قصة ظهور أول تسجيل صوتي لبعض سور القرآن الكريم
قصة ظهور أول تسجيل صوتي لبعض سور القرآن الكريم
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: ظهور أول تسجيل صوتي لسورة الضحى:
إن من نعم الله على عباده المؤمنين تعبيدَ ما حباهم، ووهبَهم من نعمٍ وتسخيرها على وجه يقرِّبهم من محابِّهِ ومَراضيه، ومن ذلك آلات التسجيل الصوتي التي أفاد منها المسلمون منذ وصولها إلى أيديهم، فسُجِّلت بعض المواعظ والدروس العلمية، كما سُجِّلت بعض تلاوات القرآن لمشاهير القراء وقت ظهورها، وكان في طليعة تلك التسجيلات بعض التلاوات القديمة، والتي كان من أولها: أقدم تسجيل صوتي لتلاوة من القرآن الكريم وصلنا – في حدود بحثنا الضيق – الذي قيل: إنه كان في الحرم المكي الشريف بمكة المكرمة، وكان هذا التسجيل لسورة الضحى، وذلك عام 1302هـ، الموافق 1885م[1]، والباحث قد وقف على هذا التسجيل واستمع إليه، وبعد البحث والتحري لم يتمكن من الوقوف على معرفة القارئ الذي سُجلت له السورة في بادئ الأمر[2].
المطلب الثاني: ظهور ثاني تلاوة مسجلة وكانت بصوت الشيخ محمد رفعت – رحمه الله:
وكان تاليها: تلاوات للشيخ محمد رفعت – رحمه الله – وإذا كان ميلاد الشيخ رفعت سنة 1300هـ، الموافق 1882م، فلابد أن تكون تلاوته بعد ذلك بسنوات، وقد ثبت أنه تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب بالقاهرة، وقيل كان ذلك سنة 1918م؛ حيث عُيِّن قارئًا للسورة[3]، قيل: وهو في سن الخامسة عشرة، ويُستبعد هذا العمر لكونه من مواليد سنة 1882م، فيكون عمره وقتئذ ستًّا وثلاثين سنة، ولا يُظَنُّ أبدًا أنه سجَّل قبل هذا العمر المبكر، ألا وهو سن (الخامسة عشرة) الذي هو عمره وقت تعيينه قارئًا سورةً، وليس عمره وقت أول تسجيل له، وعلى كل الأحوال يأتي ترتيب تسجيل الشيخ رفعت ثاني تسجيل ظهر زمانيًّا بعد أول تسجيل ظهر لسورة الضحى من الحرم المكي الذي كان عام 1302هـ، الموافق 1885م، والشيخ في هذه السنة ما يزال في المهد، وهذا مما لا شك فيه البتة.
وكانت آلات التسجيل وقتها بدائية، ومما يدلِّل على ذلك رداءة التسجيل المصحوب بعدم وضوح الصوت وصفائه ونقائه تمامًا في بعض تلك التسجيلات.
كانت هذه البداية في حدود علم الباحث الضيق، وما وصَل إليه جهدُه الضئيل، ثم تتابع وتوالى بعد ذلك تسجيل تلاوات متفرقة لمشاهير القراء.
[1] يُنظر: موقع “دارة الملك عبدالعزيز” – رحمه الله – التي قامت بنشر هذا التسجيل النادر على حسابها الرسمي بـ”تويتر”، وعلى قناتها الخاصة باليوتيوب عبر الرابط التالي: https://youtu.be/o3vMRJ6xgUs
والذي أجرى تسجيله المستشرق الهولندي الدكتور كريستيان سنوك هورخرونيه عام 1302هـ الموافق 1885م، والذي تقول بعض المصادر: إنه قام بهذا التسجيل بعد أن (أسلم)، وشَهِدَ موسم الحج، وما زالت جامعة “لايدن” بهولندا محتفظة بهذا الإرث التوثيقي التاريخي حتى وقتنا الحاضر، وكان هذا التسجيل بواسطة أسطوانات الشمع التي اخترعها “توماس أديسون” في وقت قريب من هذا التاريخ.
[2] غير أن الباحث وقف مؤخرًا على كلام مفاده أن الصوت المسجل إنما هو للشيخة سكينة حسن القارئة المصرية، وبالفعل بالمقارنة بين أول تسجيل للقرآن من سورة الضحى من مكة المكرمة، وبين تسجيلات أخرى لها تجد الصوت وطبقاته وطريقة الأداء شبه متطابقة، إن لم تكن متطابقة تمامًا، ومع ذلك للأمانة العلمية تَم ذكر ما بلغنا علمه، ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [يوسف: 81]، والله أعلم.
[3] وقارئ السورة: هذه الوظيفة يقوم القارئ فيها بتلاوة القرآن من خلال مكبر الصوت في أوقات محددة، ألا وهي: قبيل صلاة الفجر والعصر من كل يوم بين الأذان والإقامة، وكذلك يوم الجمعة قبل صعود الخطيب على المنبر بقرابة ساعة أو نحوها، ولا شك أن هذا أمرٌ محدث ليس عليه عمل السلف، مع ما يَحُثُّه من تشويشٍ على المصلين.