كرهت الزواج لأنني أنثى
♦ الملخص:
فتاة تعتقد أن الإسلام ظَلَمَ المرأة؛ إذ أباح للرجل التعدد دون أن يقدِّر مشاعرها، وهذا الأمر جعلها تكره الزواج، بل تكره كونها أنثى، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
لا أخفيكم سرًّا أشعر أن الزواج والحب حظٌّ للرجل وحده، فالإسلام أباح للرجل التعدد، إذا أحب امرأة غير زوجته الأولى، فلماذا هذا الظلم؟ ألسنا بشرًا؟ لماذا لم يُقدِّر الإسلام مشاعرنا وألمنا؟ فالنساء قد يعِشن بربع أو نصف زوج، أما الرجل فلا؛ هذا الأمر جعلني أتحسر على الزواج؛ لأنني لن أعيشه كما أريد في حبٍّ وسعادة؛ وما ذلك إلا لأنني أنثى.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ أما بعد:
بِناءً على معطيات استشارتكِ التي فقط أكثر من ثلاثة أشهر، وما تقدمتِ به من معطيات تعيدنا إلى الحديث عن كونكِ أنثى، رافضة لذلك، ولا أدري ما المحيط حولكِ من أسرتكِ، أو كيف تعاملكِ مع وسائل التواصل الاجتماعي لتصلي إلى هذه المفاهيم الخاطئة عن كيفية تكريم الإسلام للمرأة عمومًا بجميع الحالات؛ أمًّا، وزوجةً، وبنتًا، وعمةً، وخالةً.
فلِمَ هذه السوداوية عن المرأة، وخاصة شبهة تعدد الزوجات لتجعلكِ تكرهين الزواج: (هذا الأمر جعلني أتحسر على الزواج؛ لأنني لن أعيشه كما أريد في حبٍّ وسعادة؛ وما ذلك إلا لأنني أنثى).
هذا كلامكِ – يا بنتي – وأنتِ ما زلتِ في عمر الحادية والعشرين؛ لذلك عليَّ نصحكِ قبل كتابة حل المشكلة؛ ألَا وهي إغلاق أي وسيلة اجتماعية تبُثُّ هذه الشبهات ضد الإسلام، فهذه نافذة من نوافذ تلبيس إبليس لكي يجعلكِ حزينة.
وقبل البدء أوَدُّ منكِ الإيمان الجازم بأنكِ ستُولدين أنثى قبل خَلْقِ الزمان والمكان، والأهم من ذلك عليكِ الإيمان بقضاء الله أن خلقكِ أنثى، فمراتب القدر أوَّلُها عِلْمُ الله الأزلي قبل خَلْقِ القلم، وقبل خلق اللوح المحفوظ، وقبل خلق السماوات والأرض.
فعلم الله محيط بكل شيء؛ حيث إنه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم الموجود والمعدوم، والممكن والمستحيل، وهو العالم بالعباد؛ آجالِهم، وأرزاقهم، وأحوالهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وشقاوتهم، وسعادتهم، ومن منهم من أهل الجنة ومن منهم من أهل النار – من قبلِ أنْ يخلُقَهم ويخلق السماوات والأرض.
وقد دلَّت الأصول القرآنية والنبوية أن تقدير أمرِ الخلائق تمَّ في علم الله عز وجل قبل أن يخلقهم؛ [عمر الأشقر، القضاء والقدر، ص 30].
ومن الإيمان والتوحيد كما ذكر علماء السلف الصالح تصديق الخبر بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحي السماء، إما في القرآن الكريم، أو بأحاديثه الصحيحة المنقولة من العدول، وتنفيذ الأمر بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وبيَّن ابن القيم وغيره من علماء السلف أن جِماع الدين تصديقُ الخبر وطاعة الأمر، وأن أساس التوحيد والهداية التي منَّ الله بها على الموحِّدين يترتَّب على تصديق خبر الله من غير اعتراض شهوة تمنع امتثاله.
ثم قال رحمه الله: “وعلى هذين الأصلين مدار الإيمان؛ وهما تصديق الخبر وطاعة الأمر، ويتبعهما أمران آخران؛ وهما نفي شبهات الباطل الواردة عليه والمانعة من كمال التصديق، وألَّا يخدِش بها وجه تصديقه، ودفع شهوات الغي الواردة عليه والمانعة من كمال الامتثال.
فهنا أربعة أمور: أولها تصديق الخبر، والثاني بذل الاجتهاد في ردِّ الشبهات، وأما الثالثة فهي طاعة الأمر، وأما الرابع فما هو إلا مجاهدة النفس في دفع الشهوات التي تَحُول بين العبد وبين كمال الطاعة”؛ [ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، الجزء الأول، ص: 55].
