[1]

 

 

معرفة السِّيـرَة النَّبويَّة دين، والتعريف بها تعريف بمبادئ هذا الدين وأسسه، ومُدارستها من ركائزه.

 

وَالسِّيـرَة النَّبويَّة حِقْبة من أروع حُقُوب التاريخ قاطبة؛ بل هي دُرَّة تاجِه، وإحدى نوافذ التقدم، ودعائم استشراف المستقبل، ومحور من محاور الأيديولوجية الحضارية؛ لذا لا يصح تناولها إلا في ضوء مصادر صحيحة سليمة موثقة؛ لذا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّارِيخَ».

 

وعلى الرغم من أن ورود الضعف كائن في بعض أسانيدها وهو أمر دالٌّ على الطبيعة البشرية، فإن ذلك لا يؤثر في حقيقة كونها القرآن مُطبقًا (أي: إنها تطبيق النبي العملي للقرآن)، وسِرُّ ذلك؛ لأنها أصبحت سلوكًا، والسلوك أبلغ في التأثير والتبليغ؛ بل وفي التعبير عن مراد الله وتفسير كلامه؛ لأن إدراك السلوك ومناطه لا يحتاج إلى تأويل بل لا يحتمل سوى معنًى واحدٍ فقط بخلاف الكلام؛ لذا أصبحت السيرة هي الناطق الحركي لفهم القرآن؛ فكانت الحاجة إلى مصادر صحيحة أمرًا مُلِحًّا وضروريًّا.

 

ولا شك في أن كتابة صحيح السِّيـرَة النَّبويَّة تحتاج إلى بحث عميق، ورؤية منهجية سليمة، ولا سبيل إلى ذلك إلا من طريق المصادر الأصلية التي تمت دراستها ومراجعتها من الناحية العلمية الموضوعية، والنقدية البنَّاءة، فمعرفة المصادر التاريخية الصحيحة صيانة وحماية من الاتجاهات الفكرية الكثيرة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم؛ مثل: القومية والاشتراكية، والشِّيوعية، والعقلانية، والعلمانية، والشِّيعية والصوفية.

 

وإني على يقين جازم، وعقيدة راسخة أن الأمة لن تفيق من كبوتها وسُباتها العميق إلا من خلال تطبيق منهج النبي صلى الله عليه وسلم السيري.

 

والصحيح الذي لا خلاف عليه أن أي مصدر مهما علت شهرته لا يُعد ذا قيمة علمية، ولا يرقى إليه الشك؛ إلا بعد فحصه بميزان الوَحْيَين، فليست جميع المصادر متساوية في قيمتها، هذه قاعدة مقررة.

 

وقد اتفق أهل العلم على أهمية المصدر؛ لأنه الأصل الذي يحوي المعلومات والمعارف؛ فقيمته المعرفية يقررها قدمه وقربه من الحدث الذي يصفه، فقِدم المصدر جزء لا يتجزأ من أصالته، كما أن هوية المؤلف تساعد في تحديد درجة الوثوق به، فالمصادر المثالية هي التي تتمتع بموثوقية عالية.

 

وقد اعتنى المتقدمون بتوثيق الكتب، وما وضعوه لذلك من إجازات بالسماع والوجادة[2] والتناول؛ لأنهم كانوا يريدون المحافظة على المصدر الأصلي، والتأكد من أنه محفوظ من التحريف والتنقيح الذي يُغير من محتواه، وأنه لا يزال بصورته التي تركها عليها المؤلف.

 

ومما تجدر الإشارة إليه: أن المصادر الأولى نتجت عن منهجية كاملة وشاملة وملاحظة كافية، كما أنها تمتاز بذكر المعلومة ذكرًا مخصوصًا، وبطريقة واضحة في الغالب ولا تحتوي على نصوص غامضة يمكن تأويلها بأكثر من طريقة.

