ما أقبح الاستطالة بالقدرة
ما أقبحَ الاستطالة بالقدرة!
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
تأمل تذييل الآية بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]، بعدَ الأَمْرِ بالإِحسَانِ إلى ذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ الأَيْمَانُ؛ لتعلم أنَّ ترك الإحسان إلى هؤلاء مع فقرهم وغناه، وضعفهم وقوته، وعجزهم وقدرته، من أقبحِ صورِ الاختيال، ومن أظهر صور الفخرِ!
وكثير ممن أنعم الله تعالى عليهم بالغنى يتفنَّن في كسر قلوب المساكين، ويتعمد إذلال اليتامى، بذكر ما أُوتي من الغنى، وما حصل له من الثراء لا تحدثًا بعمة الله تعالى عليه، بل تعاليًا على العباد، وازدراءً لهم، فتراه يشمخ بأنفه، ويستعلي بماله، ويستقوي بجاهه على أولئك المستضعفين، وقد قيل: ما أقبحَ الاستطالة بالقدرة!
وربما ينشر صورته وهو يأكل طعامًا محلى ببرادة الذهب، أو يحرق قَدْرًا كبيرًا من المالِ سفاهةً، أو يضع على خوان ما لذَّ وطاب، مما يكفي فئامًا من الناس، فيأكل إلى حد التخمة، ثم يرمي بالباقي في القمامة، ومن أقاربه من يبيت طاويًا، يتضور جوعًا.
أو يغسل يديه بدهن العودِ متباهيًا، وحوله ممن أسكن الجوع حركته، وحرك البرد بوادره فئام، ولا تجود نفسه ببذل، ولا تطيب لهم بفلسٍ، أسوته قارون الذي جمع فأوعى، وسُئل فأكدى، فلم يعرف للفضل سبيلًا، ولم تطرق له الفضائل بابًا.
ويظل أمثال هؤلاء في سكرتهم يعمهون، وفي غفلتهم ساهون، وفي غيِّهم سادرون، حتى تدور عليهم الدوائر، وتُصيبهم سنة الله التي لا تتبدل، فيفتقروا بعد غنى، ويذلوا بعد عزٍّ، أو ينزل بساحتهم ما لا يستطيعون له دفعًا، ولا يجدون عنه ملجأً، يأتيهم الموت بكُرَبِهِ، فيغادر الدنيا صفر اليدين، قد ترك الدنيا وراء ظهره، فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيًا.