كثرة الزلازل وظهور الخسف، والقذف، والمسخ (خطبة)


كثرة الزلازل

وظهور الخسف، والقذف، والمسخ

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن خيرَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين.

 

الله سبحانه وتعالى يُجري على خلقه آياتٍ ممتعة لنتذكر ونعتبر، فإن لم تنفعنا الآيات الممتعة، أرسل علينا آيات موجعة لنعتبر ونتوب ونتذكر؛ لذلك من علامات الساعة كثرة الزلازل والمسخ والقذف، نسأل الله السلامة.

 

وهذه الآيات الموجعة لا يرسلها الله عز وجل إلا ليخاف عباده منه سبحانه، ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60].

 

لقد وقعت الزلازل أول ما خلق الله الأرض، فاضطربت ومادت، فأرسى فيها الجبال الراسيات، فهدأت وسكنت؛ قال سبحانه: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]، وقال سبحانه عن الجبال هي متعة، جعلها متعة لنا: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 6، 7]، وقال سبحانه: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ [النازعات: 32].

 

فلولا الجبال بأمر الله عز وجل ما استطعنا أن نعيش على هذه الأرض من كثرة الزلازل، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم تزلزل جبل حراء، واضطرب وتحرك؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صعِد حراء، ومعه أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، وطلحة والزبير))، رضي الله عنهم، ((فتحرك بهم الجبل))، جبل حراء تزلزل بهؤلاء الثلة الذين معهم النبي صلى الله عليه وسلم، ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكن حراء؛ فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد))؛ [(حب)، (6983)، قال الألباني: صحيح، الصحيحة (875)، نحوه (م) 50- (2417)، وحراء جبل بمكة].

 

وكذلك تزلزل ورجف جبل أحد في المدينة المنورة، عندما صعده النبي صلى الله علي وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، قال: اثبُتْ أُحُدُ؛ فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيدان))؛ [(خ) (3686)، “ارتج أحد”، (حم) (22811)، (حب) (6492)، الصحيحة (875)].

 

ونحن الآن في انتظار علامات الساعة الكبرى، ويدل على قربها كثرةُ الفتن والقتل والزلازل، هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم))، والعلم يُقبَض بموت العلماء، والعالم إذا مات لا يأتي بعده مثله، ((وتكثر الزلازل))، وأنتم تَرَون أنها في البدايات، نسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدارين، اللهم آمين، ((ويتقارب الزمان))، أمسِ صُمنا رمضان، وبعد أيام سنصومه إن شاء الله، الزمان سريع وهو يتقارب، ((وتظهر الفتن))، لا داعي للشرح، فالفتن كثيرة، ((ويكثر الهرج؛ وهو القتل القتل))؛ أن يقتل المسلم أخاه المسلم، نسأل الله السلامة، ((حتى يكثر فيكم المال فيفيض))؛ [رواه البخاري (1036)، ومسلم (4/ 2057)]، وبعض الناس أثرياء، لا تقدَّر ثرواتهم، وبعضهم فقراء، نسأل الله السلامة.

 

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ))؛ أي: زلزال، تنشق الأرض وتبتلع ما عليها، ((ومسخ)) تغيير في الصور، بعض الناس من كثرة معاصيهم تحول صورهم إلى قردة وخنازير أو حمير أو كلاب أو نحو ذلك، نسأل الله السلامة، ما رأينا ذلك حتى الآن، ونسأل الله ألَّا نلحق ذلك الزمان، ((وقذف))، حجارة من السماء تقذف الناس، ليست حجارة من برد، وإنما حجارة من نار، نسأل الله السلامة، ((قالت)) عائشة رضي الله عنها: ((قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟!)) في وجود أناس طيبين، أناس أبرياء، أناس لم يرتكبوا خطيئة، أطفال، وكبار في السن نساء، أنهلك وفينا الصالحون؟ ((قال: نعم، إذا ظهر الخبث))، كثرت المعاصي، وكثُر العصاة، فالبلاء عام كما يقول العوام، والرحمة تخص.

 

((القذف)): رمي بالحجارة من جهة السماء، ((إذا ظهر الخبث))؛ أي: المعاصي والشرور وأهلها؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].

 

فمن أشراط الساعة الصغرى، وهي كثيرة جدًّا، ومنها: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهده حدث انشقاق القمر، وبعده بنحو خمسة أو ستة قرون خرجت نار، أخبر عنها النبي صلى الله عيه وسلم من بلاد الحجاز، التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى، ببلاد الشام، ومنها كثرة الزلازل والخسف والفتن… ومنها قطع الأرحام، وسوء الجوار، وظهور الفساد، وكثرة الزلازل.