 

لكن يجب الاعتراف وبصراحة أن الاستشهاد بالمصدر مسألة نسبية في بعض الحالات، فقد تكون المصادر القديمة غير دقيقة بسبب حصول اكتشافات لاحقة، أو تطور في طرق القياس والملاحظة، أو إنجاز دراسات حديثة، ووجود نظريات جديدة، وتغيُّر في معاني المفردات المستعملة، أو ظهور مفردات جديدة أكثر تخصصًا في الموضوع ولا سيما في مجال التاريخ فلا يعول على المصادر الأولى كأنها حقائق راسخة مؤكدة لا تقبل الشك. وكذلك في مجالات العلوم التطبيقية والطب وغيرها من العلوم.

 

ولا شك في أن المصادر القديمة ذات قيمة في السياق التاريخي، لكن ذلك لا يعني مصداقيتها المطلقة؛ فقد تكون المصادر القديمة غير صحيحة في زمن الاستشهاد بها في آراء سابقة في قضايا أو نظريات؛ مثل: جغرافية أماكن الأنبياء – التي تم مرور التزوير فيها لمجرد أن علماء المسلمين نقلوها في كتبهم عن بني إسرائيل دون توثيق علمي – أو نظرية تفوُّق الأعراق، أو أماكن الحضارات الأولى، فهذه الادعاءات الآن جريمة علمية وتاريخية على الرغم من أنها كانت سائدة وقتًا طويلًا.

 

ولا ريب في أن المصادر القديمة التي تناولت الأحداث التاريخية والتي كانت أقرب لزمن الحدث أكثر دقة من غيرها وتحتوي على تفاصيل أشمل، لكني أتحَدَّث عن الزمان الأول والحضارات الأولى وطريقة الاستنباط.

 

والمصادر الأولى أدقُّ وأكثر تفصيلًا، وذلك لتعَدُّد روايات الحدث الواحد واختلاف النظر إلى الظاهرة المدروسة. وفي الأحوال كلها لا بد من منهج نقدي صارم في التعامل مع المصادر، فلا عصمة لمصدر مهما علا شأنه.

 

وتنقسم المصادر إلى مصادر مباشرة وغير مباشرة.

أما المصادر المباشرة – مصادر أولية أساسية – فتشمل الآثار المادية المكتوبة مثل النقوش والمسكوكات والآثار المادية الصامتة كالمعامل الدينية.

 

والمصادر الأولية: هي تلك الوثائق والكتابات لمؤرخين عاصروا الحدث، أو كانوا أول من كتب عنه، وهي بهذا الأصل تكون نتاجًا معرفيًّا موثوقًا به بسبب الاحتكاك المباشر وتكون هي المعايير القياسية لهذه الحقبة الزمنية.

 

وأما المصادر المكتوبة غير المباشرة – مصادر ثانوية قديمة – فهي عادة ما تكون آثارًا مكتوبة وصلت إلينا بشكليها المخطوط والمطبوع. وهذا أمر يطول شرحه ليس مجاله ها هنا.

 

ومما لا شك فيه أن المصدر القديم – الكتابات التاريخية القديمة – يُعد مصدرًا أوليًّا يُعتد به أكثر من غيره في حالة كون المؤلف عايش الحدث الذي يُؤرِّخ له، وكان معاصرًا زمانيًّا وقريبًا منه، ولم يُقدح في شخصه في أمر يُضعِف من مصداقيته وموثوقيته.

 

من ناحية أخرى:

فإن المصادر المنحازة في أي مجال من مجالات العلوم لا يُعتدُّ بها، كذلك لا يجب استخدام المصادر المشكوك في أمرها؛ لأن البحث العلمي الحديث لا يقبل هذا الاستشهاد.

 

ومن أهمية المصادر المستشهد بها على موضوع معين هو الإلزام من قبل المؤلف على التركيز حول موضوع البحث؛ خاصة وقد امتازت المصادر بالتجربة والقياس والبرهان، وهي من أهم الوسائل للوصول إلى المعرفة.

