قطرات على ظمأ
قطرات على ظمأ
(الجزء الأول)
قال التلميذ لمعلمه:
متى أَفِرُّ من صاحبي؟
قال المعلم لتلميذه: إذا كان يظُن أنك تقصده في كل تنبيهٍ على عيبٍ، أو تعليقٍ على سلوك، فهذا لا نفع في صحبته، ولن تزداد بصحبته إلا شقاءً.
♦♦ ♦♦ ♦♦
قال التلميذ لمعلمه:
كيف يقوم غير المسلمين بجمعيات عالمية تقدِّم خدمات وإغاثات إنسانية للمنكوبين، فهل في قلوبهم الخير حقًّا؟
قال المعلم لتلميذه:
هؤلاء يرون الخير فكرة من الأفكار يضعونها حيث تراه أهواؤهم، ولهذا تراهم يغيثون أناسًا، ويبررون لأنفسهم قتل أناسٍ، وتراهم يجبرون الناس على ولائهم بعد إغاثتهم.
♦♦ ♦♦ ♦♦
قال التلميذ لمعلمه:
صِفْ لي الصراط المستقيم؟
قال المعلم لتلميذه: صراطٌ أدقُّ من الشعرة وأحدُّ من السيف، برزخٌ بين بحرين، سهلٌ وصعب، حلوٌ ومرٌّ، يقع عنه الأبطال الشداد، وكثير من الزُّهاد وأرباب الطاعات.
وقد يثبت عليه مذنبون وقليلو الحيلة والعطاء، قد ترجُح فيه الفكرة والخاطر آلاف الطاعات، السائر عليه لا يهدأ، ولا يضمن ولا يأمَن.
♦♦ ♦♦ ♦♦
قال التلميذ لمعلمه:
يقولون: (دموع التماسيح)
فماذا يقصدون؟
قال المعلم لتلميذه:
يقصدون الكذب في المشاعر، كالذين يُمثلون الحزن أو الفرح لشأنك، فالتمساح ليست له غدة دمعية، وتتساقط بقايا المياه من عينه، فيظنها الناس دموعًا.
قال التلميذ لمعلمه:
إذًا نحن في عصر التماسيح، قال المعلم لتلميذه: إلا مَن رَحِمَ ربي.
♦♦ ♦♦ ♦♦
قال التلميذ لمعلمه:
ما لي أَقبلتُ على أناس فآذَوْني
وأعرضتُ عن أناس وهم خيرٌ لي
قال المعلم لتلميذه:
الأولون أَوْهَموك أنك بلا عيوبٍ، فسهُل عليهم معرفةُ عيوبك فآذَوْك، والآخرون أحبُّوك فصارَحوك بعيوبك وعاتَبوك، فجاهِد نفسك وأصلِح عيبك.
قال التلميذ لمعلمه:
أريد أن تكون لي كرامات وبركات، يفعلها الله لي، فتمنحني قوة وثباتًا، فدُلَّني على طريقها.
قال المعلم لتلميذه:
لا تطلُبها ولا تتمناها واحذَرها، طلب الحواريون مائدة من السماء كرامة ومعجزةً، فقال الله لهم: ﴿ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115].
قال التلميذ لمعلمه:
صفْ لي يا سيدي الفارس المسلم في زمن العزة، قال المعلم لتلميذه:
كان مثل جواده له أربعُ ركائز:
العقيدة، العلم، القوة، الأخلاق، فالعقيدة تحدِّد له الهدف وتدفَعه إليه بقوة، والعلم يحدِّد له الطريق ويجمع له الأسباب، والقوة تُرهب عدوَّه، وتَكسِر كبرياءَ خصومه، والأخلاق تفتح بابه للعائدين إليه والكافين عنه.
