ما جاء في ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم


مدارسة كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله

35- بَابُ مَا جَاءَ فِي ضَحِكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

 

أي بيان الأحاديث والأخبار الواردة في ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفته.

 

هل تفَكَّر أحدُنا كيف كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم؟! لقد نقل لنا الصحابة كل شيء حتى طريقة ضحكه والأحوال التي ضحك فيها صلى الله عليه وسلم.

 

والضحك طبيعة بشرية، وحال من الحالات البشرية، قد جُبِلَ عليها الإنسان، وقد ذكر أهل العلم: أن الضحك من خصائص الإنسان، والغالب أنه ينشأ عن سرور يعرض للقلب، وقد يضحك غيرُ المسرور.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر يضحك ويحزن ويبكي؛ فهو الضحوك القتَّال؛ الضحوك مع أصحابه، القتَّال لأعداء الله.

 

وفي هذا الباب جملة من الأحاديث في بيان صفة ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان بعض المواقف التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

 

والضحك له مراتب:

1- التبَسُّم: مقدمات الضحك، ويكون بلا صوتٍ.

2- الضحك: انبساط الوجه، ويكون بصوت يسمعه القريب ولا يسمعه البعيد.

3- القهقهة: رفع الصوت حتى يسمعه البعيد، ولم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.

 

1- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: “كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّمًا، فَكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ”؛ ضعيف.

 

حُمُوشَةٌ؛ أي: دقة، وهذا مما يُمدح به أنْ يكون في ساق الرجل دقة.

 

وَكَانَ لا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا: التبَسُّم: من مبادئ ومقدمات الضحك، ويكون بلا صوت. والضحك: انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، ويكون بصوت يسمعه القريب.

 

قُلْتُ: “أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ”؛ أي: كأنه اكتحلَ ولم يكتحل؛ وإنما طبيعة عينيه صلى الله عليه وسلم.

 

2- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قال: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم”، وفي رواية: “مَا كَانَ ضَحِكُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَّا تَبَسُّمًا”؛ [رواه الترمذي، وغيره، وصححه الألباني].

 

التبَسُّم: من مبادئ الضحك، ويكون بلا صوت، والضحك: انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، ويكون بصوت يسمعه القريب.

 

قال ابن بطال رحمه الله: “وفيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو منافٍ للتكبُّر، وجالب للمودَّة”.

 

قال ابن حجر رحمه الله: “الذي يظهر من مجموع الأحاديث؛ أنه صلى الله عليه وسلم، كان في معظم أحواله لا يزيد على التبَسُّم، وربما زاد على ذلك فضحك. والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، أو الإفراط فيه؛ لأنه يذهب الوقار”.

 

وفي الصحيحين، قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ”.

 

3- في صحيح مسلم عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَآخَرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَيُخَبَّأُ عَنْهُ كِبَارُهَا. فَيُقَالُ لَهُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا كذا وكذا، وَهُوَ مُقِرٌّ لَا يُنْكِرُ (لا يستطيع أن ينكر ولو أنكر تشهد جوارحه)، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِهَا، فَيُقَالُ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلِّ سيئة حَسَنَةً. فَيَقُولُ: إِنَّ لِي ذنوبًا لا أَرَاهَا هَهُنَا)) قَالَ أَبُو ذَرٍّ: “فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ”.

 

((إِنِّي لَأَعْلَمُ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَآخَرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ)): وهو من مات على التوحيد من أهل الكبائر.

 

بيان بعض المواقف التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم:

4- في الصحيحين عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: “مَا حَجَبَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إلا ضَحِكَ” وفي رواية: “إلا تَبَسَّمَ”.

 

“مَا حَجَبَنِي”: ما منعني من الدخول عليه؛ فكان يأذن له في أي وقت؛ لمنزلته عند النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ومَرَّ معنا قولُ عُمَر رضي الله عنه: “مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَحْسَنَ مِنْ صُورَة جَرِيرٍ إِلا مَا بَلَغَنَا مِنْ صُورَةِ يُوسُفَ الصِّديقِ عَلَيْهِ السَّلامُ”. وكأنه تفسير لسبب ضحك وتبَسُّم النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى جريرَ بنَ عبدالله رضي الله عنه.