 

«لا تاريخ من دون مصادر»:

قاعدة تاريخية وتأريخية متفق عليها؛ لأن كتابة التاريخ تقوم على المصادر؛ إذ هي أعمدته وركائزه، ولا يمكن رفع قواعده وبنيانه من دون ذلك، ويعجز الباحث عن التدوين من دون الرجوع إلى مصادر يستقي منها مادته الأولية التي تزوده بالنصوص الكفيلة لكتابة متن بحثه.

 

وكما قيل: «إنَّ الأمَّة التي لا تستوعب تاريخها لن تستطيع أن تحفظ حاضرها ومستقبلها»؛ لذا كان فهم التاريخ والوعي بقضاياه ضرورة أيديولوجية، وحضارية، وشرعية لحفظ جذور الأمَّة وأصولها ومآثر رجالها؛ فالتاريخ هو ذاكرة الأمم، وسبب نهضة الشعوب.

 

والغاية من التاريخ أن يكون نبراسًا يُستضاء به في التعامل مع قضايا وأحداث الأمة؛ لذا وجب أن يُدرس ويُعرف كي يُستخرج منه الدروس والعبر.

 

ولا شك في أن درَّة تاريخ هذه الأمة وتاجه وفاتحته هو سيرة نبيِّها صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِير: “وَهَذَا الْفَنُّ مِمَّا يَنْبَغِي الاعْتِنَاءُ بِهِ وَالاعْتِبَارُ بِأَمْرِهِ وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ”[3].

 

ولا سبيل للوصول إلى ما ذُكر إلا في ضوء المصادر الأصلية، ولا يمكن أخذ المعلومات من دون توثيقها؛ لأن ذلك مُنافٍ لأصول المنهج العلمي في كتابة ودراسة التاريخ، والمؤلفات التاريخية التي لا تلتزم بالتوثيق لا يُعتد بها؛ لذا كانت معرفة المصادر الموثقة على درجة كبيرة من الأهمية؛ لأن معرفتها وتحريرها والرجوع إليها يساعد على الفهم الصحيح لأحداث التاريخ بصفة عامة والسِّيـرَة النَّبويَّة بصفة خاصة – بوصفها جزءًا مؤثرًا في مجرى التاريخ العام -بخلاف من تأسره المصادر المنحرفة التي كُتِبت بيد نوابت الضَّلال والانحراف من أهل الأهواء والبدع ليؤيدوا ضلالهم وانحرافهم دون توثيق وتدقيق علمي سليم.

 

والحديث هنا ليس عن مصادر السِّيـرَة النَّبويَّة من حيث أنواعها وترتيبها التاريخي؛ إنما هو عن مصادر السِّيرة من حيث التَّوثيق، ومن حيث الاتجاهات الفكرية للمصنِّفين.

 

والحديث عن أهمية معرفة المصادر لا يمكن أن يُستوفى أمرُه في هذه الوريقات؛ لأنها كثيرة ومتنوعة وسنكتفي فقط بالإشارة إلى أهم النقاط اللازمة ها هنا.

 

إنَّ قيمة الأخبار التي يدونها المؤرخ تكمن في أنه سينفرد بذكرها على الأغلب، وتتفاوت قيمة المصادر تبعًا لجدية وأصالة الموضوع وأهميته، وكذلك نوعية المصادر الأولية والطريقة التي تم اعتمادها في معالجة الموضوع، وما تم التوصُّل إليه من نتائج.

 

فالمؤرخ لا يكتفي بالمعلومة من مصدر واحد؛ وإنما يستقصـي أسانيد ومخارج الخبر، ومظانه المتنوعة عن طريق مصادر كثيرة.