 

وقد كثرت الزلازل في عصرنا الحاضر في أماكن متعددة؛ مصداقًا لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وأسباب الزلازل أمران:

الأمر الأول: علمي؛ وهو تحرك طبقات من القشرة الأرضية.

 

والأمر الآخر من البشر؛ فساد الناس وكفر الكافرين، الكفار الذين يستحقون العذاب، والعصاة من المسلمين الذين يستحقون التنبيه والوعظ والاعتبار؛ ليبادروا بالتوبة والأعمال الصالحة، فهذه أسباب تجعل هذا الأمر من الله عز وجل، أن يكون في بلد، في أرض ما، على بشر ما، أو ما شابه ذلك؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: ومتى ذلك يا رسول الله؟!)) هل يسأل عن الزمان متى سيكون؟ أو سأل عن الأسباب التي تجعل هذا الأمر يكون؟ متى يا رسول الله؟ فـ((قال: إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف))، والخمور منتشرة إلا من رحم الله في بيوت كثير من الناس المسلمين، القينات والمعازف آلات الموسيقى والطرب حتى في جيوبنا، ورنات الجوال كلها معازف يا عباد الله، نسأل الله السلامة، إن لم يرحمنا الله هلكنا، لكن نسأل الله الرحمن الرحيم رحمته وعفوه؛ وفي رواية: ((إذا ظهرت المعازف والقينات، واستُحِلَّت الخمر))؛ [الحديث بزوائده عند (ت) (2212)، (جه) (4059)، (طب) (5810)، ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (ق 153/ 1)، انظر صحيح الجامع: (5467)، (3665)، الصحيحة: (2203)].

 

فهذه الأحاديث السابقة التي فيها ذِكْر الخسف والقذف والمسخ، فيها وعيد شديد للعصاة؛ من أهل المعازف وشاربي الخمور، بأن يعاقبهم الله تعالى بهذه العقوبات ليسوا وحدهم، بل يعاقب من جاورهم وحولهم من الأتقياء والصالحين إذا انتشر الفساد؛ لذلك يعاقبهم بكلها مسخ وخسف وقذف، أو ببعضها زلزال فقط أو نحو ذلك، على عصيانهم وتمردهم، وهي في نفس الوقت من أمارات الساعة، وعلامة من علاماتها، التي كلما يقترب وقوعها يزداد ظهور المعاصي والذنوب؛ لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، نسأل الله السلامة، والله أعلم.

 

ويا للأسف وبحثًا عن التقدم والرقي والحضارة المزيفة، يتدين كثيرون بدين غير دين الإسلام، مسلم ثم يتخلى عن دينه، لماذا؟ نسمع قول الله عز وجل الذي يبين فيه أنه بعض الناس يتخلى عن دينه، ويعبد غير الله؛ ليعتز، ليكون له ظهر قوي، وهم من يعتدون أن ذلك عندهم فيعبدون غير الله؛ طلبًا للرقي والعزة؛ قال سبحانه: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82].

 

ومن الأعمال التي تجعل السماء تنفطر، والأرض تنشق، والجبال تنهد الافتراءُ بأن الله اتخذ الولد، يخرج من دين الإسلام للنصرانية، فمن دينهم أن الله اتخذ ولدًا؛ قال سبحانه: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ [مريم: 90]؛ أي: من هذا الفعل، فعل هؤلاء الذين يعبدون غير الله، والذين يجعلون لله الولد، ﴿ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 90 – 93]، سبحانه، واحد، أحد.

 

فكم من مسلم تنصَّر! وكم من مؤمنة عن دينها ارتدت؛ رغبةً في المال والجاه والشهرة! وانتشر بين المسلمين عمل قوم لوط ما سمَّوه باسم جديد: (زواج المثليين)، نسأل الله السلامة، بتقنين وتنظيم من بعض الحكومات؛ جريًا وراء الحرية، أقصد الإباحية والشهوة.

 

ومكر الماكرين يمهِّد للزلزال، وينذر بزوال الجبال؛ فقد قال سبحانه: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 46].

 

وحينما زُلزلت الكوفة، في وقت كان فيه عبدالله بن مسعود موجودًا؛ قال رضي الله عنه: “إن ربكم يستعتبكم فأعْتِبُوه”؛ [انظر تفسير الطبري (15/ 109)].

 

وقع زلزال، استنبط منه هذا الصحابي أن الله يطلب من الناس أن يتوبوا وأن يرجعوا إليه؛ قال ابن القيم رحمه الله: “استعتاب الله عبده أن يطلب منه أن يعتبه؛ أي: يزيل عتبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإذا أناب إليه رفع عنه عتبه”؛ [انتهى من مفتاح دار السعادة، ص: 121)].

 

لقد أجرى الله سبحانه وتعالى آياته الممتعة، من جبال وأنهار وبحار، وبساتين وزروع وثمار، ومياه ونار، وسماء وشموس ونجوم وأقمار، وليل ونهار، كله وغيره: ﴿ تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ [الواقعة: 73].

 

هذه التي ذكرناها متعة استمتع بها، فاذكر ربك يا عبدالله، أقلع عن الذنب، افعل الخيرات والطاعات بهذه الآيات التي تراها بين يديك، تمتعك وإلا انقلبت عليك يا عبدالله، فإن لم يتعِظ العباد ولم يتذكروا، ولم يُقلِعوا عن الذنوب والخطايا، مع وجود آيات الله الممتعة، أجرى الله عليهم آياته الموجعة؛ من خسف ومسخ وقذف، وزلازل وبراكين، فقد جاء في التاريخ ما يلي فيما مضى، أذكرها كل حادثة بسنة تاريخها.

 

قال الذهبي رحمه الله في أحداث سنة ثلاث وثلاثين ومائتين؛ أي: قبل ألف ومائتي عام تقريبًا، ماذا كان؟ قال: “فيها كانت الزلزلة المهولة بدمشق، دامت ثلاث ساعات، وسقطت الجدران، وهرب الخلق إلى المصلى”.

 

انظر إلى الناس ماذا يفعلون في ذلك الزمان إذا وقعت الزلازل، قال: “يجأرون إلى الله، ومات عدد كبير تحت الردم، وامتدت إلى أنطاكية، فيقال: إنه هلك من أهلها عشرون ألفًا”، ونسأل الله السلامة، “وامتدت من دمشق إلى الموصل، فزعم بعضهم أنه هلك بها” بالزلزلة “تحت الردم خمسون ألفًا”؛ [انتهى من العبر في خبر من غبر (1/ 413)، ومرآة الجنان وعبرة اليقظان (2/ 108)].

 

وقال ابن العماد الحنبلي في أحداث سنة اثنتين وأربعين ومائتين: “وزُلزلت الري وجرجان وطبرستان، ونيسابور وأصبهان، وقم وقاشان”، كلها من بلاد إيران بلاد فارس، “كلها في وقت واحد، وتقطعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسُمع للسماء والأرض أصوات عالية”، نسأل الله السلامة.

 

ثم قال: “وزُلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفًا، وسقطت بلدان كثيرة على أهلها”؛ [شذرات الذهب (2/ 99)].

 

وقال ابن كثير بأنه في هذه السنة أصاب أهل الري زلزلة شديدة جدًّا، وتبعتها رجفة هائلة، تهدمت منها الدور، ومات منها خلق كثير، وخرج بقية أهلها إلى الصحراء؛ [البداية والنهاية (11/ 4)].

 

“وفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة؛ أي: قبل ألف ومائة عام، زُلزلت مصر زلزلة صعبةً، هدمت البيوت، ودامت ثلاث ساعات، وفزع الناس إلى الله بالدعاء”؛ [انظر: تاريخ الخلفاء، ص: 399)].

 

“وذكر ابن كثير أنه في سنة خمس وعشرين وأربعمائة”؛ قبل ألف عام تقريبًا، “قال: كثرت الزلازل بمصر والشام، فهدمت شيئًا كثيرًا، ومات تحت الهدم خلق كثير، وانهدم من الرملة” في فلسطين “ثلثها، وتقطع جامعها تقطيعًا، وخرج أهلها منها هاربين”؛ يعني أخذوا بالأسباب، “فأقاموا بظاهرها ثمانية أيام، ثم سكن الحال فعادوا إليها.

 

وخُسف بقرية البارزاد وبأهلها وبقرها وغنمها، وساخت في الأرض، وكذلك قرى كثيرة هنالك”؛ [البداية والنهاية (12/ 36)].

 

وقال ابن كثير رحمه الله في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة: “وفيها وقعت في مدينة تبريز الفارسية زلزلة عظيمة، فهدمت قلعتها وسورها ودورها، ومن دار الإمارة عامة قصورها، ومات تحت الهدم خمسون ألفًا”؛ [البداية والنهاية (12/ 50)].

