قنوط ويأس من حياتي


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

١- بيتكم مليء بالمشاكل بين أبويكِ، وبينكِ وبين إخوتكِ.

 

٢- زوجة أخيكِ تفتعل المشاكل غير المبررة التي تجعلكِ في خصام مع أخيكِ.

 

٣- تحملتِ مسؤولية البيت، ومسؤولية رعاية والدتكِ التي لها ظروف نفسية خاصة.

 

٣- والدكِ دائمًا يسافر لظروف عمله.

 

٤- تقولين: لم تعيشي حياتكِ الطبيعية كأي بنت تخرج وتعيش حياتها، وتطور من نفسها، وكنتِ حبيسةَ البيت؛ لأنه لم يكن عندكِ وقت بسبب انشغالكِ برعاية والدتكِ.

 

٥- إخوتكِ لا يساعدونكِ في رعاية والدتكِ، وأنتِ التي تحملتِ مسؤولية نفسكِ، وكل شيء في البيت.

 

٦- والدكِ مشغول عن البيت وعنكِ وعن والدتكِ بمساعدة الأقارب وزملاء العمل، ويساعدهم في حل مشاكلهم.

 

٧- والدكِ لا يتحدث معكِ مثل باقي الآباء، بل هو دائم النقد لتصرفاتكِ، ولا يقتنع إلا برأيه، ولا يشعر بما تشعرين به من ضغط نفسي وجسدي، ولا بأنكِ تحملت مسؤولية فوق طاقتك.

 

٨- ووالدكِ وإخوتكِ يغضبون لو ارتحتِ قليلًا من مسؤوليات البيت ومن خدمة والدتكِ.

 

٩- تقولين: إنهم يرون أنه ليس لكِ حق في التعبير عن حزنكِ وآلامكِ، ولا يفكرون إلا في أنفسهم؛ لأنكِ في نظرهم ليس عندكِ ضغوطات؛ لأنكِ متفرغة بسبب عدم الزواج.

 

١٠- تقولين: إنكِ وصلتِ إلى حد اليأس والإحباط؛ لأنكِ لم تنجزي شيئًا في حياتكِ.

 

١١- وتقولين: إن والدكِ يريد منكِ دائمًا مسامحة إخوتكِ وقد تعودوا على إهانتكِ، والتقليل من شأنكِ، وأنهم دائمًا على صواب، وأنتِ على خطأ؛ لأنكِ أصغرهم.

 

١٢- وتقولين: إنكِ لا تعرفين كيف تأخذين حقكِ قولًا وفعلًا.

 

١٣- وتقولين: إن والدكِ لا يشعر بمعاناتكِ النفسية؛ بسبب كثرة غيابه عنكم.

 

١٤- وتقولين: إنكِ إن سعيتِ للتقدم قليلًا، فإن والدكِ يحبطكِ بكلامه، فتزداد نفسيتكِ سوءًا، فتغلقين على نفسكِ الباب.

 

١٥- وتقولين: إنكِ تحدثتِ مع والدكِ ليغير من أسلوبه معكِ، فقال: هذا أسلوبه ولن يتغير وهذه طبيعته.

 

١٦- ثم تسألين: كيف أعالج الرهاب، وأندمج في المجتمع، وأثق بنفسي لأنكِ تشعرين بالدونية؟

 

١٧- ثم تسألين: كيف تقنعين والدكِ بأن يغير من طريقته، ويقف معكِ لتتحسن نفسيتكِ، وتحققي أهدافكِ، ويُبعد عنكِ الضغوط؟

 

فأقول مستعينًا بالله سبحانه: لعل حل مشاكلكِ يكون بإذن الله في الآتي:

أولًا: ما حصل من مشاكل بين أبويكِ هو قضاء وقدر لحِكَمٍ يعلمها الله سبحانه، ومنها رفع الدرجات، وتكفير الخطايا، وغير ذلك.

 

ومع ذلك ينبغي لكل منهما أن يتفقد تصرفاته مع الآخر، وأن يُصحح من أخطائه، وينبغي لأقارب الوالدين مناصحتهما، والتدخل للإصلاح بينهما.

 

ثانيًا: أنت وإخوتكِ ينبغي لكم معرفة عظم حقوق الوالدين، وطاعتهما في غير المعصية، والإحسان إليهما، ومحاولة الإصلاح بينهما بالحكمة لا التفريق بينهما، أو إيغار صدر أحدهما على الآخر؛ فإن ذلك كله محرم آثمٌ فاعله.

 

ثالثًا: بالنسبة لزوجة أخيكِ لا تُلقي باللائمة عليها، وتزكي نفسكِ، فتفقدي تعاملكِ معها، لا يكون فيه شيء من أخطاء الغيرة التي تحرك حفيظتها عليكِ.

 

وإن كانت هي التي تبدأ بالأخطاء، فينبغي مناصحتها من قِبل زوجها (أخيك)، ومن قِبل عقلاء أقاربها، وتحذيرها من عاقبة الظلم، ومن إفساد ذات البين؛ وتذكيرها بالحديث التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة))؛ [قال الترمذي: هذا حديث صحيح].