 

والمصادر الأولية منابع مهمة يلجأ إليها الإنسان للحصول على المعلومات، وتعد أهم منافذ البحث العلمي؛ لذا فإنَّ أي باحث يحتاج إلى المصادر كشيء أساسي لتجهيز بحثه وتعزيزه بالمعلومات الدقيقة والصحيحة؛ لأنهما ذات أهمية بالغة جدًّا، ومن الضروري توثيق الخبر منهما؛ فالمصدر القديم يعد مصدرًا أوليًّا يُعتد به أكثر من غيره؛ لذا حرص المتقدمون على أن تتمتع مؤلفاتهم بالثقة والمصداقية.

 

أنواع المصادر والمراجع:

لكلِّ عِلم مصادره الخاصة به، وهِيَ التي تزيد مِنَ المعرفة، وتجعل الشخص أكثر إبداعًا وتطوُّرًا وتميُّزًا منِ الآخرين، وتختلف أشكال وأنواع المصادر ومستوياتها، فمنها المطبوع، والمخطوط، والمنسوخ، والمذكرات واليوميات المكتوبة، والوثائق والقواميس، والموضوعات العامة، ودوائر المعارف، وكتب التراجم والطبقات التي تتحدث عن الأدباء وأعلام المفكرين والشعراء والكُتَّاب.

 

والمصدر وعاء فكري يلجأ إليه الباحث للحصول على المعلومات، علمًا أن الكتب السماوية – التي لم تُحرَّف – تُعد مصادرَ وليست مراجعَ؛ لأنها ذات تكامل فكري أيديولوجي متناغم ومتسق.

 

وأما الوثائق المختلفة: فهي الأوراق والسجلات الأصلية المكتوبة، وتكمن قيمتها في أن معلوماتها صحيحة في الغالب؛ لأنها تسجل الوقائع وقت حدوثها، أو بعدها بقليل.

 

وأما المخطوطات فهي كتب غير مطبوعة، والمهم منها هو الذي لم يتم تحقيقه ونشره بعد، وقيمتها في المعلومات الجليلة والمركزة التي تضمُّها، وإذا لم تتوافر نسخة أصلية من المخطوطة، فيمكن الاعتماد على نسخة مصورة، وتعد المخطوطات ذات قيمة عالية؛ لأنه لم يسبق طباعتها، مثل كتب التفاسير القديمة، وكتب السنة النبوية، وكتب طبقات الشعراء، أمَّا المراجع الثانوية فهي التي تؤخذ منها المادة الأصلية من كتب متعددة، ثمَّ إخراجها في حلة جديدة.

 

تعريف المصادر:

كلمة «مصدر» تحمل في طياتها معنى «عمل إبداعي راقٍ»، و«كاتب مبدع نبيل»، وهذا وصف لازم لأولئك المصنفين الأوائل.

 

والمصادر: هي الأصول التي يتم الرجوع إليها لاستخلاص المعلومات والمعارف الصحيحة منها بغرض البحث في الأفكار بحثًا شاملًا من دون مواجهة أي صعوبات للحصول على المعلومات الأصلية من جذورها.

 

وهي أيضًا: عبارة عن مجموعة من الكتب التي تم تدوينها وقت الحدث أو قريبًا منه.

 

وترجع أصالة المصادر إلى أنها أقدم ما عُرف عن الموضوع الذي ندرسه، فهي ذات قيمة رفيعة، ولا ريب في أن أكثر المصادر أصالة هي ما كتبه المؤلف بيده، وكذلك ما أملاه، وأجاز روايته عنه.

 

وهناك مصادر لها خصائص معينة مثل كمية المعلومات والشمول، وينبغي أن تكون المعلومات التي تجمعها من المصادر تحتوي على قدر كبير من الأهمية، كما أن غالبية المصادر تكون ملائمةً تمامًا لاحتياجات جميع الباحثين بخلاف المراجع، وتحقق الغرض الذي يرغب الباحث في جمع المعلومات منه.

