قبل أن ينتحر التعليم (خطبة)
قبل أن ينتحر التعليم
الحمد لله الذي يخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، خلق للنجاح أسبابًا من أخذ بها فاز وغنِم، ومن تركها خسِر وندِم، ورسم للوصول طرقًا هدى إليها الراغبين، وأعان على قطعها الصابرين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
ومن منَّى نفسه بالوصول بلا زاد، ندم يوم الحصاد، فإن هو ركب سفينة الغش والتزوير، وأعلن كذبًا أنه على ذلك قدير، سقط في المسير، وخسر العافية والمصير، والصلاة والسلام على من رفع رتبة المحسنين، وحط قدر الغش والخائنين، محمد الصادق الأمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله؛ أما بعد:
فأوصيكم يا عباد الله ونفسي بتقوى الله:
ثم أيها الطالب الحبيب: هذا يومك الموعود، وحدثك المشهود قد حان، وأُعلِن أن غدًا هو يوم الامتحان، فماذا معك من علوم قرأتها ومعارف استفدتها؟ ماذا قدمت من حرث ليوم الحصاد المر؟
أيها الطالب النجيب:
إن الغرض من الدراسة هو تحصيل العلم، فماذا حصلت من العلم؟ العلم بمفهومه العام.
وإن الغرض من الامتحان هو معرفة مدى تحصيلك واستفادتك.
وأما الشهادة، فإنما هي توثيق تلك النتيجة، فهل تفخر وتباهي بشهادة حقٍّ، أم تتحمل شهادة زور، ثم تخرج إلى المجتمع فاشلًا، لا يُوثَق بعلمك، ولا يُعتَمَد على عملك؟
أيها الطالب الأريب:
إن للصدق والنزاهة انشراحًا في الصدر، وطمأنينة في القلب، وثقة بالنفس، وأملًا في المستقبل، وقبولًا عند الناس.
وإن للغش والتزوير ضيقًا في الصدر، وكآبة في النفس، ويأسًا من المستقبل، ومقتًا من المجتمع.
فأي الطريقين تريد لنفسك؟
أيها الطالب النبيل:
إن جريمة الغش في الامتحان، لا يقتصر وزرها على تلك الأوزار التي تخرج بها إلى الناس من قاعة الامتحان، ولكنها أوزار متواصلة طوال حياتك، فالوزر يتجدد عند انتقالك إلى مرحلة جديدة لا تستحقها، ويتجدد عند توظيفك وأكلك وأكل عيالك بشهادة الزور التي تحملها، فإن أخطأت في عملك أثِمتَ؛ لأنك أقدمت على عمل لا تحسنه.
وإن درست فأخطأت تحملت إثمَ خطئك، وخطأ من علمته خطئًا تبعًا لذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].
أيها الطالب:
إن الغش في الامتحان خيانة للمستقبل، وفشل في بقية العمر، وحُكمٌ للغاش على نفسه بالانتحار العلمي، فالطالب الغاش إن استطاع تجاوز مرحلة، فلن يستطيع تجاوز الأخرى، وهو محروم قطعًا من المؤهلات العليا، ومحروم من المكانة اللائقة؛ لأن حبل الكذب قصير، وثوب التزوير فاضح، وسراج الفشل ينطفئ أحوج ما تكون إليه، فتظل في ظلمة دامسة حيران، لا تدري كيف تتصرف.
فارضَ بنتيجة متدنية خيرٌ لك من نتيجة مزورة، أعِدْ سنة أو سنتين ثم انجح نجاحًا حقيقيًّا، تعِشْ بعده مرتاح الضمير، مطمئنَّ البال، تأكل حلالًا وتشق خضم الحياة بثقة واعتزاز.
أيها المجتمع، أنت ضحية الغش، إذ بالغش يتخرج المدرس الفاشل، والطبيب الفاشل، والمهندس الفاشل، وبهؤلاء تفشل – أيها المجتمع- وتُفْسِد حياتك، فليكن لك وقفة صارمة جادة في محاربة الغش لتحافظ على مستقبلك.
أيها الأسرة، أنتِ المسؤولة عن أولادِكِ، لكِ غُنْمُهم وعليك غُرْمُهم، وهم أمانة في عنقك؛ والله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
لا تحسبي – أيتها الأسرة – أن مرور ابنك في امتحانٍ بالغش مكسب له أو لك، ولكنه خسارة عظيمة للجميع، إنه حرمان من العلم، ووقوع في سخط الله، وسبب لأكل الحرام في المستقبل، فهل ترضين لابنكِ ذلك؟
أيها التربويون، من وزير التربية إلى أصغر موظف إداري إلى كل مدرس ومدرسة:
إن أجدر من يدرك مخاطر الغش هو أنتم، أنتم الذين ألقت إليكم الأمة ثقتها، ووضعت أولادها؛ فلذات أكبادها، وعماد مستقبلها بين أيديكم، فكيف ترضَون أن تخونوا الأمانة، وتنقضوا العهد، وتغشوا هذه الأمة؟
ولمصلحة من هذه الخيانة والغش؟
إن من يغش في التجارة قد يربح من وراء غشِّه، وإن كان ربحًا محرمًا، وكذلك كل من يغش يحصل في ظنه على مكسب، لكن الغش في الامتحانات، ما مكاسبه؟
مَن المستفيد منه؟
إذًا ليس أمامكم إلا أن تنجوا بأنفسكم من الإثم، وبمجتمعكم من الأخطار المدمرة المترتبة على الغش، وبمهنكم من الانتحار والدمار.
إن كل مدير عام يرضى بالغش ويتغاضى عنه، فإن عليه أوزار من غش في إطار مسؤوليته، وكل مدير مدرسة أعطى ضوءًا أخضرَ للغش في مدرسته، فهو يتحمل أوزار كل من غش أو أعانه على الغش في تلك المدرسة، وكل رئيس لجنة مراقبة كذلك، وكل مراقب غضَّ عن الغش أو ساهم فيه آثمٌ مجرم في حق الأمة.
وحتى وزير التربية إن لم يعالج ذلك، ويعمل على منعه، والتصدي له، فهو آثم مشارك للجميع في إثمهم.
وقد سمعنا أن هناك معالجاتٍ؛ عسى أن تكون صحيحة، وأن تطبق صحيحًا.
الخطبة الثانية
1- الحمد لله والثناء.
2- وبعد أن عرفنا خطورة الغش، وأنه انتحار للتعليم، وجب أن نرشد الطالب إلى الأسباب الصحيحة التي بها يكتسِبَ العلم، وينجح النجاح الصحيح، ويحصل على النتيجة المشرفة.
اعلم – أيها الطالب – أن العلم كله لله يعطيه من يشاء، ويحرم منه من يشاء، سواء علوم الدين أو علوم الدنيا، فهو الذي علم آدم الأسماء كلها، وقد امتنَّ الله علينا جميعًا؛ حيث قال: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، فإذا علمت ذلك:
• فلازِم تقوى الله؛ والله يقول: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، وإياك إياك والمعصية، فإن المعصية تغلف القلب وتحجبه عن العلم؛ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].
وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي[1] |
• اجتهد في دعائه والتضرع إليه أن يعلمك، فإنه قد أمر بذلك رسوله؛ فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
• قل في دعائك: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهِّم سليمان فهمني.
• قل: ((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا…)).
• لازم المذاكرة طوال السنة، ولا تَلْهُ عنها حتى يوم الامتحان.
• نظم مذكراتك أيام الامتحان.
• فرغ ذهنك عن الشواغل واجمعه على العلم.
[1] ديوان الإمام الشافعي ص61.