مراجعة “لفظة” نسبت إلى شرف الدين الطيبي (743) رحمه الله
مراجعةُ «لفظةٍ» نُسِبتْ إلى شرَف الدّين الطِّيبيّ (743) رحمه الله
في «مشكاة المصابيح» (رقم الحديث: 184، الفصل الثالث من باب الاعتصام بالكتاب والسنة – كتاب الإيمان):
«وعن غُضَيف بن الحارث الثُّمالي قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما أحدث قومٌ بدعةً إلا رُفع مثلُها من السُّنة، فتمسُّكٌ بسُنَّةٍ خيرٌ من إحداثِ بدعة. رواه أحمد».
أصلُ الحديث مطوَّلًا عند الإمام أحمد في «المسند» (رقم الحديث: 16970 – ط الرّسالة) كما ذكر صاحب «المشكاة»، وقال الهيثميّ في «مجمع الزوائد» 1: 188: «رواه أحمد والبزار، وفيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، وهو منكر الحديث»، ويُنظر: حاشية «المسند» طبعة الرّسالة.
قال العلامة شرف الدين الطِّيبيّ (743) في شرْح هذا الحديث في «الكاشف عن حقائق السنن» -شرح «مشكاة المصابيح»-:
«فتمسك بسنةٍ نزْرةٍ خيرٌ من إحداث بدعة مُسْتحسَنة، كما إذا أحيا آدابَ الخلاء مثلًا على ما ورد في السُّنَّة، فهو خيرٌ من بناءِ رباطٍ أو مدرسةٍ، والسرُّ فيه هو أن من راعى هذا الأدبَ فإن الله يُوفِّقه ويلطُفُ به، حتى يترقّى منه إلى ما هو أعلى منه، فلا يزالُ في الترقِّي والصُّعود إلى أن يبلغَ مقامَ القرب…
ومن تركه يؤدّيه ذلك إلى ترك الأفضل فالأفضل، حتى ينتقل إلى مقام الرَّيْن والطَّبع…
ويمكن أن يُحمل هذا على باب قوله تعالى: ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا ﴾ [مريم: 73] وقولهم: «العَسَل أحْلى من الخلّ» و«الصَّيف أحرُّ من الشتاء»، يعني أن السنة في بابها أبلغُ من البدعة في بابها، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: «خير الهَدْي هَدْيُ محمد»: المراد بـ«الهَدْي»: الطريقة التي لا شرَّ فيها، وخيرُها سنَّةُ محمد، وقوله: «شرُّ الأمور مُحدَثاتها»: هذه الأمورُ أمورٌ لا خيرَ فيها، وشرُّها البدعة.
فيلزم من هذا أن يكون هَدْيُ محمد في بابه أبلغَ من الشرّ في بابه؛ لأن الخير غالبًا غالبٌ على الشرّ وقامعٌ له، كما قال تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ﴾ [الإسراء: 81]».
انتهى من نسخة السُّليمانيّة (281-M) ب/ق72 وأ/ق73، وفي آخرها ما يفيد أن كتابتها تمتْ في جمادى الأولى، سنة ثلاثين وثمان مئة… ويتبيّن بالمقارنة ما وقع في المطبوع من غلط وسقط.
وإنما أوردتُ نصّ الطيبيّ رحمه الله مطوّلًا ليتبيّن سياقُ الكلام، ولا يخفى أن المذكور هنا –في نصّ الحديث ثم في الشرْح– يحتاج تنقيحا من حيث الدِّراية، كما لا يستغني عن التحقّق روايةً.. أما هذا المقال فلا يتعرّض لشيء من ذاك، وإنما موضوعه لفظة «نزرة» التي أوردها الطيبيّ في الشرْح.
هذه اللفظة حسِبَها العلامة ابنُ حجر الهيتميّ (974) رحمه الله في شرْحه المعروف على «مشكاة المصابيح» المسمى «فتْح الإله» أنها: «قذِرة»، وبنى عليه ملامًا وجَّهه إلى العلامة الطيبيّ، قال ابنُ حجر رحمه الله:
«… على أنّ في وصْفِه «سنَّة» التي في الحديث بقوله: «قذِرة» من القُبح والشَّناعة وسوء الأدب ما ينفِر منه الطبعُ ويمُجُّه السمعُ، ولولا اشتهارُ علمِ الرجل وتحقيقِه وحُسن طريقِه لقُضي عليه بهذه الكلمة بأمر عظيم.
كيف؟! وأصحابُنا مصرِّحون بأن من استقْذَرَ شيئا منسوبا إليه صلى الله عليه وسلم كَفَر، والسنةُ منسوبة إليه، فوصْفُها بالقذارة يُوقع في تلك الورْطة، لولا إمكانُ تأويله بأنه لم يصِفْها بالقذارة من حيث كونها سنَّةً، بل من حيث تعلُّق فعلِها بمُسْتَقْذَر، وهذا بفرْض قبولِه إنما يَمنعُ الكفرَ فحسْب، لا الشناعةَ والقبحَ وسوءَ الأدب، فتفطَّنْ لذلك، لتنجو من هذه الورْطة البالغِ قبحُها النهايةَ».