 

وتُعد الكتب المطبوعة القديمة من المصادر المباشرة بخلاف المصادر غير المباشرة التي يتم البحث في ضوئها مثل المصادر المرئية، والأقراص المدمجة أو على الإنترنت أو بشكل قواعد معلومات.

 

تعريف المراجع:

المرجع: هو كتاب أو مجموعة من الكتب التي يتم اللجوء إليها للحصول على معلومات محددة بعينها لمعالجة المشكلات المطروحة دون الحاجة إلى قراءة الكتاب بأكمله.

 

وهو أيضًا: عبارة عن وعاء معلوماتي يرجع إليه الباحث أو القارئ بشأن معلومات معينة، وبشكلٍ عام أصبح يُطلق مصطلح المرجع على كل ما يستعين به المؤلفُ أو الباحث أو الكاتب، وهو بذلك يعتبر مصدرًا ثانويًّا يساعد الباحث في إكمال معلوماته والتثبت من بعضها.

 

الفارق بين المصادر والمراجع:

هناك فارق جوهري بين المصدر والمرجع، فالمصدر أكثر ارتباطًا بالأشياء الأساسية أو الأولية فيما يخص موضوع البحث، فالمصدر يجمع العديد من الميزات مثل الشمولية والحداثة، أما المرجع فمن خصائصه أنه كتب حديثة تعالج موضوعًا معينًا دون أن يكون شرطًا اشتماله على ميزات المصدر كاملة.

 

فكتب المصادر غالبًا عاصر كاتبوها الحدث وشاهدوه أو كانوا قريبين منه فدوَّنوه، بخلاف المراجع التي تعتمد النقل من المصدر؛ لذا يُعد المرجع ثانويًّا أو كتابًا يساعدك في إكمال معلوماتك والتثبت من بعض النقاط والمعلومات التي يحتويها، وأما المصدر فمنفذ أصلي.

 

ويتفق معنى المصدر والمرجع في أن كل منهما يتعلق بالبحث من وثائق قديمة أو حديثة ودراسات مطبوعة أو مخطوطة، باعتبار أن المصادر والمراجع كل ما يُرجَع إليه في البحث.

 

والصحيح أن المصادر ليست كلها ذات قيمة علمية واحدة، ولا متساوية في ذلك، وقد يرقى الشك في بعضها – ككتاب أنساب الأشراف المنسوب للبلاذري – وإنما هنالك عناصر مهمة – ليس مكانها ها هنا – يجب توافرها في المصدر حتى يمكن القول: إنه مصدر جيد وعلمي.

 

وكي نفرق بين المصدر والمرجع نضرب مثالًا لذلك: فسيرة ابن إسحاق مصدر، وكتاب الرحيق المختوم مرجع.

 

وتعتمد الأبحاث العلمية بشكل كبير على المصادر والمراجع بوصفها جزءًا لا يتجزأ منها؛ ويعزى ذلك إلى احتواء المصادر والمراجع بطبيعتها على كثير من المعلومات والبيانات التي تسهم في تعزيز خطوات البحث العلمي وإثراء فكر الباحث وتوسيع مداركه لتقديم أفكاره وآرائه بصورة منهجية.

 

وتسهم تلك المراجع والمصادر في معالجة القضايا والمشكلات معالجة موضوعية للوصول إلى المعلومات والنتائج المرجوة، والفروق بينهما قليلة جدًّا، ومنها:

أولًا: يرجع المرجع للمصدر وليس العكس؛ إذ يُعد المرجع الكتب الفرعية بينما المصدر يتمثل في الأصول الرئيسة التي يتم الرجوع إليها للحصول على المعلومات من جذورها.

 

ثانيًا: يوفر المصدر معلومات قديمة وحديثة مخطوطة أو مطبوعة لتعرض الموضوعات الأساسية، أما بالنسبة للمراجع فهي عبارة عن كتب، أو مقالات، أو تعليقات أو رسائل جامعية تعرض موضوعات ومعلومات تم نقدها وتحليلها.

