ما حكم إضافة الإجارة إلى زمن مستقبل؟


ما حكم إضافة الإجارة إلى زمن مستقبل؟

 

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: تجوز إضافة الإجارة إلى زمن مستقبل.

وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[1] والمالكية،[2] والحنابلة[3].

 

ففي الفتاوى الهندية: “إذا أضاف الإجارة إلى وقت في المستقبل؛ بأن قال: آجرتك داري هذه غدًا، أو ما أشبهه، فإنه جائز”[4].

 

وفي الشرح الكبير، للدردير: “وجاز لمن له رقيق، أو ولد تعليمه؛ أيّ دفعه لمن يعلمه صنعة معينة بعمله سنة مثلاً… وابتداء السنة من يوم أخذه، لا من يوم العقد عند الإطلاق، فإن عيّنا زمنًا عُمل به فيما يظهر”[5].

 

وفي كشاف القناع: “ولا يشترط أن تلي المدّة؛ أيّ مدّة الإجارة العقد، فلو أجره سنة خمس، في سنة أربع صح العقد”[6].

 

واستدلوا بدليلين:

الأول:بأن المدّة المستقبلة مدّة يجوز العقد عليها مع غيرها، فجاز العقد عليها مفردة؛ كالتي تلي العقد[7].


والثاني: أن كثيرًا من التصرفات تصح مضافة إلى المستقبل؛ كالطلاق، والعتاق، وتقاس الإجارة عليهما[8].


القول الثاني: جواز إضافة إجارة الموصوف في الذمّة إلى زمن مستقبل، دون إجارة الأعيان.


وهو مذهب الشافعية[9].


ففي روضة الطالبين: “أما إجارة العين، فلا يصح إيرادها على المستقبل، كإجارة الدار السنة المستقبلة، والشهر الآتي… أما الواردة على الذمّة، فيحتمل فيها التأجيل والتأخير، كما إذا قال: ألزمت ذمّتك حملي إلى موضع كذا، في دابّة صفتها كذا، غدًا، أو غرة شهر كذا”[10].


واستدلوا: بأن الإجارة عقد معاوضة، وحكمها حكم البيع، فلا تقبل الإضافة إلى المستقبل، إلا إن كانت العين المستأجرة موصوفةً في الذمّة؛ فتصح كبيع السلم[11].


ونوقش: أن العقد في الإجارة ينعقد شيئاً فشيئاً على حسب حدوث المعقود عليه، وهو المنفعة، والمنفعة حال وجودها لا يمكن إنشاء العقد عليها، فدعت الضرورة إلى الإضافة؛ وهي بهذا تفارق البيع[12].

 

القول الثالث: لا يجوز إضافة الإجارة إلى زمن مستقبل.

وهو مذهب الظاهرية[13].

 

ففي المحلى: “ولا يجوز أيضًا اشتراط تأخير الشيء المستأجر، ولا تأخير العمل المستأجر له طرفة عين، فما فوق ذلك”[14].

 

واستدلوا: بأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل[15].

 

ويناقش: بأن الأصل في الشروط الحلّ.

 

القول المخـتار:

جواز إضافة الإجارة مطلقًا إلى المستقبل؛ لأن هذه الإضافة من الشروط التي لم يدل دليل على منعها، ولا يترتب عليها محظور، والأصل في الشروط الجواز.


[1] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (16/ 20)، بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 203)، حاشية ابن عابدين، (6/ 30).

[2] ينظر: الشرح الكبير، للدردير، مع حاشية الدسوقي، (4/ 10).

[3] ينظر: الشرح الكبير على المقنع، لأبي الفرج بن قدامة، (6/ 49)، الإنصاف، للمرداوي، (6/ 41)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 225).

[5] مع حاشية الدسوقي، (4/ 10).

[7] ينظر: كشاف القناع، للبهوتي، (4/ 6).

[8] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 203).

[9] ينظر: المهذب، للشيرازي، (2/ 252)، الغرر البهية، لزكريا الأنصاري، (3/ 316)، نهاية المحـتاج، للرملي، (5/ 276).

[11] ينظر: روضة الطالبين، للنووي، (5/ 182).

[12] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (4/ 203).

[13] ينظر: المحلى، لابن حزم، (8/ 183).

[15] ينظر: المصدر السابق.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
أصل الأعمال قائم على النية الخالصة
روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء (PDF)