معرفة العلاقة بين مصطلحات الظواهر النحوية ومفاهيمها مفتاح تحصيلها


معرفة العلاقة بين مصطلحات الظواهر النحوية ومفاهيمها مفتاح تحصيلها

 

ما برحت صعوبات فهم الظواهر اللغوية والتمكُّن منها تعترض المتعلم، كيفما كان، وتَثنيه عن التعاطي معها باعتبارها- من جهة- ضوابط تُقَوِّمُ تعبيره عن أغراضه، ويستثمرها وظيفيًّا في وضعَي التلقي والإنتاج، وبما هي- من جهة ثانية- ظواهر لُغَوية (بلاغية) متداولة بمختلف السياقات التواصلية، ينتجها ويتلقاها في محيطه [الاستعارة مثلًا]، ولقد بدا لي أن من أبرز الصعوبات التي تعيق التفاعل الواعي مع الظاهرة اللغوية، وتحول دون رسوخها رسوخًا في الذاكرة، هي عدم إدراك دلالة مصطلح الظاهرة اللغوية أو بتعبير آخر الجهل بسبب تسميتها بذلك الاسم أو المصطلح، لماذا سُمِّي المفعول المطلق بذا المصطلح، واسم الموصول بالموصول؟ ما معنى الصفة المُشبه؟ …

ويكمن صياغة المشكلة أيضًا في غياب الربط بين دال الظاهرة اللغوية ومدلولها، لَكَأَنَّ العلاقة بينهما اعتباطية، والحال أنها في العربية مُعلَّلة.

لذلك نفترض أن تخطي تلكم المشكلة بواسطة البحث عن رابط أو روابط الظاهرة اللغوية في مفهومها وقواعدها بمُصطلحاتها، يُعَدُّ مفتاحًا مهمًّا في فهمها وتحصيلها، ولطالما كان فهم المصطلحات مفاتيح تحصيل علومها.

اشتغلنا في هذا المقام على عينة يسيرة من الظواهر اللُّغوية المقررة ببرامج التعليم الثانوي، ولقد انتقينا فيها تلك التي من الوَارِدِ أن تَتَمَنَّعَ عن الفهم والتحصيل ما لم يتم تفسير سبب التسمية أو دلالتها في علاقتها بمفهوم الظاهرة أو قواعدها.

تبعًا لهذا الاعتبار، شكَّلت الظواهر اللغوية النحوية المقررة في سلك التعليم الثانوي الإعدادي معظم العينة المدروسة، في حين اقتصرنا في الثانوي التأهيلي على بيان الظواهر الثلاثة التالية: المجاز والاستعارة والعَرُوض، ولقد استعَنَّا في بيان ذلك بما أتيح من المصادر والمراجع المعتمدة.

الاسم الموصول:

الاسم الموصول: سُمِّي بذلك؛ لأنه لا يَأْتِي ولا يَصِحُّ أن يذكر إلا مَوْصُولًا متبوعًا بجملة تَرْفَع عنه الإبهام وتُتمِّم معناه، ومشتملة على ضمير يعود عليه[1].

فلو قلت لك: سلَّم عليك الذي.

قلت لي: مَن؟ فـ”الذي” اسم مبهم وناقص، يدل على مفرد مذكَّر؛ ولكن مَنْ هو؟ ما فَعَلَ؟

قلت لك: سَلَّم عليك الذي تعرفت عليه في المكتبة، فالآن وقد أَوْصَلْنَا اسم “الذي” بالجملة الفعلية “تعرفت عليه في المكتبة”، [فهو اسم موصول]، تبيَّن لنا أن المراد منه مفرد مذكر تَعَرَّفَ عليه المخاطب بالمكتبة، وقد أكَّد ذلك ضمير الغائب [الهاء في عليه].

ثمة فائدة دلالية أخرى للاسم الموصول قد تساعد المتعلمين في تحقيق التفكير التجريدي باعتباره من المواصفات المنشودة في المتعلِّم نهاية السلك الإعدادي[2].