قال التلميذ لمعلمه:
كيف استطاع السابقون الانتصار وقد حِيك عليهم المكرُ، والتفَّت حولهم الفتنُ، وتغلغَل بينهم النفاق، فإنني كلما قرأت في التاريخ التقيتُ مع هذه الدسائس تُلَفُّ حول عنق المصلحين؟
قال المعلم لتلميذه:
إن قوة المصلح في ثباته لا في انتصاره، إن الله سبحانه قال: ﴿ فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45]، أما النصر فقال فيه: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]، فينبغي ألا يتزعزع (الثبات) حتى لو تأخر (النصر).
قال التلميذ لمعلمه:
متى يَسهُل النيل من إنسان؟
قال المعلم لتلميذه:
إذا مدحته فصدَّق مدحَك إياه، فقد قصَمت ظهرَه، كالحجر إذا أردتَ تحطيمه فإنك تَرفَعه فوق رأسك بكل قوة، فإذا ألقيتَه تَحطَّم.
قال التلميذ لمعلمه:
من أين دخلت القسوة على بعض قلوب أهل الدِّين؟
قال المعلم لتلميذه؟
من بعد ما رأوا الآيات وذاقوا حلاوة القربات، ثم اطمأنَّت نفوسهم ووثَقوا من قَبولهم قبل أن تتمحَّص نفوسهم، وترتعد قلوبُهم، قال التلميذ لمعلمه: وكيف ذاك؟ قال المعلم لتلميذه:
رأى بنو اسرائيل إحياء الميت ببعض بقرة، ثم قسَت قلوبهم، واصطفاهم على العالمين، وكانوا يقتلون كل يوم نبي، وألقوا أقلامهم أيُّهم يكفُل مريم، ثم قالوا عليها بهتانًا عظيمًا.
قال التلميذ لمعلمه:
لماذا أرى على وجهك آثار البكاء؟
قال المعلم لتلميذه:
اشتاقت نفسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى التلميذ مع معلمه.
قال التلميذ لمعلمه:
كيف صارت طاعة الزوجة لزوجها سببًا لدخول الجنة، وما هو إلا واحد من البشر؟
قال المعلم لتلميذه: لأنه الشخص الوحيد الذي اتصل بها بالشرع، جاءت إلى الدنيا فوجدت أخاها وأباها وأقاربها، فعلى قدر تعظيمها للشرع يكون تعظيمها لأمر زوجها.
قال التلميذ لمعلمه:
ما علامة رضا الوالدين عن الولد؟
قال المعلم لتلميذه:أن يُحب إخوته.
قال التلميذ لمعلمه:
وما الرابط بينهما؟
قال المعلم لتلميذه:
لأنه لَما أحب الأصل أحبَّ ما يتفرَّع منه، ومن أحب الأم والأب والرب، أحبُّوه.
قال التلميذ لمعلمه:
الناس تتصارع على الوظائف العامة، يقولون: راتب ومعاش وتأمين، وراحة ونوم.
قال المعلم لتلميذه:ذلك لأنهم لا يعلمون أمانة العمل.
قال التلميذ لمعلمه:
وما أمانة العمل يا معلِّم؟
قال المعلم لتلميذه:
أن يرى نفسه خادمًا لكل مَن يَقصِده من الناس، وأن يعمل في مال الدولة كما يعمل في مال اليتيم، وبذلك يبذل طاقته، ويتعفَّف عن مالهم.
قال التلميذ لمعلمه:
لو يعلمون ذلك لزهِدوا في الوظائف العامة بدلًا من التقاتل عليها.
قال التلميذ لمعلمه:
من الناس من يقول: إنني أعمل من الحسنات سرًّا مثل الصدقات على الفقراء والمحتاجين، ما يغنيني ويعطيني الراحة، فلا أهتم أَسأتُ أم أَصبتُ.
قال المعلم لتلميذه:
هؤلاء جُهلاء؛ لأنهم لا يدرون هل قبِل الله ما عمِلوا أم لا! قد أعجَبهم بكاء الفقراء وانكسار المحتاجين، فيقول لهم الشيطان: ما أعظَم ما فَعلتُم، والعبد لا يدري الحسنة التي يدخل بها الجنة.