 

5- في الصحيحين عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((إِنِّي لَأَعْرفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ. قَالَ: فَيَتَمَنَّى. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ، وَعَشَرَةَ أَضْعَافِ الدُّنْيَا. قال: فيقول: أتسخر بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ))، قَالَ: “فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ضَحِكَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ”.

 

((أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ؟)): أي كيف كنت في الدنيا وكانت المنازل كل واحد له مكانُه، ثم أنت إذا أتيت إليها بعد ذلك صار لك مكانٌ فيها مع أنها كان كل واحدٍ فيها له مكانه ومنزله، والآن في الجنة كما أن كل واحد له منزلُه أنت أيضًا يكون لك مكان فيها.

 

6- في صحيح مسلم عن عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: شهدت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين، وإنا إلى ربِّنا لمنقلبون)، ثُمَّ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ (ثَلَاثًا) وَاللَّهُ أَكْبَرُ (ثَلَاثًا) سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شيء ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يعلمُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أحدٌ غيرُه))؛ ضعيف.

 

وأحيانًا يتبَسَّم تبَسُّم المُغضب؛ كما في حديث توبة كعب بن مالك رضي الله عنه، قال كعب: “فجئتُه فلما سلَّمتُ عليه، تبَسَّم تبَسُّم المُغضَب” قال ابن حجر رحمه الله: “التَّبَسُّم قد يكون عن غضب؛ كما يكون عن تعجُّب، ولا يختصُّ بالسرور”.

 

وأحيانًا تبسَّم وصبر على مَن آذاه تأليفًا واستعطافًا له؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا الْمَسْجِدَ فجبذه أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَعْطِنَا مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَتَبَسَّمَ صلى الله عليه وسلم، وَأمر له بعطاء.

 

وأحيانًا يتبَسَّم إقرارًا على فعل من الصحابة؛ كما في قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما تيَمَّم في برد شديد، والمواقف غيرها كثيرة.

 

ونختم الكلام عن بعض آداب الضحك:

1- ألا يضحك من غير سبب، فهو يضحك عندما يرى أو يسمع شيئًا يُعجبه، فيؤدي به ذلك إلى الضحك.

 

2- الحذر من الضحك في مواطن لا ينبغي أن يُضحك فيها، قال تعالى عن المشركين: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾ [النجم: 59، 60]، فقد كانوا يضحكون استهزاءً وسخريةً عند سماعهم للقرآن الكريم، مع أن الواجب أن تلين قلوبهم وتبكي عيونهم عند سماعه.

 

والأسوأ عند المقابر وتشييع الأموات، وهذا من علامات قسوة القلب. أبصر ابن مسعود رضي الله عنه رجلًا يضحك في جنازة، فقال: تضحك في جنازة؟! لا أُكلِّمُك أبدًا. وعن قتادة رحمه الله قال: بلغنا أن أبا الدرداء رضي الله عنه، نظر إلى رجل يضحكُ في جنازةٍ، فقال: أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يشغلك عن الضحك؟!

 

3- أن يبتعد عن الضحك استهزاءً بعباد الله وأوليائه فإن عاقبته وخيمة، قال الله تعالى عن الكفار: ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [المؤمنون: 108 – 110].

 

4- أن يكون ضحِكُهُ تبَسُّمًا. قال الشيخ العثيمين رحمه الله: “الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، ونهائي؛ الابتدائي: التبَسُّم، والوسط: الضحك، والنهائي: القهقهة. والقهقهة لا تليق بالإنسان العاقل”.

 

5- عدم الإكثار منه؛ لأنه يميت القلب، ولا يليق بالعاقل، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “لا تكثروا الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب”، ومعنى موته: أنه يصير مغمورًا في الظلمات، بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه، كما أن كثرة الضحك ربما أورثت الضغينة في بعض الأحوال، كما أنها تسقط المهابة والوقار.

 

الكلام عن التبَسُّم:

وأما التبَسُّم: فهو فرصة لزيادة رصيد الحسنات؛ عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ))؛ [رواه البخاري في الأدب، والترمذي وحسَّنه، وصحَّحه ابن حبان]، وَفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
French official disputes Kristi Noem book passage about Emmanuel Macron – NBC News
الاقتصاد في النفقات