 

وقال ابن الأثير في أحداث سنة ستين وأربعمائة: “وفيها في جمادى الأولى كانت بفلسطين ومصر زلزلة شديدة، خربت الرملة، وطلع الماء من رؤوس الآبار، وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألف نسمة، وانشقت الصخرة بالبيت المقدس، وعادت بإذن الله تعالى، وعاد البحر من الساحل مسيرة يوم”، رجع البحر “فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون منه”، يبحثون عن أشياء يريدونها في قاع البحر، “فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقًا كثيرًا”؛ [انتهى الكامل في التأريخ (8/ 381)].

 

وذكر ابن كثير “أنه في هذه السنة زُلزل أهل حلب في ليلة واحدة ثمانين مرة”.

 

“وفي ضحى يوم السبت”، في عصرنا الحاضر الذي نعيشه قبل ثمانية عشر عامًا، “الموافق للخامس من شهر رمضان من عام (1426هـ)، ضرب زلزال عظيم باكستان وكشمير، ودولًا بجنوب آسيا، ثم زلزلت في نفس هذا اليوم قريبًا من خمسين مرة – كما ذكرت باكستان – وقد خلَّفت هذه الزلازل العظيمة في باكستان وكشمير، قريبًا من سبعين ألف قتيل، ومثلهم من الجرحى، وملايين المشردين، كما دُمِّرت قرى كاملة حتى سوَّتها بالأرض؛ نسأل الله السلامة والعافية”.

 

أخي في دين الله؛ تأمل قول ابن القيم رحمه الله عن هذه الآيات، قال: “فيحدث من ذلك لعباده الخوف، والخشية، والإنابة، والإقلاع عن معاصيه، والتضرع إليه والندم”؛ [انتهى قول ابن القيم].

 

هذه الآيات التي نراها عبر الشاشات ونحوها، هذه الآيات ما نفعتنا أن نقلع عن المعاصي، وأن يكون عندنا خشية وإنابة، وندم ورجوع إلى الله، ماذا تنفع هذه الآيات؟ نحتاج آياتٍ أعظمَ منها، نسأل الله السلامة.

 

لذلك أقول: وهل يوجد شيء من هذا في زماننا، أن نرجع إلى الخشية والندم وما شابه ذلك، انظر إلى حال الناس، أم هو الانشغال بـ(ريختر) ومقياسه، وكم هلك بالزلزال، وما الذي دمره، وانتهى الأمر؟ وهذا الذي نراه فيما نراه في هذا الزمان أين الرجوع إلى الله؟ أين محطة إعلامية واحدة تذكر الناس بالله عز وجل؟ ما وجدنا لا محطة عربية ولا محطة أجنبية، الكل يقول مقياس ريختر ويتوقعون غير ذلك، ونسأل الله السلامة، وهذا من علامات الخذلان والحرمان من العافية، نسأل الله السلامة والعافية.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فهذه الآيات ومنها الزلازل وموت الأبرياء والصالحين وغيرهم، هذا على الكافرين والعياذ بالله عذاب وإنذار حتى يؤمنوا، وعلى العصاة حتى يرجعوا إلى ربهم فيتوبوا، أما على المؤمنين الأتقياء فهو خير لهم ورحمة، فالمسلم ما يصيبه من هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر له من خطاياه؛ لذلك إليكم هذه البشرى يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((وصاحب الهدم شهيد))؛ [(س) (1846)]، وفي رواية: ((والمغموم – يعني الهدم – شهادة))؛ [(س) (3194)]، وفي رواية: ((والذي يموت تحت الهدم شهيد))؛ [(د) (3111)].

 

وفي آخر الزمان يحدث زلزال عظيم في المدينة المنورة؛ لاقتراب الدجال المفسد الكذاب منها، قبل أن يدخلها ترتجف المدينة ثلاث رجفات؛ عن أنس بن مالك، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يجيء الدجال، حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق))؛ [(خ) (7124)، (م) 123- (2943)]، لا يبقى في المدينة إلا المؤمنون، الباقي يخرج من الزلزال، يخرج إلى الدجال، نسأل الله السلامة.

