{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء….}


فوائد وأحكام من قوله تعالى:

﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ….

 

قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 28، 29].

 

1- تحريم اتخاذ الكافرين أولياء ومناصرتهم، والانتصار بهم، ووجوب معاداتهم؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الممتحنة: 1].

 

فلا تجوز موالاة الكافرين ومناصرتهم على أحد من المؤمنين بحال من الأحوال، ولا تجوز مناصرتهم على أحد من الكافرين، إلا إذا كان في مناصرتهم على الكافرين مثلهم مصلحة ظاهرة للمسلمين، كأن يناصر المسلمون الكفار على كفار يخشى المسلمون منهم، فتكون مناصرتهم، لا لمصلحة الكفار، ولكن لمصلحة المسلمين أنفسهم، ولهذا فرح المؤمنون بنصر الروم على الفرس؛ لشدة عداوة الفرس للمسلمين وتربصهم بهم، وتمزيق مَلِكهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إليه، بخلاف ملك الروم[1].

 

قال تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 1 – 5].

 

كما لا يجوز الانتصار بالكافرين والاستعانة بهم على غيرهم من الكافرين، وهذا ما يدل عليه ظاهر الآية، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لكافر تبعه يوم أحد: «ارجع فلن استعين بمشرك»[2].

 

لكن إن احتاج المسلمون إلى الانتصار بهم، وكان في ذلك مصلحة ظاهرة للمسلمين فقد أجاز ذلك بعض أهل العلم بشرط أن يكون ذلك عند الضرورة، وبقدر الحاجة، ودفع الضرر عن المسلمين، من غير مداهنة للكافرين على حساب الدين والأخلاق، ولا مذلة على المؤمنين.

 

وقد استدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار يوم خيبر أدرعًا من صفوان بن أمية، وكان يومئذٍ مشركًا، فقال: «أغصبًا يا محمد؟» فقال: «بل عارية مضمونة»[3].

 

وقد شهد صفوان حنينًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يسلم بعد[4].

 

وحالف صلى الله عليه وسلم خزاعة[5].

 

1- أن الإيمان الحقيقي يمنع من اتخاذ الكافرين أولياء، ويوجب عداوتهم؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ﴾، فعلق الحكم بالمؤمنين، وبوصف الإيمان، فمن والى الكافرين فإيمانه ناقص، ويخشى عليه ما هو أعظم من ذلك.

 

2- وجوب الموالاة بين المؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

 

3- براءة الله – عز وجل – ممن اتخذ الكافرين أولياء، لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ ومن برئ الله منه تولاه الشيطان.

 

4- أن اتخاذ الكافرين أولياء من كبائر الذنوب؛ لأن الله رتب عليه براءته من فاعله، وما رُتب عليه براءة الله، أو براءة رسوله من فاعله فهو من الكبائر.

 

5- لا يجوز أن يكون لأحد من الكفار ولاية على أحد من المسلمين، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].

 

6- في براءة الله – عز وجل – ممن يوالي الكافرين من دون المؤمنين إثبات ولايته عز وجل للمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 257]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68].

 

7- تقدير الدين الإسلامي لكل حال ولكل ظرف قدره، ورفع الحرج عن الأمة في اتخاذ التقاة من الكفار ومداراتهم عند الضرورة؛ لاتقاء شرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾.

 

8- تحريم الركون إلى الكفار ومداهنتهم على حساب ديننا؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾؛ أي: لاتقاء شرهم، دون الرضا بما هم عليه؛ ولهذا قال بعده: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾.

 

9- التحذير من نقمة الله وعقابه، وأليم عذابه، لمن اتخذ الكافرين أولياء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ وفي هذا من الوعيد ما لا يخفى.

 

10- جواز إضافة لفظ «نفس» إليه – عز وجل – لقوله تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾.

 

11- أن مصير جميع الأمور والأحكام والخلائق إلى الله – عز وجل – وحده، لا إلى غيره في الدنيا والآخرة، وسيحاسب العباد على أعمالهم، ويجازيهم عليها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ وفي هذا وعيد لمن خالف أمر الله، ووعد لمن أطاع الله.

 

12- أن القرآن الكريم كلام الله – عز وجل – أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يتقوَّله صلى الله عليه وسلم من عند نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ قلْ ﴾ وفي هذا رد على من زعموا أنه اختلقه وافتراه؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الطور: 33]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ [يونس: 38].

 

13- الأمر بإبلاغ الناس بعلم الله – عز وجل – بما يخفون في صدورهم، وبما يبدون؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، وذلك ليحاسب المرء نفسه على ما يخفي وما يعلن، قبل محاسبته على ذلك.

 

14- إحاطة علم الله – عز وجل – بما يخفي الناس في صدورهم وبما يبدونه؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، ومقتضى علمه – عز وجل – محاسبتهم على ذلك، كما قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284].

 

15- التحذير من أن يخفي الإنسان في نفسه ما لا يرضي الله – عز وجل – من موالاة الكافرين، أو غير ذلك.

 

16- إثبات الاختيار للإنسان؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ﴾، وفي هذا رد على الجبرية.

 

17- كما أن في الآية وعيدًا وتحذيرًا ظاهرًا لمن أخفى الشر أو أبداه، ففيها في المقابل وعد لمن عمل الخير أو نواه.

 

18- سعة علم الله – عز وجل – وإحاطته بما في السموات وما في الأرض؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾.

 

19- عموم قدرة الله – عز وجل – وتمامها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.


[1] أخرج قصة تمزيق كسرى لكتابه صلى الله عليه وسلم، أحمد (3/ 441-442)، من حديث التنوخي رسول هرقل.

وأخرج قصة ملك الروم «هرقل» وإكرامه لمن وفد عليه من الصحابة- أخرجه من حديث ابن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنهما البخاري في بدء الوحي (7)، ومسلم في الجهاد والسير (1773).

[2] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1817)، وأبو داود في الجهاد (2732)، والترمذي في السير (1558)، وابن ماجه في الجهاد (2832)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[3] أخرجه أبوداود في البيوع، تضمين العارية (3562)، وأحمد (3/ 401)، من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه.

[4] انظر: «فتح الباري» (6/ 179).

[5] أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (13/ 340) حديث (5996)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وله شاهد من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أخرجه البخاري في الشروط (2731، 2732). وانظر: «السيرة النبوية» (3/ 321-326)، «فتح الباري» (5/ 337-338).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
سؤال وجواب في الطهارة
رسالة بعنوان: تربية الأولاد (PDF)