وهي أن الاسم الموصول غَيْرُ مُشَخِّص؛ لا يُعَيِّنُ شخصًا باسمه أو كنيته، ولا يقتصر على واحد دون غيره، وإنما يحتمل أن يحل محله كل شخص يصح عليه مضمون الجملة الموصول بها [صلة الموصول].

مثال: إذا صادف أحد المتعلمين الجملة التالية: الَّذِي لا يَحْتَرِمُ الآخَر لا يَحْتَرِمُ نَفْسَهُ، أو مَحْمُودٌ الَّذِي يُحَافِظُ عَلَى نَظَافَةِ الأَمَاكِن.

هنا يمكنه أن يضع- بشكل تجريدي – محل اسم الموصول كل شخص تحققت فيه تلك الصفة [لا يحترم الآخر] أو [يحافظ على نظافة الأماكن].

المفعول المطلق:

المفعول المطلق: سُمِّي بهذا الاسم؛ لأنه غير مقيَّد بأحد حروف الجر أو الظروف التي تتقيَّد بها المفعولات الأخرى[3]:

فالمفعول به مُقيَّد بحرف الجر “الباء”: قَرَأْتُ الْكِتَابَ؛ فالكتاب فعلت به القراءة.

المفعول فيه مُقيَّد بـ “في”؛ أي: الذي حصل فيه الفعل: رَجَعْتُ فِي المَسَاءِ/عِنْدَ الغُرُوبِ.

المفعول معه مُقيَّد بالمصاحبة [ظرف “مع”] : اسْتَيْقَظْتُ وَالْمُنَبِّهَ؛ أي: مع المُنبِّه.

والمفعول له/لأجله مقيد بحرف الجر اللام: تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِنَفْسِي.

وبالنظر إلى وظيفة المفعول المطلق المتعددة [التوكيد وبيان النوع أو العدد]، يمكننا اعتبار عدم تقيُّد المفعول المطلق بوظيفة واحدة وحيدة مِمَّا يفسر تسميته بذاك الاسم.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى ملحظ آخر في هذا الباب، وهو جعل اسم المفعول المطلق، بهذه الصفة، لكونه غير مقيد بزمن محدد؛ بل يدل على مجرد الحدث[4] من جهة، ومن جهة أخرى لصدقية المفعول عليه.

الممنوع من الصرف:

المقصود من الصرف التنوين، فهو الاسم [أو الصفة] الذي لا يقبل التنوين، وتكون علامة جَرِّه الفتحة النائبة عن الكسرة.

 

الصفة المُشبَّهة:

المشبهة باسم الفاعل، “وإنما كانت مشبهة باسم الفاعل؛ لأنها تُثنَّى وتجمع وتُذكَّر وتُؤنَّث، ولأنها يجوز أن تنصب المعرفة بعدها على التشبيه بالمفعول به، فهي من هذه الجهة مشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد”[5].

المَجَاز:

إذا كانت الحقيقة هي دلالة اللفظ على معناه المباشر الأصلي، فإن المَجَازَ هو أن يُجَاوِزَ اللَّفظُ معناه المعهود إلى معنى آخر، لعلاقة بين المعنى الأول والمعنى الثاني، والعنصر الذي يجعل السامع يُجَاوِزُ اللفظَ من معناه الحقيقي لينحرف به إلى معنى آخر يدركه، هو القرينة.

تشبيه دال عن المجاز والحقيقة[6]:

اللفظ ومعناه الحقيقي كالنهر يجري مستقيمًا من منبعه إلى مصبِّه.

اللفظ ومعناه المجازي كنهر عرضت له عارضة [هي القرينة] فَجَاوَزَ مَنْبَعُهُ مَنْحَى مَصَبِّه إلى منحى آخر.

