في كل مصيبة عزاء!


في كل مصيبةٍ عزاء!

 

تَمُرّ بنا المصائب والمشكلات المؤلمة، وفقْد الأحبّة، والإخفاقات، وما إلى ذلك مِن أسباب الحزن والألم، لكن، لا خسارة للمؤمن مع ربه، ما دام معه على نهْج الإيمان به سبحانه.

 

وما أكثرَ وأعظمَ المسلّيات للمسلم، إنْ هو اعتصم بحبل الله، واستحضر هذه المسلّيات من الله له في لحظات الفقد والألم! ومِن هذه المسلّيات، استحضار أنّ:

1- لله ما أَخذ، فالخَلْق خَلْقه، والأمر أمْره؛ فهو الذي أعطى، وهو الذي أَخذ!

 

2- ليس لنا مِلْك مع مِلْك الله، بل لا مِلْكية حقيقية في الدنيا إلا مِلْك الله، فهو خالق كل شيء، وهو مالكه، وحين يقول لنا سبحانه: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سُورَةُ المَائـِدَةِ: 120] ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [سُورَةُ النُّورِ: 42]؛ فلْندرك هذه الحقيقة، وأمّا ملْكيتنا فهي مجرّد عاريّةٍ أعارها الله لنا، ومآل العاريّة أن تُردّ إلى صاحبها! فلماذا الزعل والحزن!

 

3- وما حُزْننا في حالات الألم والفقد إلا بسبب توهّمنا أنّا فقدْنا شيئًا هو لنا؛ لكنه توهّمٌ غير صحيح؛ فهو لله، أيًّا كان ذلك: عزيزًا يموت، مالًا ينقص أو يذهب، أو صحة تُفقَد أو تضمحلّ، أو أيّ شيء نحرص عليه، أو نَعدّه لنا!

 

4- لا رادّ لأمر الله، وليس لأحدٍ مشاركة الله في أفعاله وقضائه وقدره، أو معارضة الله في ذلك! ثم نحن جميعًا عبيده يَفعل بنا ما يريده، ونسأله التوفيق والتيسير.

 

5- مَهْما حزنّا أو جزعنا؛ فلن نُغيّر من الأمر شيئًا!

 

6- قد نهانا الله عن الحزن والحسرة، وأخبر أنّ الحسرة مِن عقوبات الله للخاسرين يوم القيامة، وأمَرنا بالتسليم له والرضا بقضائه وقدره!

 

﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [سُورَةُ الكَهْفِ: 6].

 

﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 3].

 

﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [سُورَةُ فَاطِرٍ: 8].

 

7- مهما كان همّك لمصيبة الموت، فإنه يُعزِّيك فيها أمورٌ كثيرة، منها:

أنّ الموت بالنسبة للمؤمن، ليس شرًّا محضًا، ولا خسارة محضة، بل قد يكون رحمةً من الله لكلٍّ من المتوفى، والمبتلى بالفقد، ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]

وربما كان الموت شهادةً في سبيل الله!

 

وقد يكون الموت نجاةً مما هو أعظم منه، وقد يكون… وقد يكون…

 

وبالمقابل: فليست الحياة أو النجاة من الموت خيرًا في كل الأحوال، بل ربما كان استمرار الحياة استمرارًا في الآثام والضلال، أو تماديًا في أسباب عذاب الله تعالى.

 

8- وهكذا هي الحال بالنسبة لأيّ مصيبة تصيبك:

فقد يكون فيها أو في طيّاتها ما لا تعلمه مما تُحبّ.

 

وقد يكون فيها من الأجر والثواب وحُسن العاقبة ما لا يعلمه إلا الله! ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 216].

 

ويكفيك أنّ ذلك هو خِيرة الله لك؛ أفلا ترضى خِيرة ربك لك!

 

وقد يكون ما أغمّك اختبارًا من الله لك؛ أفلا تحرص على النجاح في اختبار مولاك لك سبحانه!

 

9- لسنا مخلّدين في هذه الدار، وليست هي دارنا، وإنما دارنا الأهم منها هي الدار الآخرة، التي ينقسم الناس فيها إمّا إلى الجنة أو إلى النار؛ فالأهم هو سعْينا الجادّ لحجز مكاننا ومكان أحبابنا في جنات النعيم.