 

قال سبحانه، وهذا يبين علامات الساعة وما يحدث فيها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]، زلزلة الساعة ليست هي بمقياس ريختر، التي هي سبع درجات، أكثر، قل ألف درجة، ألفين، ترجع الأرض على حالها الأول، نسأل الله السلامة، شيء عظيم يقول العظيم سبحانه، ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، فما مصير الجبال الراسيات، التي تمنع الأرض من الاضطراب؟ التي كانت من الآيات الممتعة وأصبحت من الآيات الموجعة؛ وقد قال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47]، وقال سبحانه: ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ [الطور: 10]، تُقتلع من الأرض وتسير، الله وضعها لثبات الأرض، الأرض الآن لا تحتاج إلى ثبات، من علامات الساعة، تصور نفسك وحيدًا فريدًا على الأرض في ذلك الزمان، كيف حالك يكون؟ ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ [الطور: 10]، وقال سبحانه: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [النبأ: 20]، وقال سبحانه: ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ﴾ [الواقعة: 5]؛ صارت كالدقيق، وقال سبحانه: ﴿ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: 14]، وقال سبحانه: ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ﴾ [القارعة: 5]؛ كالصوف المنفوش، وقال سبحانه: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ﴾ [المزمل: 14]، الرمل كالصخر يصبح كالصوف والرمل، نسأل الله السلامة، ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾ [المرسلات: 10]؛ يعني: ينسفها الله عز وجل نسفًا، فيذرها قاعًا صفصفًا، أمر مهول، وأحداث مفزعة، ومرعبة، ألَا تردنا هذه الآيات إلى الله؟ ألا ترجعنا إلى أن نتوب ونستغفر ونرجع الحقوق إلى أهلها؟

 

فإذا كان النبي محمد رسولُ الله، ونبي الله، وخليل الله، وحبيب الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر – يبلغ منه الخوف من ربه عز وجل؛ أنه إذا رأى سحابةً سوداء في السماء، عُرف في وجهه الكراهية؛ يخاف من سحابة سوداء عليه الصلاة والسلام، مخافة أن تكون عذابًا من الله على الناس، فما بالك بنا نحن، وقد بلغ سيل ذنوبنا الزبى؟!

 

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((… وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيمًا أو ريحًا، عُرف في وجهه))؛ يعني يكره هذا الشيء، يتغير وجهه، ((قالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرِحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية، فقال: ((يا عائشة، ما يؤمِّنِّي)) ما يجعلني أكون آمنًا ((أن يكون فيه عذاب؟ عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا))؛ [(خ) (4828)، (4829)، أخرجه البخاري برقم: (4551)، ومسلم برقم: (899)].

 

وإنما معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بربه تعالى جعلته يخشاه كل هذه الخشية، و‌‌من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، وعدم معرفتنا بربنا سبحانه، هو ما جعلنا على هذه الحال السوء، التي نرجو من الله ألَّا يهلكنا بسببها، ولا بما فعل السفهاء منا.

 

وأما المسلمون، فليس ما يعاقبهم الله به مماثلًا لِما يعاقب به الكفار، بل هو أهون، لماذا أهون؟ قال: فيه تكفير لسيئاتهم، المصائب التي تصيب الإنسان فيها تكفير للسيئات، وفيها تمحيص لهم، كما أنها موعظة لهم وعبرة، كذلك فإن فيها الرحمة، والخير الكثير لِما يحصل بسببه، من توبتهم ورجوعهم إلى مولاهم الحق سبحانه، بالانكسار لله، والذل له، والخوف منه، الذي يحجزهم عن التعرض لسخط ربهم.

 

فأبشري أيتها الأمة، أبشري يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أبشري يا أمة الإسلام، أبشري بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا للأمة؛ قال: ((أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل، والقتل))؛ [(د) (4278)، (ك) (8372)، (يع) (7277)، (طس) (4055)، انظر صحيح الجامع: (1396)، (1738)، الصحيحة: (959)، قال الألباني: صحيح]، [بتصرف من التفكر والاعتبار بآيات الكسوف والزلازل والإعصار].

 

هذا هو رسول الله يرحمنا، وهو رحمة مهداة، ويهدينا ويرشدنا ويحذرنا، ويحثنا على طاعة ربنا حتى ندخل جنة ربنا بسلام، ولا نُعذَّب يوم القيامة، فصلوا عليه وقد صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنا معهم بمنك وكرمك، يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

 

اللهم لا تَدَعْ لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا أو سجينًا أو أسيرًا، أو مهاجرًا أو مسافرًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.

 

اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم أيِّدنا ولا تخذلنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك من سيئ الأخلاق، ونسألك حسنها يا رب العالمين.

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الاعتبار بآية الزلزال (خطبة)
تحميل كتاب في رحاب النبوة – شعر pdf