كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم


مدارسة كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله

34 – بَابُ كَيْفَ كَانَ كَلَامُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

 

أي بيان الأحاديث الواردة في صفة كلامه صلى الله عليه وسلم.

 

وقد ذكر العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان أفصحَ الخلق لسانًا، وأعذبَهم بيانًا، وأحلاهم منطقًا؛ حتى إن كلامَه ليأخذُ بمجامع القلوب ويأسِرُ الأرواحَ، يشهدُ له بذلك كلُّ من سمعه، وساق المصنف رحمه الله ثلاثة أحاديث في صفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

 

1- في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ‏:‏ “مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ كَسَرْدِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيِّنٍ، فَصْلٍ، يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ‏‏”.

 

“مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ سرْدَكُمْ هَذَا”؛ أي: ما كان يتابع الحديث استعجالًا بعضه تِلْوَ بعض، فيلتبس على السامع، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيِّنٍ؛ أي: بكلام واضح؛ كُلُّ كلمةٍ واضحةٌ، وكُلُّ جملةٍ مفصولةٌ عن الأخرى.

 

“فَصْل”؛ أي: مفصول عن غيره بحيث يفهمه السامع جيدًا، وليس فصلًا طويلًا يمل منه السامع.

 

“يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ”‏: كان يكلمُهم بكلام واضح بحيث يسهلُ عليهم حفظه، فكان كل من يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ كلامه؛ لسهولته، ووضوحه، وقِلَّته؛ فكان بعض الصحابة يحفظ الخطبة كاملة بعد سماعها، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثًا لو عدَّه العادُّ لأحصاه”.

 

وتصفُ أمُّ مِعبَد رضي الله عنها كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: “إنْ صمَتَ فعليه الوقار، وإن تكَلَّم سما (علا برأسه) وعلاه البهاء (الجمال)، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل (في كلامه تفصيل واضح بيِّن العبارة)، لا هذر (يعني ليس كثيرًا فيمل منه الجالس) ولا نزر (يعني ولا قليل فيستوحش منه الجالس) كأن منطقه خرزاتُ نظمٍ يتحدرن (من شدة عذوبة منطقه كأن الجواهر تتساقط من فمه).

 

2- في صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ‏:‏ “كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلاثًا؛ لِتُعْقَلَ عَنْهُ”، فقد كانت عادته أنه إذا قال شيئًا يعيده ثلاثًا؛ والمقصود به: الكلمات ذات البال وليس كل الكلام؛ وذلك حتى يرسَخَ في أذهان سامعيه؛ مثل: التأكيد على موعد معين، أو في حال لغط فاختُلِطَ عليهم، أو إذا كثر المخاطبون فيلتفت مرة يمينًا، وأخرى شمالًا، وأخرى أمامًا؛ ليسمع الكل.

 

أمثلة على ذلك:

في الصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ سافرناه، فأدركنا وقد أرْهَقْنا الصلاةَ؛ صلاةَ العصر، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجُلِنا، فنادى بأعلى صوته: ((ويلٌ للأعقاب مِن النار))، مرتين أو ثلاثًا.

 

وفي الصحيحين أيضًا عن أبي بَكْرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر))، ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وجلس وكان متكئًا، فقال: ((ألا وقولَ الزور))، قال: فما زال يُكرِّرها حتى قلنا: ليتَه سكت.

 

وفي الحديث: ((هلَك المُتَنَطِّعُون)) (قَالَهَا ثَلَاثًا).

 

3- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا، فَقُلْتُ‏:‏ صِفْ لِي مَنْطِقَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ (وهذا بسبب تواصل تفكر النبي صلى الله عليه وسلم في مصالح الأمة، وفي عظمة الله، وفي الآخرة؛ فالمراد كثرة التفكر)، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ (لا يسعى خلف الراحة الدنيوية)، طَوِيل السَّكْتِ، لا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلامَ، وَيَخْتِمُهُ بأشداقه (يعني يستعمل كل فمه في الكلام)، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ (كلام قصير ومعناه واسع)، كلامُهُ فَصلٌ لا فُضُولٌ وَلا تَقْصِيرٌ (لا هو كلام زائد عن الحاجة ولا هو دون الحاجة؛ إنما هو بقدر الحاجة)، لَيْسَ بِالْجَافِي (ليس غليظًا) وَلا بالْمَهِينِ (ليس مهانًا في عين غيره بل له الهيبة في عين غيره)، يُعَظِّمُ النِّعمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ (وان كانت النعمة قليلة) لا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَّاقًا وَلا يَمْدَحُهُ (لم يكن حالُه الاشتغال بذم الأمورِ الدنيوية ومدحها)، وَلا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلا مَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ، لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ، حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ (لم يقف شيءٌ أمامَه إذا غضب لله تعالى)، وَلا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ، أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا (لا بأصبع واحدة كشأن المتكبِّرين)، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، وَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَطْنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ (من حُسنِ خُلقه كان لا يقابل من أغضَبَهُ بالشدة)، وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ (هذا ضحِكُهُ في الغالب التبَسُّم، وهذا لا ينفي أنه كان أحيانًا يضحك أكثر من ذلك حتى تبدُوَ نواجِذُهُ) يَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ‏ (يعني يضحك عن مثل حب الغمام إذا ضحك كأنه حَب الغمام النور الذي يخرج منه).

 

الأثر ضعيف لكن ما ورد فيه ثبت في أحاديث أخرى صحيحة.

 

خلاصة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام: أوتي جوامع الكلم، طويل الصمت، قليل الكلام، ولا يتكلم إلا لحاجة.. يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ يُبَيِّنُه يفصله عن بعض… وأحيانًا يكرر الكلمة ثلاثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ.

 

يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب زاد المعاد: “كان صلى الله عليه وسلم أفصحَ الخلقِ، وأعذبَهم كلامًا، وأسرعَهم أداءً، وأحلَاهم مَنْطِقًا، وكان طويلَ السكوتِ، لا يتكلم في غير حاجة، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابَهُ، وكان يتكلمُ بجوامعِ الكلمِ، وبكلامٍ مُفَصَّلٍ يَعُدُّهُ الْعَادُّ، ليس بِهَذٍّ مسرعٍ لا يُحْفَظُ، ولا منقطعٍ تخللهُ السكتاتُ بين أفراد الكلام، وكان يتخيَّرُ في خِطَابِهِ ويختارُ لأمتِه أحسنَ الألفاظِ وأبعَدَها عن ألفاظِ أهلِ الجفاء وَالْفُحْشِ”.

 

وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يبتسم في أثناء حديثه وكلامه؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحَدَّث حديثًا إلا وهو يتبَسَّم في حديثه”.

 

“وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم”؛ [رواه مسلم].





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
من السنة للصائم تقديم الفطور على صلاة المغرب
مولد النبي