انتهى من نسخةٍ كتبتْ سنة ستّ وخمسين وألف نقلًا من خطّ المؤلف، وقد آلتْ أخيرا إلى «شبكة الألوكة» ونُشرتْ بها، وعليها ختْم «محمد أفندي بن يَحْيى الشهير بقپوچي زاده» المعروف، وبالمقارنة معه (أ/ ق129) يتبيّن ما وقع في المطبوع من تحريف.
وبالتالي صورة العبارة -مع سابقتها ولاحقتها- من النسخة المذكورة -تكميلا للمقام وإطلاعًا على رسْم «اللفظة» المذكورة-:
وتبعه العلامة عليّ القاري رحمه الله (1014) في «مرقاة المفاتيح»، فقال:
«وأما قول الطيبيّ: «أي سنة قذِرة»، فلغْزةُ قلم وزلَّة قدم، مما ينفر عنه الطَّبْع ويمجُّه السّمع».
ثم نقل ما قاله ابنُ حجر.
وصورة عبارة القاري كما يلي من نسخة السليمانيّة العامة رقم: 281 (أ/ ق60):
والذي يظهرمن مراجعة عدد من نُسخ «شرْح الطيبيّ» أن «اللفظة» ليستْ كما حسِبها العلامة ابن حجر -ومن تبِعه-؛ وإنما هي «نزْرة»، والدليلُ على ذلك نُسَخُ الكتاب نفسها، ومنها النفيسُ المعتَمد كما سيأتي، فلعلّه سبْق نظر من ابن حجر، أو وقع التحريفُ في نسخة «شرْح الطيبي» التي كانت لديه، وكلا الأمرين قريبٌ جدّا لتقارب كلمَتَيْ «نزْرة» و«قذرة» في الرسْم، وخاصّةً لأن لفظة «نزرة» وردتْ غير منقوطة في كثير من النُّسخ المتقدّمة..
على أن لفظة «نزرة» مُلائمة جدا لسياق كلام الطيبي -كما تمّ نقلُه مطوّلًا-، ولفظة «قذرة» مستغربة في هذا المقام، لا من جهة ما ذكروه فقط؛ بل من جهة سياق الكلام ولحاقه أيضا..
ويُلاحظ أن العلامة عبد الحق الدهلوي رحمه الله (1052) نقل كلام الطيبيّ على الحديث في شرْحيه «لَمَعات التّنقيح» -في العربية- (1: 507) و«أشِعَّة اللَّمَعات» -في الفارسية- (1: 57) ولم يتكلّم شيئا عن «اللفظة» المذكورة، ففي «أشعة اللَّمَعات» ترجم عبارةَ الطيبيّ رحمه الله بعينها بما يفيد أنه قرأ اللفظة: «نزْرة».
أما بعد، فلا يخفى اشتهار «شرْح الطيبيّ» وكثرة نُسَخه في مكتبات العالم، والقصْد من هذا المقال جولةٌ سريعةٌ فيما يحضرُنا حالًا من مُصوَّرات النُّسَخ -بدون اهتمام بتتبّع النُّسَخ والتقصّي فيه-، ومراجعةُ رسْم اللفظة المذكورة فيها، وصورُ النُّسَخ ناطقةٌ بالصواب وشاهدةٌ عليه بنفسها، ولا تحتاجا بيانًا..
فلْنر نموذجًا منها فيما يلي -بدون مراعاة ترتيبٍ خاص بين النُّسخ-:
نسخة مكتبة أحمد الثالث (A.430)
تمّ كتابتُها في رمضان المبارك، سنة أربع وثمانين وسبع مئة، كما في آخرها.
صورة العبارة (ب/ ق56):
نسخة مكتبة أحمد الثالث (A.431)
لم أجد تأريخها الآن. صورة العبارة (أ/ ق63):
نسخة المكتبة السليمانية العامة (M-281)
في آخرها ما يفيد أن كتابتها تمتْ في جمادى الأولى، سنة ثلاثين وثمان مئة.
صورة العبارة (ب/ ق72):
نسخة المكتبة المحموديّة بالمدينة المنورة (المجلد الأول، 548)
تمتْ في ربيع الآخر، سنة اثنين وتسعين وألف، كما في آخرها. صورة العبارة (أ/ ق 160):
نسخة مكتبة قليج علي باشا (255)
تم نسْخها في جمادى الأولى سنة 975 هـ، كما في آخرها. صورة العبارة (ب/ ق60):
نسخة مكتبة كوبريلي (المجلّد الأول، 335)
في آخر المجلد الأول أنه تمّ في محرم الحرام سنة إحدى وتسعين وسبع مئة.
صورة العبارة (ب/ ق 99):
نسخة مكتبة محمود باشا (المجلد الأول، 104)
لم أقف على المجلّد الثاني منها، وفي أول المجلد الأول كلمات عثمانية لم أفهمها تمام الفهم، تتحدث غالبا عن تأريخ النَّسْخ وأنه: 881 هـ.
