لم لم يشرح ابن مالك ألفيته المشهورة كما فعل مع كتابه “التسهيل” وغيره من كتبه؟
لمَ لمْ يشرح ابن مالك ألفيته المشهورة كما فعل مع كتابه “التسهيل” وغيره من كتبه؟
ج: بعد حمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:
أقول: المعروف عن ابن مالك رحمه الله أنه يضع الشروح على مصنفاته، فقد شرح منظومته “الكافية الشافية”؛ وهي منظومة طويلة جدًّا في النحو والصرف، وشرح كذلك كتابه المشهور في علم النحو والصرف المسمى بـ” تسهيل الفوائد”، ومع كل ذلك لم يشرح ابن مالك ألفيته، وهذا الصنيع من ابن مالك محل استغراب؛ فألفيته لاقت رواجًا وقَبولًا بين الناس في عصره، وطبَّقت الأرض شهرة بعد وفاته، حتى طمس نورُها ما سواها، فظلت جوهرة مُشِعَّة إلى يومنا هذا.
لذا حاول كثير من دارسي تراث ابن مالك أن يلتمسوا سببًا لذلك؛ فقد ذهبوا إلى أن السبب الرئيس في ذلك هو انشغال ابن مالك؛ لأنه بعدما وضع ألفيته في حماة، صار ملء السمع والبصر، وتولى بعد فترة من الزمن إمامة المدرسة العادلية في دمشق؛ ومن ثَمَّ فقد أُلقِيَت عليه كثير من المهام، فانشغل عن شرح الألفية بتلك الأمور، أضف إلى ذلك أنه شرع في تأليف كتابه “تسهيل الفوائد”، ثم لما أتمه قام بوضع شرح عليه؛ لذا لم تأخذ الألفية حظَّها من شروحاته المباركة.
أقول: من الممكن أن نلتمس أيضًا سببًا آخر، وهو أن الألفية مختصر “الكافية الشافية”، وقد نص ابن مالك نفسه في آخر أبيات الألفية أنها خلاصة الكافية الشافية؛ أي: إنه استخلصها من الكافية الشافية؛ حتى يُيَسِّرَ العلم لطلابه؛ نظرًا لطول “الكافية الشافية”، الذي قد يصيب طلاب العلم بالسآمة والملل، ولأن الألفية خلاصة “الكافية الشافية”، و”الكافية الشافية” قد وضع عليها شرحًا، لذا فلا حاجة لوضع شرح على الألفية؛ لأن الأصل المأخوذة منه الألفية “الكافية الشافية” قد شرحها ابن مالك، ومن ثَمَّ لم تطرَب نفسه لإعادة الشرح مرة أخرى.
وقد قيل: إن ابن مالك رحمه الله سُئِل من بعض الناس عن عدم وضع شرح على ألفيته، فأجاب رحمه الله بقوله: لقد كفاني ابن الْمُنجَّى.
وابن المنجى هو التنوخي أحد أبرز تلامذة ابن مالك، وشرحه هذا هو أول شرح وُضِع على الألفية، لكنه لم يصل إلينا إلى الآن، أما شرح ابن الناظم، فليس بأول شروح الألفية كما يتوهم بعضهم، فتنبَّه لذلك.
ومهما يكن من أمر، فإن الألفية أشهر كتاب صُنِّف في علم العربية، وقد طبقت الأرض شهرة، ومن الصعب جدًّا حصر شُرَّاحها، فقد ظلت تُشرَح وتُدرَس منذ عصر ابن مالك إلى يوم الناس هذا، غير أن هناك شروحًا لكبار النحاة هي أبرز شروحها؛ خُذْ على سبيل المثال لا الحصر:
شرح ابن الناظم، شرح ابن عقيل، شرح المرادي، شرح الشاطبي، شرح ابن هشام …؛ إلخ.
هذا، والله أعلم، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله، وصحبه.