ما حكم الصوم للمسافر والمريض؟ (PDF)
ما حكم الصوم
للمسافر والمريض؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحجاوي -رحمه الله-: (وَيُسَنُّ لِمَريضٍ يَضُرُّهُ وَلِمُسافِرٍ يَقْصُرُ).
أَي: يُسْتَحَبُّ لِلْمُسافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ أَنْ يُفْطِرَ، وَكُرِهَ لَهُ الصَّوْمُ.
وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، وَالصَّوْمَ مَكْروهٌ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[1]، وَاخْتارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ الْقَيِّمِ[2].
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُسارِعَ فِي قَبولِهَا وَالتَّمَتُّعِ بِهَا؛ فَقَدْ قالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»[3].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِمَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ.
وَهَذَا وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهورِ: مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[4]، وَاخْتارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَالنَّوَوِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ[5].
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وَأَسْرَعُ فِي إِبْراءِ الذِّمَّةِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُسافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِفْطارِ؛ أَي: أَنَّهُمَا سِيَّانِ مُسْتَوِيانِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ حُكِيَ رِوايَةً عَنِ الشَّافِعِيِّ[6].
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْمُسافِرِ هُوَ الْأَيْسَرُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ[7].
وَالرَّاجِحُ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ-:أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَهُ ثَلاثُ أَحْوالٍ:
الْحَالُ الْأَوْلَى: الصَّوْمُ أَوْلَى، وَهَذَا لِمَنْ لا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: الْفِطْرُ أَوْلَى، وَهَذَا لِمَنْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ.
الْحَالُ الثَّالِثَةُ: الصَّوْمُ حَرامٌ، وَهَذَا لِمَنْ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِهِ.
وَيُقالُ فِي الْمَريضِ مِثْلُ ما قيلَ فِي الْمُسافِرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ: أَنَّهُ إِذَا كانَ الْمَرَضُ يَسيرًا وَلَا يَتَأَثَّرُ بِهِ الصَّائِمُ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَإِنَ خالَفَ بَعْضُ الْعُلَماءِ أَخْذًا بِعُمومِ الْآيَةِ.
[1] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 157)، والمجموع، للنووي (6/ 261).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (25/ 214)، وزاد المعاد (2/ 74).
[3] أخرجه مسلم (686).
[4] انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 304)، والمدونة (1/ 272)، والمجموع، للنووي (6/ 261)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 287).
[5] انظر: المحلى بالآثار (4/ 399)، وشرح مسلم (7/ 230)، وفتح الباري (4/ 183).
[6] انظر: التمهيد (2/ 171)، وعمدة القاري (11/ 44).
[7] الإقناع (1/ 195)، والإشراف (3/ 143).