ما حكم توكيل المشتري البائع في قبض المبيع؟
ما حكم توكيل المشتري البائع في قبض المبيع؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يصح توكيل المشتري للبائع بقبض المبيع.
وهو الصحيح من مذهب الحنابلة،[1] وأشار إليه بعض المالكية[2].
ففي الفروع: “فالصحيح من المذهب صحة استنابة من عليه الحق للمستحق في القبض، قال في التلخيص[3]: صحّ في أظهر الوجهين”[4].
وفي منح الجليل: “إلا أن يكون القابض من نفسه ممن يتولى الإيجاب والقبول معًا؛ كشخص وصي، يتصرف ليتيميه المحجورين له، بإيصائه عليهما من أبويهما، ووالد لولديه الصغيرين، وسيد لعبديه، فإذا باع طعام أحدهما للآخر، جاز له بيعه لأجنبي قبل قبضه لمن اشتراه له، قبضًا حسيًا”[5].
فقوله: ” فإذا باع طعام أحدهما للآخر” يدل على أن الوصي، أو الوالد، أو السيد قد تولى بيع طعامٍ عن منيبه الأول، فهو في مركز البائع، ثم تولى قبضه نيابة عن المشتري، وهو منيبه الثاني، ففيه إشارة إلى جواز توكيل المشتري للبائع بقبض المبيع.
واستدلوا: أن الوكالة عقد مشروع، متى ما صدرت ممن يملك التصرف إلى مثله؛[6] فلا يمُنع المشتري من توكيل البائع في القبض.
ونوقش: أن توكيل المشتري للبائع في القبض يخلّ بشرط القبض، وانتقال الضمان[7].
ويجاب: بعدم تحقق الإخلال؛ لجواز تولي الشخص الواحد طرفي العقد على ما سبق اختياره[8].
القول الثاني: لا يصح توكيل المشتري للبائع بقبض المبيع.
وهو مذهب الحنفية،[9] والشافعية،[10] ووجه عند الحنابلة[11].
ففي مجلة الأحكام العدلية: “فلو وكل المشتري البائع في قبض المبيع لا يجوز”[12].
وفي أسنى المطالب: “لا يجوز للمستحق أن يوكل في القبض من يده يد المقبِض؛ كعبده، ولو مأذونًا له في التجارة؛ كما لا يجوز له أن يوكل فيه المقبِض”[13].
واستدلوا: بما أخرجه ابن ماجه من حديث جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام، حتى يجري فيه الصاعان؛ صاع البائع، وصاع المشتري[14].
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط جريان صاعين، وفرّق في ذلك بين صاع البائع وصاع المشتري؛ فلا يصح أن يوكل المشتري البائع في القبض.
ويناقش: بأن الحديث ضعيف، ولو صحّ لحمل على الأغلب[15].
القول المخـتار:
القول الأول؛ لأن الأصل في العقود والتصرفات الإباحة، ولم ينهض دليل على المنع.
[1] ينظر: المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (4/ 121)، الإنصاف، للمرداوي، (4/ 470)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 246).
[2] ينظر: حاشية الدسوقي، (3/ 153)، منح الجليل، لعليش، (5/ 250)، والعزو للمالكية مستفاد من التورق المصرفي عن طريق بيع المعادن، للمشيقح، ص(273).
[3] هو كتاب تخليص المطلب في تلخيص المذهب، للفخر محمد بن الخضر ابن تيمية، المتوفى سنة 622هـ، ينظر: المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد، (2/ 817).
[6] ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم، (7/ 140)، مواهب الجليل، للحطاب، (5/ 118)، مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 231)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 462).
[7] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 71).
[9] ينظر: درر الحكام، لعلي حيدر، (1/ 50).
[10] ينظر: الأم، للشافعي، (3/ 71)، المجموع، للنووي، (9/ 280)، أسنى المطالب، للأنصاري، (2/ 89)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، (4/ 420).
[11] ينظر: الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (4/ 142)، الإنصاف، للمرداوي، (4/ 470).
[14] في كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض، (2/ 750)، برقم 2228.
[15] قال في مصباح الزجاجة، للبوصيري، (3/ 24): “هذا إسناد ضعيف؛ لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى”.