 

رابعًا: أما أخوكِ، فينبغي مناصحته من عقلاء العائلة بعدم تصديق كل ما تقوله زوجته عنكِ، وبالحذر من ظلمكِ، ويُذكَّر بالآية التالية، حتى ولو كان يعتقد أنكِ مخطئة دائمًا: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، وبقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

 

خامسًا: أما شكواكِ بأن كل إخوتكِ تخلوا عن رعاية أمكِ، ووكلوا ذلك لكِ وحدكِ، وتذمركِ من ذلك، فأقول لكِ: افرحي بأن الله سبحانه اختصكِ بالهدية والنعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليكِ، وحرم منها إخوتكِ المساكين، ولو علِموا عن عظمتها، لقاتلوكِ عليها بالسيوف، ما هذه النعمة؟ هي هذا الكنز العظيم الثمين الذي بين يديكِ، وهو عمل صالح ثوابه جزيل جدًّا جدًّا، بل أجزل وأعظم من صلوات النافلة، وصدقات التطوع، وصيام التطوع؛ وهو اختصاصكِ بشرف خدمة أمكِ ورعايتها، وكسب الثواب تلو الثواب، والدرجات العلا من الجنة بشرط الإخلاص لله سبحانه.

 

فافرحي بفضل الله عليكِ، واسجدي شكرًا لله عز وجل، وابكي فرحًا بهذا الفضل العظيم، وهذه المنة والمنحة الربانية لكِ خصوصًا.

 

سادسًا: وأوصيكِ بالاستمرار في هذا الشرف الكبير، رافعة رأسكِ، معتزة بفضل الله عليكِ.

 

سابعًا: ومما يُعينكِ على ذلك كله أن تقرئي ما ورد في مقالتي بشبكة الألوكة بعنوان: (بروا والديكم قبل موتهما)؛ ففيها تذكير بالأدلة من القرآن والسنة على فضيلة البر، وعِظم أجره.

 

ثامنًا: في الحقيقة ليس عندكِ مشكلة، المشكلة حقيقة لدى إخوتكِ المقصرين؛ فهن اللاتي يُفترض أن يرسلن رسالة يشتكين فيها من استئثاركِ بهذا العزِّ الوافر.

 

تاسعًا: أما ما أشرتِ إليه من التعب الذي يصيبكِ وعدم الفراغ لديكِ، فكل هذا إذا تذكرتِ عِظم كرم الله لكِ بهذا الشرف، هان عليكِ التعب، بل أصبح لذة، ومتعة لها نكهة خاصة المذاق.

 

عاشرًا: فأوصيكِ بكثرة الدعاء بإعانة الله لكِ وبالصبر والاحتساب؛ وتذكري قوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

حادي عشر: وما يدريكِ لعل بركِ بأمكِ يكون سببًا عظيمًا لتيسير زواجكِ من رجل صالح خلوق، تسعدين معه سعادة عظيمة يغبطكِ عليها كل إخوتكِ وصديقاتكِ، ثم ترزقين بأبناء بارين تنتفعين منهم نفعًا عظيمًا في حياتكِ وبعد موتكِ؛ لأن البر باب عظيم لاستجابة الدعاء، وتفريج الكرب، وتيسير المستحيلات الصعاب.

 

ثاني عشر: وتأملي كثيرًا قصة أويس القرني التي ذكرتها في رسالة (بروا والديكم)، وكيف صار مستجاب الدعاء بسبب بره لوالدته.

 

ثالث عشر: الخلاصة: ليس لديكِ مشكلة أبدًا، بل لديكِ كنز عظيم؛ فحافظي عليه، تسعدي في الدنيا والآخرة.

 

رابع عشر: أما والدكِ، فاصبري على أخطائه، وادعي الله كثيرًا أن يوفقه الله لمعرفتها، والتخلص منها، وينبغي مناصحته من قِبل عقلاء عائلتكم.

 

خامس عشر: لا تنسي الأسباب الشرعية المهمة جدًّا لتيسير الأمور، وصرف الشرور؛ وهي:

الدعاء؛ وهو مهم جدًّا؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

الاستغفار؛ لأننا أحيانًا نُبتلى بسب معاصينا، ولأن الله سبحانه جعل الاستغفار سببًا عظيمًا لتفريج الكرب؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12].

 

الاسترجاع.

الصدقة.

أذكار الصباح والمساء.

 

سادس عشر: مما يسليكِ ويعينكِ على الصبر أن تعلمي أن كل ما أصابكِ قدر كتبه الله؛ لرفع درجاتكِ، وتكفير خطاياكِ؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فإذا علمت بذلك، صبرتِ واحتسبتِ الأجر العظيم؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].

 

قال علقمة رحمه الله: “هو من تصيبه مصيبة فيعلم أنها من الله فيسلم ويرضى”.

 

سابع عشر: أما يأسكِ وقنوطكِ، فهو من علامات ضعف الإيمان، وهما محرمان؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقوله عز وجل: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].

 

حفظكِ الله، ورزقكِ بر الوالدين والصبر والفرج.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
عبادة الشكر (خطبة)
صلاة القيام في العشر الأواخر