لمحة عن النظام السياسي الإسلامي
لمحة عن النظام السياسي الإسلامي
المقدمة:
بسم الله، والحمد لله، وبعد:
فإن قوام الدول يكون على سياسية خارجية، وسياسية داخلية، وأفضل وخير من رسم ذلك منهج القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.
نعرض في هذه الأسطر موجزًا لطيفًا يُبيِّن محاسن الإسلام وكماله وعدله وحكمته، وصلاحه لكل زمان ومكان، فالحمد لله على ذلك.
وكما هو معروف فإن السياسية الداخلية تكون داخل حدود الدولة، والسياسة الخارجية تكون خارج حدود الدولة، ونذكر الأهم من ذلك تنبيهًا على غيره.
أولًا – السياسة الخارجية وبعض صورها:
وهي تقوم على حماية الدولة والمجتمع من العدوِّ الخارجي والإعداد لذلك، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
وقد تكلَّم على معنى هذه الآية المفسرون ومن أحسن الكلام في تفسيرها ما قاله العلَّامة الفقيه المُفسِّر الأصولي عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره على هذه الآية: أي ﴿ وَأَعِدُّوا ﴾ لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾؛ أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرَّمْيُ)، ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾، وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء. والحكم يدور مع علته، فإذا كان شيءٌ موجودٌ أكثرَ إرهابًا منها؛ كالسيارات البرية والهوائية المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشدَّ، كانت مأمورًا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها،حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقوله: ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ممن تعلمون أنهم أعداؤكم.
﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾؛ فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم، ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار؛ ولهذا قال تعالى مرغبًا في ذلك: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قليلًا كان أو كثيرًا ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ أجره يوم القيامة مضاعفًا أضعافًا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل اللّه، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾؛ أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئًا؛ انتهى.
• ومما ينبغي أن يعلم أن الأسلحة التقليدية لم تعد مما يرهب الأعداء تمام الإرهاب فهم يبيعونها لأهل الإسلام، فلا بُدَّ لأهل الإسلام من الاعتماد على أنفسهم وامتلاك أسحلة ترهب الأعداء، والحكم يدور مع عِلَّته وهي إرهاب الأعداء، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60].
• ومن ذلك أنه تعالى أمر بأخذ الحذر والاستعداد، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، وقال: ﴿ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [النساء: 102].
ويتبع السياسة الخارجية من عقد المعاهدات والمواثيق وتبادل المصالح، وغير ذلك مما هو مفصل في كتب الفقه.
ثانيًا- السياسة الداخلية في الإسلام وبعض صورها:
وأما السياسة الداخيلة فهي راجعة إلى بثِّ الأمن داخل المجتمع والطمأنينة، ورد الحقوق وكف المظالم، وحفظ الدين.
ومن أهم الأمور في السياسة الداخلية.
أولًا – حفظ الدين: وفيه اتخاذ كل ما فيه حفظ لدين الناس، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه)؛ رواه البخاري.
ثانيًا- حفظ النفس: لذلك شرع تعالى القصاص، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، وقال: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179].
ثالثًا- حفظ العقول: لذلك شرع الحد على شارب الخمر، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر حرام)؛ متفق عليه.
رابعًا- حفظ الأنساب: لذلك شرع حد الزاني ورجم المحصن، قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2].
خامسًا- حفظ الأعراض: لذلك شرع جلد القاذف، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4].
سادسًا- حفظ الأموال: وشرع لحفظ أموال الناس قطع يد السارق، قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
وغيرها من السياسات والأحكام التي فيها مصالح العباد في الدارين، وهي مبسوطة في كتب الفقه.
الخاتمة:
من ذلك نعلم أن الإسلام كفيل بجميع المصالح الداخلية والخارجية للمجتمعات بأحسن نظام، وأن الإسلام جاء لصلاح الدين والدنيا، فمن قصره على الدين أفسد الدنيا، ومن قصره على الدنيا أفسد الدين والآخرة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.