 

ثالثًا: تستعين المراجع بالمصادر لمعالجة المشكلات وعرضها عرضًا مبسطًا ومفصلًا.

 

رابعًا: يمكن توضيح الفارق بين المصدر والمرجع بناءً على العلاقة بين المعلومات المتضمنة في كل منهما وموضوع البحث، فإذا خدم محتواها مضمون البحث مباشرة تصبح المصادر، وأما إذا ساهمت في عرض معلومات محدودة فتعد حينئذٍ المراجع.

 

وفي حقل التاريخ الإسلامي فالمصادر كل ما كُتب قبل القرن العشرين، أما المراجع فهي كل ما كتب بعد عام 1900م، ولا فرق بين المطبوع وغير المطبوع لكن للمحقق منها أولوية؛ لأنه خضع للفحص والتمحيص، وينبغي مراعاة ذلك عند الكتابة. أما فيما يخص التاريخ الحديث والمعاصر فالأمر يختلف نسبيًّا.

 

ومنهجيًّا لا يجوز قطعًا أخذ المعلومات من المراجع، بل يؤخذ منها الآراء، ووجهات النظر والتحليل والاستنتاج الذي يقدمه الباحث صاحب المرجع.

 

لماذا مصادر التاريخ والسيرة مهمة؟!

تحديد المصادر الموثوقة ومعرفتها في منهج دراسة السِّيـرَة النَّبويَّة من أجل الاستشهاد بها بوصفها أصولًا للمعلومات أمر حتمي؛ لأن انعدام تلك المصادر يعني الشك في أصل الحدث، وبذلك لن تتحقق الفائدة المرجوة منها.

 

والمصادر الإسلامية المبكرة تختص بالوفرة والتنوع، مع تفاوت مهم في القيمة والأهمية المتصلة بالأحداث، وتمتاز هذه المصادر بأنها أدقُّ وأكثرُ تفصيلًا، وذلك لتعَدُّد روايات الحدث الواحد.

 

فمصادر السِّيـرَة النَّبويَّة التي تؤرخ لميلاد الدَّعوة – على سبيل المثال – متعددة؛ لكن مادتها غير متوازنة ولا تتكافأ فيها المُدد والأحداث؛ فنجد أن مادة المرحلة المدنية أوفر من مادة المرحلة المكية وأكثر تاريخية منها.

 

ولمعرفة مصادر السِّيـرَة النَّبويَّة أهمية قصوى وفوائد جمة، منها:

أولًا: صيانة للحدث السيري من التحريف والتأويل التعسفي.

 

ثانيًا: التأكد من صحة الخبر؛ لأن المصادر التي تُسْتقى منها السيرة النبوية تناقش بجدية صحة المعلومة الواردة.

 

ثالثًا: عدم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يخبر عنه أو لم يرد عنه.

 

رابعًا: أن وجود هذه المصادر حماية لجانب السيرة من التدليس ومن الزيادة في شخوصها بافتراض أناس لا وجود لهم، والتلاعب في أحداثها.

 

خامسًا: أن المصادر الأولى تعتمد على الإسناد فتكون العهدة على الإسناد مما جعل العلماء يبحثون عن حال الراوي ويصنفون الرواة بحسب ورعهم وتقواهم ودقتهم وحفظهم.

 

سادسًا: أن المصادر حائط السد المنيع والقلعة الحصينة لحماية موروث السيرة النبوية من تباين المناهج، وكثرة الآراء، وتعدد المذاهب الفكرية المعاصرة، ليبقى الكيان الرئيس لأحداث السيرة النبوية ثابتًا لا تميد معه الدعائم والأركان.

 

سابعًا: وجود المصادر أتاح فرصًا لأنماط وطرائق في التفكير والعثور على مناهج لمناقشتها وتحليلها وَفْق عدة مناهج في التحليل.

 

ثامنًا: وجود المصادر الصحيحة والمحققة يعطي اطمئنانًا للقارئ بصحة الحدث السيري/ التاريخ النبوي.

 

تاسعًا: المصادر صيانة وحماية من الاتجاهات الفكرية الكثيرة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم؛ مثل: القومية والاشتراكية، والشِّيوعية، والعقلانية، والعلمانية، والشِّيعية والصوفية.

 

عاشرًا: أنها تجيب عن جميع الاستفسارات التي يطرحها الباحثون في أبحاثهم.

 

حادي عشر: تُعطي قيمة للبحث وتُشير إلى مدى اطِّلاع الباحث وخبرته في مجال البحث العلمي.

 

ثاني عشر: يتم الاستناد عليها في التغلب على حل القضايا والمشكلات موضع البحث بصورة دقيقة.

 

ثالث عشر: لها دور بارز في تعزيز المستوى العلمي والمعرفي والتاريخي لدى الباحث عبر تزويده بمقدار زاخر من المعلومات تتفق مع ما ينشده من أهداف.

 

رابع عشر: تُسهم في إكساب الباحث ثقافة كبيرة تساعده على الإحاطة بكافة جوانب البحث العلمي.

 

خامس عشر: تسهم في الوصول إلى النتائج الخاصة بالدراسة، ومعرفة ما توصل إليه السابقون من الباحثين.

 

سادس عشر: تتيح التفوق على الآخرين بدراسة أهم نقاط الضعف لديهم.

 

سابع عشر: تتميز المصادر بأهميتها البارزة والفعالة في إثراء معرفة الباحث العلمية بطريقة أكاديمية ومنهجية. تكوين صورة دقيقة مبدئية عن الظاهرة الخاصة بالبحث.

 

ثامن عشر: فهرسة الموضوعات لتذليل العقبات أمام الوصول إلى المعلومات المطلوبة ولتوفير الوقت والمجهود.

 

تاسع عشر: تضمين كافة الموضوعات التي تتعلق بالقضية موضع البحث لكي يتم معالجتها معالجة دقيقة وصحيحة من جوانبها كافة.

 

عشرون: يزخر المصدر بوثائق ومعلومات ثمينة يُحصِّل الباحث منها ما يحتاج إليه.

 

واحد وعشرون: تعد المصادر جسرًا يُوثِّق الأحداث الماضية بنظائرها من الحالية وذلك للاستفادة منها وتفادي أخطائها والتعرف على مدى التطورات التي تم الوصول إليها.

 

وآخرًا:

فإنَّ مطالعة المصادر تشعرك أن لها روحًا قتالية كأنك تعاين الحدث، وهذا نابع من صدق المؤرخ ودقته وإبداعه وبراعته في صياغة الحدث، فمعرفة المصادر حماية لجناب السيرة النبوية من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.


[1] من كتابي: السِّيرَة النَّبـويَّة: مَراحِلُ تَدوينِها وَأَهمُّ مَصادرِهَا (تأملات استقصائية في التدوين والمصادر)، دار طفرة، ط1/ 2023م، ص: 17 ـ 26.

[2] الوجادة لغةً: مصدر وَجَدَ. يقال وجد مطلوبه، والشيء يجده وجودًا.

الوجادة اصطلاحًا: هي الوقوف على كتابٍ بخط محدِّثٍ مشهور، يُعرف خطه، ويصححه، وإن لم يلقه أو يسمع منه.

قال شمس الدين السخاوي: الوجادة هي ما يجده بخط شخصٍ عاصره أو لم يعاصره.

وقال ابن الصلاح: الوجادة هي أن يقف على كتاب شخصٍ فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه، أو لقيه ولم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، ولا له منه إجازة، ولا نحوه. والإجازة: هي إذن الشَّيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته ومؤلفاته.

[3] البداية والنهاية، دار هجر: 5/ 21.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
السياق في الفكر البلاغي عند عبد القاهر الجرجاني (PDF)