ما حكم عقد المضاربة على غير عمل التجارة؟
ما حكم عقد المضاربة على غير عمل التجارة؟
اختلف أهل العلم هل يلزم أن يكون عمل المضاربة من جنس التجارة، أم لا يلزم على قولين؟
القول الأول: لا تجوز المضاربة إلا على عمل التجارة؛ أي البيع والشراء.
وهو مذهب الشافعية[1].
قال النووي: “الركن الثاني: العمل، وله شروط، الأول: أن يكون تجارة، ويتعلق بهذا الشرط مسائل: الأولى: لو قارضه على أن يشتري الحنطة، فيطحنها ويخبزها، والطعام ليطبخه ويبيعه، والغزل لينسجه، والثوب ليقصره، أو يصبغه، والربح بينهما، فهو فاسد”[2].
واستدلوا: بأن المضاربة شُرعت رخصةً للحاجة، والتجارة لا ينضبط قدرها، وتمس الحاجة للعقد عليها، فاحتُمل فيها جهالة العوضين، وأما غيرها من الأعمال فهو منضبطٌ، ويمكن الاستئجار عليه، فلا تشمله الرخصة[3].
القول الثاني: تجوز المضاربة على كل ما من شأنه تثمير المال؛ سواء كان تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو غيرها.
وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[4] والحنابلة،[5] والمالكية إذا لم يشترط عمل يدّ العامل[6].
قال السرخسي: “وإذا دفع مالاً مضاربة، وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه، أو لم يأمره، فاستأجر المضارب ببعضه أرضًا بيضاء، واشترى ببعضه طعامًا، فزرعه في الأرض، فهو جائز على المضاربة؛ بمنـزلة التجارة”[7].
وقال ابن قدامة: “وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما يرزق الله بينهما نصفين، أو أثلاثًا، أو كيفما شرطا صحّ”[8].
وقال الدردير: “لو شرط عليه أن ينفقه في الزرع، من غير أن يعمل بيده، فلا يمنع”[9].
واستدلوا: أن كل عملٍ يؤدي إلى تثمير المال وتنميته، فحكمه كحكم التجارة[10].
القول المختـار:
جواز المضاربة على عمل غير التجارة؛ لأنه لم يثبت كون المضاربة شُرعت رخصةً على خلاف القياس، بل هي من جنس المشاركات،[11] فسقطت الدعوى، وكل عمل يحقق غاية المضاربة من تثمير المال، وحصول الربح منه، تصح فيه.
[1] ينظر: فتح العزيز، للرافعي، (12/ 12)، مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 401)، تكملة المجموع، للمطيعي، (14/ 371) .
[2] روضة الطالبين، (5/ 120).
[3] ينظر: مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 401).
[4] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 88)، البحر الرائق، لابن نجيم، (7/ 264)، الدر المختار، للحصفكي، مع حاشية ابن عابدين، (5/ 648).
[5] ينظر: المغني، لابن قدامة، (5/ 8)، الفروع، لشمس الدين بن مفلح، (4/ 297)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، (2/ 218).
[6] ينظر: المدونة، لمالك، (12/ 120)، شرح الخرشي على خليل، (6/ 208)، بلغة السالك، للصاوي، (3/ 439) .
[7] المبسوط، (22/ 72).
[8] المغني، (5/ 8) .
[9] الشرح الكبير، مع حاشية الدسوقي، (3/ 521) .
[10] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (22/ 72) .
[11] ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (29/ 98-106) .