والمجاز: استعمال كلمة في غير ما وضعت له، لعلاقة [إن كانت المشابهة فالمجاز استعارة، وإن كان غير المشابه فهو مجاز مرسل]، مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.

الاستعارة:

للأستاذ أحمد القلَّاش، تَشْبِيهٌ مُبَيِّنٌ للمصطلح ولشرطَي الاستعارة كذلك؛ شرط وجود علاقة المشابهة بين طرفيها، وشرط وجود أحدهما دون الآخر.

يستعير شخص من صديقه لباسًا، ولا تكون استعارته مناسبة إلا إذا كانت العلاقة بينهما المشابهة في مِقْيَاسِ الملبس؛ إذ ليس من المناسب “استعارة ثوب الطويل للقصير أو بالعكس؛ إذ لا تشابه بينهما في الطول والقصر”[7]. وكما أن الثوب المُسْتَعارَ حينما يلبسه المُسْتَعِيرُ لا يكون فيه إلا شخص واحد، كذلك في الاستعارة لا يوجد إلا لفظ واحد، إما المشبه أو المشبه به، فلا يجتمعان”[8].

الاستعارة التصريحية: يصرح فيها بلفظ المشبه به.

الاستعارة المكنية: يُكَنَى؛ أي: يُخْفَى ويُخَبَّأُ فيها المشبه به مع إبقاء ما يدل عليه أو يرمز له ويكون من لوازمه.

العَروض:

العَروض هو اسم المكان الذي وضع فيه الخليل بن أحمد الفَراهِيدِي هذا العلم، والكائن بين مكة والطائف[9].

وقيل: لأنه الميزان الذي يُعْرَض عليه الشعر.

 

كانت هذه محاولة بسيطة مع عينة يسيرة من ظواهر علوم اللغة المُدَرَّسَة، تغَيَّيت تبديد الضبابية التي قد تلفُّ فهم مثل هذه الظواهر المُصْطَلَحِ عليها بمصطلحات ذات علاقة بمدلولها وبقواعدها كذلك، ومن غير شك أنَّ تِبْيَانَها سيجعل الظاهرة أكثر فهمًا وأرسخ في الذاكرة.

 

المراجع:

البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، مديرية المنهاج والحياة المدرسية 2009.

السامرائي، فاضل صالح، معاني النحو، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الفكر ـ الأردن، 1420 هـ 2000 م.

الغَلاييني، مصطفى، جامع الدروس العربية، الطبعة الثانية، دار السلام، القاهرة، 1434 هـ / 2013.

 

القلَّاش، أحمد، تيسير البلاغة، رابطة العلماء السوريين، 2017.

 

الهاشمي، السيد أحمد، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، دار الكتب العلمية، لبنان.


[1] ينظر ما كتبه عن أصل التسمية انطلاقًا من الأصل الاشتقاقي [اسم مفعول/موصول] فاضل صالح السامرائي، معاني النحو، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الفكر ـ الأردن، 1420هـ 2000 م، ص 19.

[2] البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، مديرية المنهاج والحياة المدرسية 2009، ص 7.

[3] ينظر المرجع السابق [معاني النحو] ص 49.

[4] هنا أكَّد مؤلف كتاب”معاني النحو” أن اسم المفعول المطلق المؤكد، هو ليس مؤكدًا لفعله [الدال على الحدث والزمن] وإنما لمصدر الفعل [الدال على الحدث فقط]…ينظر: ص 50.

[5] مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، الطبعة الثانية، دار السلام، القاهرة، 1434هـ / 2013، ص 172.

[6] أحمد القلَّاش، تيسير البلاغة، رابطة العلماء السوريين، 2017، ص 69.

[7] نفس المرجع، ص72.

[9] السيد أحمد الهاشمي، ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، دار الكتب العلمية، لبنان، ص 4.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
رجال النجاشي، أحد الأصول الرجالية
خطوط تفصيلية عن إقتصاد المجتمع الإسلامي