ماذا خسر العالم؟ | كتاب عمون


اقتبس هذا العنوان من الكاتب الهندي ابو الحسن الندوي في كتابه ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”؟، غير اني سأحوله من جهتي وأقول: ماذا خسر العالم بتدني مستوى بعض المشايخ والعلماء في الوسط الإسلامي؟، على خلاف من تعمقوا بعلوم الدين من علماء الأمة الإسلامية، وعليه ارى بأنه بخسارة دورهم الحقيقي خسر العالم دينا قائما على خلق قويم وحميد ترعاه بالأساس خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .

ونقول لقد اصبحت البشرية الآن تائهة وفاقدة للبوصلة الموجهة نحو الخير والصلاح ، وبتدني المستوى العلمي لبعض المشايخ والعلماء وضياع دورهم الحقيقي ادى لخروجهم وخروج الدين الاسلامي (مؤقتا باذن الله) من المشهد العالمي وتفرد الغرب بقيادة المسيرة الانسانية وفق اهواءه، ولا نقول ذلك الا بدافع غيرتنا على الدين وفقهائه .

لنحاول قدر الامكان في هذه السطور ان نشخص ونحدد اسباب تدني المستوى لدى بعض المشايخ ، وحقيقة الامر ان هذه الاسباب مجتمعة, بعضها ذاتي( ينبع منهم) ، والبعض الاخر خارج نطاقهم وفرض عليهم قسرا ومنها :

– ضعف المؤهلات، ونقصد بالمؤهلات هنا، الارضية والوعاء اللازم لتلقي العلوم الدينية فنرى ان معظمهم قد سيقوا عن غير رضا لهذا المجال نظرا لتدني تحصيلهم العلمي ولم يجدوا بدا من دراسة هذه العلوم بغض النظر عن قناعاتهم وطموحاتهم ( علما بان البعض منهم بدون ادنى مؤهل، ومؤهله الوحيد هو احترام الناس لهيئته ومظهره (النابع لاحترامهم للدين أصلا ) مما افرز طبقة لا ترى في الدين سوى فرصة عمل مجبرين عليها, و نظرتهم لهذه الوظيفة فقط مرتبطة بالمردود المادي العائد عليهم .

– تمسكهم بالشخصية النمطية لرجل الدين المستمدة من كتب التاريخ، حتى بلغتهم المحكية والملابس التي يرتدونها، وعدم مجاراتهم للعصر وبهذا اصبحوا مفصولين عن واقعهم شيئا فشيئا ( والمفروض ان هذا الواقع هو بيئة دعوتهم ومجال عملهم) و عليه بات المجتمع ينظر اليهم كشخصيات نمطية ضعيفي التأثير ان لم يكن هذا التأثير معدوما، فكلامهم بين الناس وحتى بخطبة الجمعة اصبح ضعيف التأثير ، وينتهي مفعوله بانتهاء الخطبة او الدرس وسرعان ما يعود الناس لقناعاتهم ويمارسوا حياتهم وفق هذه القناعات ، اما من اين يستمد الناس هذه الايام قناعاتهم ومبادئهم فتحتاج الى حوار آخر قد يطول .

– الاختلافات المؤدية الى حساسيات وخلافات بين بعضهم بعضا ، الى حد التناحر والتكفير فأصبح المسلم البسيط حائرا وتائها، اين الصحيح؟ فيذهب مع هذا تارة ويقتنع بطرحه الى ان يصادف الآخر فيقنعه بخطأ الاول ثم لا يلبث ان يعترضه ثالث فيقنعه ان الدين الصحيح هو من عنده وما الاخرون الا كفرة فجرة ،هذا على مستوى الاشخاص اما على مستوى الطوائف والمذاهب ،فحدث ولا حرج فقد سالت دماء كثيرة بسبب هذه الخلافات ، وهكذا يستمر مسلسل العبث ودعوى امتلاك الحقيقة وبالتالي ضاعت مكانة الدين وضاع المسلمون ، واني لاشفق على من يدخل بالإسلام ويعتنقه عن قناعة فيتفاجأ بهذا الكم الهائل من التناحر والتشتت البغيض الذي قد يثنيه في لحظة من اللحظات عما اقدم عليه.

– تضاؤل طبقة المناضلين والمجاهدين والزهاد وازدياد طبقة الباحثين عن المنفعة شيئا فشيئا ، وتحجيم الباقي من قبل الكثير من السلطات السياسية السائدة والتي تتعارض اهدافها والدين الاسلامي ،واحتوائهم من قبل هذه السلطات، وعادة يكون المقابل وعودا بالمشاركة بالسلطة ومزايا مادية وانقياد من بقي منهم لهذه السلطات والترويج لها بدواعي الخوف والمحافظة على المزايا والمنافع وانشغالهم بالأمور الحياتية.

– الهجمة العالمية على الدين الاسلامي ورموزه المعاصرين والتاريخيين والصاق صبغة الارهاب بهم لاسباب واهداف خاصة بمروجي هذه الهجمة، كل هذا وغيره ساعد بتضييق الخناق على الدين ورموزه, وحد من طموحهم واندفاعهم نحو الدعوة للاسلام .

– عدم التجديد بخطابهم الديني، فما زالوا قابعين خلف اسلوب خطاب عفى عليه الزمن ولا يواكب العصر مع تراجع في الاجتهاد بالمسائل المعاصرة.

– تآمر وتكاتف رجال السلطة عليهم وعلى مكانتهم بالمجتمع وجعلهم بمرتبة التابعين لهم بعد ان كانوا بمرتبة الموجهين للمسؤولين وللمجتمع، قابله انصياع شبه تام وقبول بهذه المرتبة من قبل العلماء لأسباب قد تبدو موضوعية للوهلة الاولى لكنها بالحقيقة انهزام وتخلٍ عن دورهم الحقيقي.

– اقتصار مفهوم الدين عند الكثير من علمائه على العبادات فقط وهذا ساعد على تكوين مفهوم جديد لهؤلاء العلماء كرجال صالحين وليسوا مصلحين مما عمق بالنهاية انعزالهم عن مجتمعاتهم.

والان السؤال الذي يتبادر للذهن، ما الحل ؟.. الحل برأيي هو بزوال الاسباب آنفة الذكر، التي تحتاج لتشخيص عميق وتظافر جميع القوى، إضافة الى النية الصادقة مع الايمان الكامل والمطلق بأن الله يحدث أمرا، لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وله حكمته جلت قدرته في سياق الاحداث وتسلسلها وتوقيتها.. والله العالم بالقصد.



Source link

أترك تعليقا
مشاركة
خطبة أوقاتنا بين الهدر والاستثمار (1)
{ واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا }