مسائل متفرقة في أحكام الصيام


مسائل مُتفرقة في أحكام الصيام

 

جميع المُفطرات ما عدا الحيض والنفاس لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة:

(1) أن يكون عالِمًا بالحُكم الشرعي وعالِمًا بالحال (غير جاهل)؛ أي يعلم أنه يحرم عليه الأكل والشرب، ونحو ذلك في هذا الحال.

 

(2) أن يكون ذاكرًا للصوم (غير ناسٍ).

 

(3) أن يكون مُختارًا مُريدًا للفعل (غير مُكره).

 

من أكل أو شرب أو جامع، وقد غلب على ظنه أن الفجر لم يطلع، ثم تبين له خلاف ذلك، فإن صومه لم يفسُد؛ لأن المُتقرر في قواعد الشريعة أن العمل بغلبة الظن صحيح ما لم يُمكنه العلم اليقيني.

 

وكذلك من أكل أو شرب أو جامع، وقد غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، ثم تبين له خلاف ذلك، فإن صومه لم يفسد أيضًا؛ لأنه جاهل بالحال.

 

من أكل أو شرب أو جامع وهو يشك في غُروب الشمس، ثم تبيَّن له أنها لم تغرب، فإنه يجب عليه القضاء؛ لأن الأكل في هذه الحال؛ أي في حال الشك في غُروب الشمس حرام؛ إذ لا يجوز له أن يُفطر إلا إذا تيقَّن غُروب الشمس أو غلب على ظنه غُروبها؛ لأن اليقين لا يزل إلا بمثله، والأصل بقاء النهار، فلا يتزحزح عن هذا الأصل إلا بثبوت غُروب الشمس.

 

إذا طلع الفجر والرجل في حالة جماع مع أهله، وجب عليه أن ينزع في الحال؛ أي فور عِلمه بطُلوع الفجر، ولا شيء عليه إذا نزع عند عِلمه مُباشرة، ولا يضره خُروج شيء منه أثناء نزعه أو بعده، وإن تابع الوطء بعد طُلوع الفجر، فقد فسد صومه، وأثم وعليه القضاء والكفارة.

 

من رأى صائمًا يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسيًا، فإنه يجب عليه أن يُذكِّره، وعلى الصائم أن يمتنع من الأكل فورًا، ولا يجوز له أن يتمادى في أكله أو شربه، بل لو كان في فمه ماء أو شيء من طعام، فإنه يجب عليه أن يلفظه، ولا يجوز له ابتلاعه بعد أن ذُكِّر أو ذَكَر أنه صائم.

 

من جامع زوجته في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم وهو عالم ذاكر مُتعمد، ترتب عليه خمسة أشياء: (الإثم وفساد الصوم، ولُزوم الإمساك، ووجوب القضاء ووجوب الكفارة).

 

وزوجته مثله إن هي طاوعته في ذلك، ولكن يجب عليها أن تدفعه بقدر الإمكان، فإن لم تستطع أن تتخلص منه، فليس عليها شيء من هذه الأشياء لأنها مُكرهة.

 

القول الراجح أن من جامع عامدًا في نهار رمضان، ولم يُكفر ثم جامع في يوم آخر منه، فعليه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة مُستقلة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم تتداخل.

 

أجمع العُلماء على أن من جامع في نهار رمضان عامدًا وكفَّر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة أُخرى.

 

أجمع العُلماء على أن من جامع مرتين في يوم واحد ولم يُكفر عن الأول أن عليه كفارة واحدة.

 

ولكن إن كفر عن الجِماع الأول، فليس عليه كفارة ثانية؛ لأن يومه فسد بالجِماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مُجزئًا عن الصوم، فلا تلزمه الكفارة.

 

القول الراجح أن من جامع في قضاء رمضان، فلا كفارة عليه، وإنما عليه الإثم وقضاء اليوم؛ لأن الكفارة خاصة في الجِماع في نهار رمضان فقط.

 

القول الراجح أن من باشر زوجته أو قبَّلها فأمذى، لا يفسد صومه لعدم وجود الدليل؛ لأن الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي، فلا يُمكن أن تفسد هذا العبادة إلا بدليل.

 

القُبلة للصائم إذا كانت تحرِّك شهوته ولا يأمَن على نفسه من الإنزال، وخَشِي من فساد الصوم، فإنها تحرم عليه؛ لأنها وسيلة إلى فعل المحرم، وكذلك جميع دواعي الوطء.

 

القول الراجح أن من تعمَّد تَكرار النظر إلى النساء وهو صائم حتى أنزل، فسد صومه؛ لأنه إنزال بفعل يتلذَّذ به، ويُمكنه التحرز منه، فيفسد صومه كالإنزال باللمس، ويجب عليه القضاء فقط.

 

القول الراجح أن من نظر نظرة واحدة، فصرف بصره فتحركت شهوته، لم يفسد صومه‏‏ سواء أنزل أو لم يُنزل؛ لأن الإنسان لا يملك أن يجتنب هذا الشيء، فإن بعض الناس يكون سريع الإنزال وقوي الشهوة، ولو قيل بفطره لكان فيه مشقة.

 

القول الراجح أن من فكر – أي في الجِماع – سواء كان مُتزوجًا أو غير مُتزوج، فأنزل لم يفسد صومه؛ لأن الخاطر لا يُمكن دفعُه، ولأنه لا نص في الفِطر به ولا إجماع،‏‏ ولا يُمكن قياسه على المُباشرة ولا تكرار النظر.

 

القول الراجح أن قطرة الأنف إذا وصل منها شيء إلى الحلق أثناء الصيام فإنها تُفطر، أما إذا لم يصل منها شيء فإنها لا تُفطر؛ لأن الأنف منفذ للحلق.

 

القول الراجح أن استعمال البخاخ لمرضي الربو جائز للصائم، سواء كان صيامه في رمضان، أم في غير رمضان، وذلك لأن هذا البخاخ ما هو إلا عبارة عن غاز، ليس فيه إلا هواء لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، فتنفتح لِما فيه من خاصية، ويتنفس الإنسان تنفسًا عاديًّا بعد ذلك، فليس هو أكلًا ولا شُربًا يصل إلى المعدة، ولا بمعنى الأكل أو الشرب.

 

ومعلوم أن الأصل صحة الصوم؛ حتى يُوجد دليل يدل على الفساد من كتاب أو سُنة أو إجماع، أو قياس صحيح.

 

القول الراجح أن الحُقنة الشرجية التي توضع في الدُّبر لا تُفطر الصائم؛ لأنها ليست أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل أو الشرب، والشارع الحكيم إنما حرم علينا الأكل والشرب.

 

القول الراجح أن عمل المِنظار لا يُفطر الصائم إلا إذا كان في هذا المِنظار دُهن يصل إلى المعدة بواسطة هذا المِنظار، فإنه يكون بذلك مُفطرًا، ولا يجوز استعماله في الصيام إلا للضرورة.

 

القول الراجح أن ابتلاع النُّخامة لا تُفطر الصائم ولو وصلت إلى الفم؛ لأنها لا تُعد أكلًا ولا شُربًا، ولكن ابتلاعها مُحرم لما فيها من الاستقذار والضرر.

 

القول الراجح أن الدم الخارج من بدن الإنسان لا يُفطر الصائم، سواء كان كثيرًا أو قليلًا، باختياره أو بغير اختياره؛ مثل الدم الخارج بسبب التحليل أو الرعاف، أو الخارج بسبب حادث ونحو ذلك، فحُكمه حُكم الحِجامة؛ أي لا يفسد صومه.

 

أجمع العُلماء على أنه لا شيء على الصائم فيما يبلعه مما يجري مع الريق مما بين الأسنان إن كان لا يقدر على رده، فإن قدر على رده فابتلعه عمدًا؟ فسد صومه على القول الراجح.

 

القول الراجح أن مضغ اللبان يُكره إذا كان له طعم ولا يتفتت؛ لأنه ربما تسرب منه شيء إلى البطن، فإن لم يكن له طعم فلا كراهة في مضغه، بشرط أن يكون هذا اللبان لا يتفتت، فإن كان يتفتت، فيحرم ويفطر به الصائم إن بلعه.

 

القول الراجح أن من أرهقه جوع مُفرط أو عطش شديد، فخاف على نفسه الهلاك أو ذهاب بعض الحواس بغلبة الظن لا الوهم، أفطر للضرورة ثم يقضي، ولا يجوز له الفِطر لمُجرد الشدة المُحتملة أو التعب أو خوف المرض مُتوهمًا.

 

إذا خرج من اللثة أو الأسنان دمٌ أثناء الصيام، فإنه لا يجوز بلعه، ويحرم ذلك ويفسد الصوم ببلعه.

