ما تصدقت به هو الباقي عند الله


ما تصدقتَ به هو الباقي عندَ الله

 

روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟»[1].



معاني المفردات:

﴿ لْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ : أي قرأَ السورة كلها.


مَالِي، مَالِي: أي مالي كذا، مالي كذا، والمعنى يعدُّه افتخارا، فالتكرار للتعظيم، والاهتمام.


وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ: أي هل يحصل لك من المال، وينفعك في المال.


إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ: أي فوصل نفع ذلك إلى أجزاء البدن، واستقام به أمرها.


أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ: أي على محتاج قاصدًا وجه الله تعالى، فأبقيت ثوابه مدخرًا لك عند المولى؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20].


والمعني العام للحديث: مَا لَكَ من دنياك إلا ما انتفعت به في دنياك بأن أكلتَ، أو لبِستَ، أو أخَّرتَ بأن تصدقت، وما عدا ذلك من باقي المال فإنما أنت فيه بمنزلة الخادم الخازن لغيره[2].


روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ»[3].



معاني المفردات:

مَالُ وَارِثِهِ: نسبة المال إلى الوارث باعتبار المآل.


أَحَبُّ إِلَيْهِ: أي أكثر حرصا عليه.


مِنْ مَالِهِ: أي في الدنيا.


مَالَهُ مَا قَدَّمَ: أي أنفقه في حياته في مصارف الخير.


وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ: أي ما ادخره من مال حتى مات، ولم يتصدق به.


في هذا الحديث تنبيه للمؤمن على أن يقدِّم من ماله لآخرته، ولا يكون خازنًا له وممسكه عن إنفاقه في الطاعة، فيخيب من الانتفاع به يوم الحاجة إليه في الآخرة، وربما أنفقه وارثه في الطاعة فيفوز بثوابه.

 

فائدة:

إن قيلَ: هذا الحديث يدل على أن إنفاق المال في وجوه البر أفضل من تركه لوارثه، وهذا يعارض قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لسعدٍ رضي الله عنه: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»[4].


الجواب: لا تعارض بينها، وإنما حضَّ الشارع سعدًا رضي الله عنه على أن يترك مالًا لورثته؛ لأن سعدًا أراد أن يتصدق بماله كله في مرضه، وكان وارثه ابنته، والبنت لا طاقة لها على الكسب، فأمره أن يتصدق منه بثلثه، ويكون باقيه لابنته، وله أجر في كل من يصل إليه من ماله شيء بعد موته.


وأما هذا الحديث فإنما خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صحتهم، وليس الأمر فيه بصدقة المال كله، فيكون معارضًا لحديث سعد، بل حديث عبد الله مجمل يفسره حديث سعد[5].

 

ما يستفاد من الحديثين:

1- الحث على الصدقة، وأنها تنفع المسلم بعد موته.


2- لا يبقى للإنسان من ماله إلا ما أنفقه في سبيل الله عز وجل.


[1] صحيح: رواه مسلم (2958).

[2] انظر: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، للبكري (4/ 416).

[3] صحيح: رواه مسلم (2958).

[4] متفق عليه: رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

[5] انظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن (29/ 440-441).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مخالفات في لباس المرأة (1)
تحريم نسبة السنة أو النوم إلى الله تبارك وتعالى