فوائد وأحكام من قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر…}
فوائد وأحكام من قوله تعالى
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ… ﴾
1- تشريف الله عز وجل وتكريمه للنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الخطاب إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾.
2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، والحذر مما يضرهم في ذلك، فسألوا أولًا عن الخمر والميسر؛ حفاظًا على العقول من الذهاب، وحفاظًا على الأموال من الضياع.
وسألوا ثانيًا ماذا ينفقون ليرابحوا مع الله عز وجل ويبارك لهم في أموالهم.
وسألوا ثالثًا عن اليتامى؛ شفقة عليهم، وحفاظًا على أموالهم، وخوفًا من التقصير في حقوقهم؛ لقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾، وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾، وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾.
3- وجوب الرجوع إليه صلى الله عليه وسلم في حياته فيما أشكل من أمر الدين، ووجوب الرجوع بعده إلى أهل العلم، العارفين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
4- موافقة العقل الصحيح، للنقل الصريح، فإن سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن الخمر والميسر، لما أدركوا بعقولهم ما فيهما من المضار، فجاء القرآن ببيان ذلك.
5- عظم إثم الخمر والميسر، وكثرته، وأنهما من كبائر الذنوب؛ لما في الخمر من تغطية العقل وإزالته، فيهذي الإنسان بما لا يدري، ويرتكب بسبب ذلك الجرائم والموبقات.
ولما في الميسر من أكل أموال الناس بالباطل، وما يحدثه من اضطرابات نفسية وأمراض بدنية، وعقلية، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91].
6- أن في الخمر بعض المنافع من النشوة والطرب، وفيه وفي الميسر بعض المنافع المادية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ لكنها لا تساوي شيئًا بالنسبة لمضارهما.
ولهذا لما سأل طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، وكره أن يصنعها. قال: إنما أصنعها للدواء. قال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء»[1].
7- أن إثم الخمر والميسر وضررهما أكبر وأعظم وأشد من نفعهما؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾.
8- أن دفع المضار والمفاسد مقدم على جلب المصالح.
9- التدرج في التشريع، مراعاة لأحوال المكلفين، ففي هذه الآية توطئة وتمهيد لتحريم الخمر والميسر.
10- أن الخمر أشد ضررًا من الميسر، لهذا قدم عليه في الذكر؛ لأن في الخمر زوال العقل، مع ضياع المال.
11- أن الإنفاق إنما يكون مما فضل عن حاجة المنفِق وأهله، فلا ينبغي أن ينفق ماله، ويبقى عالة على الآخرين؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ﴾.
12- أن الإنفاق من المال من أسباب حفظه والمباركة فيه؛ لأن الله ذكر ذلك بعد ذكر حكم الخمر والميسر اللذين بهما ضياع المال وإتلافه.
13- تبيين الله- عز وجل- وتفصيله للعباد ما أنزله عليهم من الآيات الشرعية والكونية، كما بين لهم الآيات في حكم الخمر والميسر، وفي الإنفاق، وفي اليتامى؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾.
14- أن الحكمة من إنزال الآيات وتبيينها وتفصيلها التفكر في آيات الله- عز وجل- والتأمل فيها، والعمل بها؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾.
15- إثبات الحكمة في أفعال الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾.
16- ينبغي التفكر في الدنيا والآخرة وأحوالهما، ومعرفة قدر كل منهما، وإنزالهما منزلتهما، وعدم الاغترار بالدنيا الفانية، وتقديمها على الآخرة الباقية؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾.
17- عناية الإسلام باليتامى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ﴾ الآية.
18- الحث على الإصلاح لليتامى في أنفسهم وأموالهم، وجميع أحوالهم، وأن ذلك خير مطلقًا لهم وللأولياء وللأُمة؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾.
19- جواز مخالطة اليتامى في أموالهم وطعامهم، رفعًا للمشقة عن الأولياء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾.
20- إثبات مبدأ الأخوة الدينية بين المسلمين، والتسامح فيما بينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾.
21- إثبات علم الله- عز وجل- التام بالمفسد من المصلح، في ولاية اليتامى وأموالهم، وفي غيرها من الولايات، وفي كل شيء، وتمييز كل منهما عن الآخر، ومجازاته بما عمل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ وفي هذا وعيد للمفسد، وتحذير من الإفساد، ووعد للمصلح وترغيب في الإصلاح.
22- الإشارة إلى أن من قصد الإصلاح لليتامى أُعين على ذلك بإذن الله، وسلم من التبعة فيما لو دخل عليه شيء من مال اليتيم من غير قصد، وفيما لو حصل عليه نقص ما لم يفرط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ وبضد ذلك من قصد الإفساد.
23- إثبات المشيئة لله- عز وجل- وهي الإرادة الكونية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾.
24- امتنان الله- عز وجل- برفع المشقة والحرج فيما شرعه لعباده، ومن ذلك رفع المشقة عن أولياء اليتامى، حيث رغبهم بالإصلاح لليتامى، وأباح لهم مخالطتهم، في طعامهم وأموالهم؛ رفعًا للمشقة والحرج عنهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾.
25- إثبات صفة العزة التامة لله- عز وجل- بأقسامها الثلاثة: عزة القوة، وعزة القهر والغلبة، وعزة الامتناع؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾.
26- إثبات صفة الحكم التام لله – عز وجل – بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، والحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ حَكِيمٌ﴾.
[1] أخرجه مسلم في الأشربة (1984)، من حديث وائل الحضرمي رضي الله عنه.