قال التلميذ لمعلمه:
فلن يُمكن للحسنة الصغيرة أن تفعل ما لا يفعله العمل الكبير؟
قال المعلم لتلميذه:
إن كلمة واحدة تُدخل صاحبَها الجنة وكلمة تدخله النار.
قال التلميذ لمعلمه:
كيف يؤذينا فلانٌ ثم يكون خيرًا منا؛ لأنه ألقى علينا السلام قبلنا؟
أليس من الممكن أن يكون ذلك كيدًا ومكرًا منه؟
قال المعلم لتلميذه:
الناس تفهَم (خيرُهم الذي يبدأ بالسلام) على أنه الذي يبدأ بالتحية، لكنه الذي يبدأ بترك العداوة من قلبه ولسانه.
قال التلميذ لمعلمه:
هل يَعيب المرءَ أن يفوِّض أمره إلى الله ليأخُذ له بالحق، قال المعلم لتلميذه:
كلَّا، فإن طلب الحق والعدل فضيلة لا يَمحوها العفوُ.
قال التلميذ لمعلمه:
ما لي أرى شباب اليوم فصحاءَ الكلام ضعافَ الفِعال، وليسوا منافقين؟
قال المعلم لتلميذه:
لأنهم علموا نصفَ العلم، ولم يُتِمُّوه.
قال التلميذ لمعلمه:
كيف ضرَّهم بعضُ العلم يا معلِّم؟
قال المعلم لتلميذه:
مثل ضعيف البصر يرى حاجته ولا يرى ما في طريقه إليها، فيحطِّم الأشياء ويدمِّر نفسه، ولا يصل إلى حاجته.
قال التلميذ لمعلمه: كيف أميِّز الأعمال التي صدَقت فيها من الأعمال التي نافقت بها؟
قال المعلم لتلميذه: كل عمل يكون إخفاؤه أحبَّ إليك من إبدائه، فهو عملٌ خرَج من حقيقتك الصادقة خيرًا كان أم شرًّا، وكل عمل إبداؤه أحبُّ إليك من إخفائه، فهو عملٌ مثَّلت به لتُظهر وجهًا غير وجهك، وحقيقة غير حقيقتك.
قال التلميذ لمعلمه: كثُرت المشاكل الحياتية يا سيدي وتعقَّدت أسبابها، فما قولك؟
قال المعلم لتلميذه: كلها يا بُني تعود إلى سببٍ واحد ألا وهو (التكلف)، فلو تعاملوا بصدق في عسرهم ويُسرهم، وفي شدتهم ورخائهم، لسكَنت نفوسهم، فإن النفوس تَستحسن المرء الصادق، وتَستقبح الحلو الكاذب.
قال التلميذ لمعلمه: هنِّئْني يا سيدي، فقد انتهيت من قراءة كتاب، وأصبحت قائمة الكتب المقروءة في زيادة، قال المعلم لتلميذه: يا بني، ليست العبرة بكثرة الكتب، ولكن العبرة بأثر الكتاب عليك، فقد تقرأ كتابًا أو اثنين، ويكون أثرهما عليك خيرًا من قراءة مكتبة كاملة.
يا بني، إن الكتاب الذي تفرَح أنك انتهيت منه هو كتاب لا تريده أو لا يريدك.
يا بني، ليكن همُّك ماذا استفدتَ، ولا يكن هَمُّك كم قرأت.
يا بني، لو استطعتَ أن تستخرج من كل كتاب كتابًا تؤلِّفه، أو تحليلًا ترتِّبه، لقلت: إنك قارئ حقًّا.
يا بني، إن الكتاب الذي ترغب أن تقرأه مرة ثانية وثالثة هو الذي يستحق أن تكتُبه في قائمة المقروءات.