صورة العبارة (أ/ ق108):
نسخة مكتبة محمود باشا (المجلد الأول، 105)
لم يوجد المجلّد الثاني، وبالتالي لم أقف على تأريخ النّسخ.
صورة العبارة (أ/ ق75):
نسخة مكتبة يني/ يكي جامع (المجلد الأول، 245)
لم أجد المجلّد الثاني، كما لم أقف على تأريخ النّسخ، وفي أول المجلد الأول «تملّكٌ» لم أفهمه تماما، و«استعارة»: «استعارَه … مع المجلّد الثاني، الفقيرُ إلى الله الصمد، عبد الرحمن بن عليّ المؤيد … في يوم الجمعة المباركة، الثامن عشر من أخرى الجمادى، لسنة تسع وتسع مئة هجرية …». اهـ
صورة العبارة (أ/ ق86):
نسخة مكتبة يني/ يكي جامع (259)
تم كتابتها في ربيع الآخر، سنة ثلاث عشرة وتسع مئة كما صرح به الناسخ.
صورة العبارة (أ/ ق102):
نسخة مكتبة فيض الله أفندي (458)
لم يتسنّ لي الاطلاع على تأريخ النّسْخ، والمجلد الآخر من النسخة برقم: (459).
صورة العبارة (أ/ ق82 -تسلسل اللقطة الرقمية: 87-):
نسخة مكتبة نور عثمانية (المجلد الأول، 1072)
تمّ نسْخُها سلخَ ذي القعدة، سنة ثلاث بعد الألف، كما ذكره الناسخ في آخرها (وفي الرقم التالي -1073- بالمكتبة المجلدُ الآخر من النسخة، تم نسخُه في صفر سنة ثلاثة عشر بعد الألف). صورة العبارة (ب/ ق106):
نسخة مكتبة عاطف أفندي (554)
اتفق الفراغ من نسْخها في شعبان، سنة ثمان وتسعين وثمان مئة، كما ذكر الناسخ.
صورة العبارة (أ/ ق34):
نسخة مكتبة راغب باشا (321)
تمّ نسخُها في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وسبع مئة كما ذكر الناسخ في آخرها.
صورة العبارة (أ/ ق70):
نسخة مكتبة رستم باشا (82)
لم تؤرّخ، نسخَها وصحَّحها وقابَلها: أبو القاسم المالكي، كما في آخرها.
صورة العبارة (ب/ ق 92):
نسخة مكتبة داماد إبراهيم باشا (363)
لم تؤرّخ. صورة العبارة (أ/ ق59):
نسخة مكتبة داماد إبراهيم باشا (364)
لم تؤرّخ. صورة العبارة (ب/ ق75):
نسخة مكتبة داماد إبراهيم باشا (المجلّد الأول، 365)
لم تؤرّخ، ولم أجد المجلد الآخر. صورة العبارة (أ/ ق74):
نسخة مكتبة حاجي سليم آغا (211)
لم أقف على تأريخها. صورة العبارة (ب/ ق61):
نسخة مكتبة حاجي سليم آغا (المجلّد الأول، 212)
تم نسخه -المجلد الأول- في المحرّم سنة واحد وستين وألف. صورة العبارة (أ/ ق91):
عن المطبوع
بعد مراجعتي السابقة وقفتُ على ثلاث طبعات لـ«شرْح الطيبي»:
فطبعةُ إدارة القرآن -باكستان- (ط أولى- 1413 هـ، والثانية- 1417 هـ) أثبتت اللفظة «قذرة»، وعلّق عليها المحقّق بعبارة العلامة عليّ القاري، وأهمل بيانَ ما في النُّسخ! (1/ 347)
وطبعةُ مكتبة نزار مصطفى -مكة المكرمة- (ط أولى- 1417 هـ) أثبتتْ «نزرة»، ونبّه المحقّق في التعليق على احتمال وقوع التحريف الذي أدّى إلى انتقاد الشارح رحمه الله.. والطبعة اعتمدتْ نسخةً خطّيّة واحدة فقط، ولم يذكر «المحقّق» شيئا عن النسخة المعتمَدة غير أنها: نسخة دار الكتب المصريّة، وأنه تم عملُ الطبعة اعتمادًا على مقابلة النسخة الخطّيّة الوحيدة بالطبعة الباكستانيّة.
وطبعة دار الكتب العلمية -التي آلتْ إليّ وقد صارتْ «طبعة زكريّا» الهندية! وبالتالي حُذفت منها سنة الطبع؛ إلا أن مقدمة «المحقّق» أرّخت بسنة 1418 هـ-، أثبت فيها «نزرة»، وعلّق عليها «المحقّق» بما يلي: هكذا في مخطوطة دار الكتب المصريّة، ووقعت في غيرها: «قذرة»، وقد قال في المرقاة… اهــ والحال أن الطبعة كسابقتها اعتمدتْ نسخةً واحدة فقط، وليس عند صاحبها «غيرها» حتى يحكم عليها بما أخذَه من الطبعة الباكستانية -وحالُها معلوم لدى الباحثين-.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله تعالى على خير خلْقه محمد، وعلى آله وصحْبه أجمعين.