أما في كونكِ أنثى، فهذا يعني أنكِ آية من آيات الله عز وجل الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعلهما آية للعالمين.
خلق الله عز وجل الإنسان بجنسيه لغاية واحدة أساسية؛ ألَا وهي تطبيق منهج الله تعالى في الأرض، وجعل الله تعالى آدم عليه السلام خليفةً ينفذ شرع الله عز وجل وأحكامه ليمتحن الناس أيهم أحسن عملًا.
وذلك لا يكون إلا بعمارة هذا الكوكب التي تستلزم أناسًا كُثُرًا، فلا يكفي واحد أو اثنان؛ لذا كان خَلْقُ الأنثى ليتم بينها وبين الذكر ذلك الرباط المقدَّس الموثَّق الذي جعله الله عز وجل وسيلة لإنجاب الذرية التي ستعمر الأرض.
وقد جعل الله عز وجل المرأة آية من آيات الله تعالى في خَلْقِهِ، ونعمة من نِعَمِهِ العظمى التي أنعم بها على الرجل، كما جعلها من أجمل متاع الحياة الدنيا للرجل، بدءًا من آدم عليه السلام إلى جميع الذكور من ذريته، فالمرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا، وعليها أن تحفظ هذا المتاع بمعرفتها لحقوقها وواجباتها، ودورها ورسالتها، فهل هي هذه الصورة المرسومة في ذهنكِ، أم هو جهلكِ بما أنعم الله عليكِ من نِعَمٍ؟ ومما زاد الجهل هو الكمُّ المرعب من وسائل التواصل الاجتماعي المليئة بالمشتتات للذهن، بما تبثُّه من شُبُهات وشهوات لتكون المرأة سلعةً بدلَ أن تكون آية.
بات واضحًا الآن ما تمرين به من تخبُّط الشيطان بكِ، وبما أغواكِ من إنكار لشرع رب العالمين، فلو تعرَّفتِ إلى منهج الله عز وجل، وتعرَّفت على أسباب تعدد النساء للرجل، ما كنت لتقولي مثل هذا الكلام المؤسف، ولو تعرَّفت على ما كرَّم الله عز وجل الإنسان به بجنسيه الذكر والأنثى على حد السواء، ما كان سيجول بفكركِ هكذا فكر.
أما الشبهة السائدة هذه الأيام بطرح فكرة المساواة بين الرجل والمرأة، فندرك الرد عليها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].
أما بالنسبة لمنهج الله عز وجل لأحكام الزواج، فمشكلتنا تكمن في جهل المرأة والرجل بحقوق وواجبات الرجل والمرأة، والجهل بأحكام التعدد، وكيف حدد فقط إباحة الزواج بأربع بسبب أنه قبل الإسلام وفي الجاهلية كانوا يبيحون للرجل أن يجمع في عصمته من الزوجات ما شاء له دون التقيُّد بعددٍ.
فإن أردتِ الاطلاع على المقال، فستجدينه عبر رابط شبكة الألوكة بعنوان: تعدد الزوجات، لمعرفة شروط التعدد.
لذا نصيحتي لكِ أولًا: التعلُّم وبيان أهمية الإيمان بمراتب القدر الأربعة؛ لكي تتأكدي أنكِ آية من آيات الله، وأنكِ خُلِقت لأمر عظيم.
فهلَّا تعرفت على سبب وجودكِ في هذه الدنيا، وتعرفت أيضًا على الحقوق والواجبات لكل من الرجل والمرأة؛ لتتعرفي على ما أكرمكِ الله عز وجل به.
والأهم يجب عليكِ فهم القِوامة ومعنى الآية.
قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾[النساء: 34].
ولو عُدْنا إلى آيات الله عز وجل، لَوجدنا الآيات الدالة على فضل المرأة، ورفع شأنها، وقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقًا كثيرة لم تكن موجودة في العصر الجاهلي، فهلَّا تعلمتِها.
وفي الختام أعود وأذكِّركِ بما نهى عنه الله عز وجل من تمنِّي جنس خصه الله، فلا تتمنى النساء لو كن رجالًا.
والخوف عليكِ من إثم أكبر هو الاعتراض على قضاء الله وقدره وحكمته، وحسن تدبيره وتقديره لعواقب الأمور.
هذا ما أمر الله به، وعلى كل إنسان أن يرضى بما قسم الله له، فالذكورة والأنوثة قسمة من الله العليم الخبير، قسمها بعلمه السابق لِما يصلح لكل منهما، فلا تغفُلي عن هذه المعاني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.