 

10- استحضار أنّ الله عزّ وجل، هو أغلى عندنا مِن كل غالٍ؛ فمهما كان فقيدنا الغالي عزيزًا علينا؛ فلن يَصل إلى مكان الله وغَلاهُ في نفوسنا! فهل نُغضِب الله أو نعصيه لأجل فقْد عزيزنا!

 

11- اليقين بأنّ مَن رضي بقضاء الله وقدره، فله الرضا، ومَن سخِط فله السخط، وقدَرُ الله قد نَفَذَ!

 

12- وجوب التماسنا للصدق، وأنْ نكون صادقين في قولنا: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

13- وأمرٌ آخر، كيف يغيب عن بالك أيها المبتلى بالفقد والمصيبة! هو ثواب الله للصابرين، الذي لا نطيل فيه، ولكن إشارات:

فما موقفك مما أصابك إذا سمعتَ الله يقول لك: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [سُورَةُ البَقَرَةِ: 153]؛ فأيُّ شرَفٍ، وأيُّ عزاء لك كهذا! ألا يكفيك ويُغنيك أنّ الله جلّ جلاله معك!

 

ويقول لك: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾! [سُورَةُ الزُّمَرِ: 10]. ألا يكفيك يا أخي أن يَعِدك الله أنْ يوفّيَك أجرك على صبرك واحتسابك (بغير حساب)!

 

ويقول لأهل الجنة: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]. ألا تَرضى بهذه العاقبة!

 

وما موقفك مما كتبه الله مِن مصيبة إذا علمتَ قول الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه: (… ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)، [كما في البخاري ومسلم].

 

وتذكَّر بيت الحمد الذي أعدّه الله للصابرين، فقد أَخبر عنه رسول صلّى الله عليه وسلّم وآله وصحبه، بقوله: (إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ: قبضتم ولدَ عبدي؟ فيقولونَ: نعم، فيقولُ: قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ؟ فيقولونَ: نعم، فيقولُ: ماذا قالَ عبدي؟ فيقولونَ: حمِدَكَ واسترجعَ، فيقولُ اللَّهُ: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ)! [كما رواه الترمذي وأحمد وغيرهما]. لكن، انتبهْ لقوله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله: (حمِدَكَ واسترجعَ)! إنّ مِن المتعيّن على العبد في تعامله مع الله سبحانه أنْ يحمده على السرّاء والضرّاء! وكم نَغفل عن هذا؛ ونَغفل عن أنّ واجبنا أنْ نحمد الله على المصائب والأقدار المؤلمة، كما نحمده جلّ جلاله على نعمائه؛ فنخسر الموقفَ مع ربنا سبحانه، ونَخسر بيتَ الحمد هذا وسِواه مِن ثواب الله!

 

14- وأخيرًا وأوّلًا: كل ما أصابك من سرّاء وضرّاء فقد أصابك بقضاء الله وقدره، والإيمان به ركن من أركان الإيمان بالله، فلا يتمّ لك الإيمان بالله إلا بالإيمان بقضائه وقدره!

 

ثم إنّ ما يكتبه الله عليك من مصائب، قد أخبرنا الله في القرآن الكريم أنها لك، لا عليك! قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ. قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 50- 51]. فانتبهْ لقول الله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا.. ﴾؛ فكم هي دلالةٌ لطيفة في وصف الله للمصيبة التي يُقدّرها لعبده بأنه كتبَها له، ولم يَقلْ: (علينا)! وفي ربْط هذا بالتذكير بأنه ﴿ هُوَ مَوْلَانَا مِن الأُنس ما ينبغي أن لا يَخفى على الجن والإنس!

 

اللهم آنسنا بالإيمان بك، والإيمان بقضائك وقدرك، والتسليم لك فيما قضيت لنا، يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين!

 

والحمد لله والشكر له على السرّاء والضرّاء!

 

اللهم صل وسلم على خاتم رسلك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
SIBF displays 10th century Quran, other rare treasures – Gulf News
Best Sellers – Books – Nov. 17, 2024 – The New York Times