 

لا بأس باستعمال اللبوس في الدُّبر أثناء الصيام لمن كان مريضًا؛ لأن هذا ليس أكلًا ولا شُربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.

 

الصائم إذا نام فاحتلم، فإنه لا يفسد صومه، بل يُتمه، وهذا بإجماع العُلماء.

 

يجوز للمرأة أن تستعمل حُبوب منع الحيض في رمضان، من أجل أن تتمكن من الصيام إذا كانت هذه الحبوب لا تضرها بعد مراجعة الطبيب، فإذا قال لها الطبيب: إن هذه الحُبوب لا تضر، فلا حرج في استعمالها؛ لأن الأصل جوازه، ولا يوجد دليل يمنع من ذلك.

 

أما إذا كانت هذه الحبوب تضرها، فلا يجوز لها أن تستعملها.

 

من كان عليه أيامًا من رمضان، فأخَّر صيامها حتى جاء رمضان التالي بدون عُذر شرعي، فإنه آثم بالتأخير، وعليه القضاء فقط على القول الراجح، ولا يلزمه الإطعام.

 

أما من أخَّرها بعُذر شرعي، فليس عليه إلا القضاء فقط باتفاق العُلماء، فإن أخره لغير عُذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر، لم يكن عليه أكثر من القضاء على القول الراجح؛ لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب‏‏، كما لو أخَّر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله‏.

 

المرأة إذا كان عليها صيام شهرين مُتتابعين بسبب الجماع في نهار رمضان، فصامت بعضًا منها ثم حاضت، فإنها تبني على ما مضى من صيام إذا طهرت، وتُكمل ما تبقى من الأيام بعد طُهرها، فلو صامت 20 يومًا تكمل بقية الستين يومًا بعد أن تطهر، وكذلك الرجل إذا مرض مرضًا يمنعه من مُواصلة الصيام، وكان هذا المرض يُبيح له الفِطر، أو اضطُر إلى السفر، فإنه يُكمل بعدما يزول عُذر كل منهما، وكذلك لا يجوز له صيام يومي العيد وأيام التشريق، بل يجب عليه أن يُفطر ويُكمل بعد العيد وانتهاء أيام التشريق.

 

من عليه صومًا من رمضان، فله تأخيره ما لم يدخل عليه رمضان آخر؛ لأن القضاء لا يجب على الفور، بل هو واجب وجوبًا مُوسعًا في أي وقت وكذلك الكفارة.

 

القول الراجح أن قضاء شهر رمضان يجوز مُتفرقًا، والتتابع أفضل؛ لأن القضاء غير مُقيد بالتتابع.

 

القول الراجح أن من ترك صوم رمضان لمرض، واستمر به المرض إلى آخر شوال، ثم شفاه الله، وشرع في القضاء، وخرج شهر شوال، يجوز له أن يصوم الست من شوال تابعة لقضاء رمضان، ولو خرج شهر شوال، وذلك لأنه ترك صومها في شوال لعُذر، فقضاها من بعده، كما أن رمضان يترك للعُذر ويقضى بعده.

 

يجوز لمن عليه قضاء من رمضان أن يتطوع بالصيام قبل قضائه، ما لم يضيق الوقت بقدر الأيام التي عليه، فحينئذ يجب عليه القضاء، ولا يجوز له التطوع؛ لأن القضاء وقته مُوسع بعد رمضان، حتى يدخل رمضان الآخر إلا إذا ضاق وقت القضاء، فيجب ولكن الأول أن يبدأ بالقضاء، وهذه المسألة لا تنطبق على صيام الست من شوال لما سبق ذكره في هذه المسألة.

 

من أفطر أيامًا من رمضان بسبب المرض، ثم عافاه الله من هذا المرض وأمكنه القضاء، ولكنه لم يقض حتى مات، فهذا مُفرط، ويُستحب لوليه أن يصوم عنه هذه الأيام، ولا يجب عليهم ذلك، والولي هو الوارث مثل الأب أو الابن أو البنت أو الأُم، المهم أن يكون من الورثة، وإن تبرع أحد من غير الورثة، فلا حرج، وإن لم يقم أحد بالصيام عنه، فإنه يُطعم من تركته لكل يوم مسكينًا.

 

أما من كان مريضًا وأفطر في رمضان، وبَقِيَ معه المرض حتى مات، فلا شيء عليه، ولا يلزم ورثته القضاء عنه فيما أفطره من رمضان.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
عدد الركعات في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم
من آداب الصيام: تعجيل الإفطار