من أقوال السلف فضائل الشام


من أقوال السلف فضائل الشام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

فإن لبلاد الشام فضائلَ كثيرة، وردت في القرآن الكريم، وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والآثار عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين؛ قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “قسم الله الخير، فجعله عشرة أعشار، فجعل تسعة أعشاره بالشام، وبقيته في سائر الأرضين”، وقال كعب الأحبار رحمه الله: “إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش”، وقال وهب بن منبه رحمه الله: “رأس الأرض الشام”، وقال أبو عبدالملك الجزري: “إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط، كان الشام في رخاء وعافية، وإذا كان الشام في بلاء وقحط، كانت فلسطين في رخاء وعافية، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كان بيت المقدس في رخاء وعافية”؛ [أورد هذه الآثار العلامة السيوطي رحمه الله، في كتابه (الدر المنثور في التفسير المأثور)، نقلًا عن الحافظ ابن عساكر رحمه الله].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء… حيث ذكر الله أرض الشام… ووصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها… وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها معراج ومسرى نبينا، ومنها معراجه، وبها ملكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد”.

 

وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: “من بركة الشام أن كثيرًا من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها مُهاجَرًا لخليله، وفيها أحد البيوت الثلاثة المقدسة؛ وهو بيت المقدس”.

 

وقال العلامة الألباني رحمه الله في كتابه (تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي): “فهذه أحاديث في فضائل الشام ودمشق… حتى يعلم الناس أن في فضل الشام أحاديثَ كثيرة صحيحة، خلافًا لظن بعض الكُتَّاب، وحتى يعرف المستوطنون فيه فضلَ ما أنعم الله به عليهم، فيقوموا بشكره بالعمل الصالح، وإخلاص العبادة لوجهه سبحانه وتعالى، وإلا فإن الأمر كما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنه: إن الأرض المقدسة لا تُقدِّس أحدًا، وإنما يقدس الإنسان عمله”.

 

وقال الشيخ محمد بن لطفي الصباغ رحمه الله: “بلاد الشام بلد واحد، طيب مبارك، وقد وردت نصوص من الكتاب والسنة تقرر فضله وبركته”.

للسلف رحمهم الله أقوال في فضائل الشام، مبنية على آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وردت في فضل الشام، جمعت بفضل من الله بعضًا من أقوالهم في ذلك، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.

 

بلاد الشام بارك الله جل وعلا فيها:

قال الله عز وجل: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 137].

 

قال الحسن رحمه الله: “أرض الشام”.

قال قتادة رحمه الله: “التي باركنا فيها الشام”.

قال ابن شوذب رحمه الله: “فلسطين”.

قال زيد بن أسلم رحمه الله: “قرى الشام”.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أُورِثوا مشارق الشام ومغاربها، بعد أن أُغرِق فرعون في اليم”.

 

قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: “الأرض… التي بارك فيها، لا يتصف بهذه الصفة وينفرد بها عن غيرها، إلا أرض الشام؛ لِما بها من الماء والشجر والنعم والفوائد”.

 

قال الله عز وجل: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

قال الإمام البغوي رحمه الله: “﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ يعني: بيت المقدس”.

 

قال مجاهد رحمه الله: “سماه مباركًا؛ لأنه مقر الأنبياء، ومهبِط الملائكة والوحي، ومنه يُحشر الناس يوم القيامة”.

 

قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: “والبركة حوله من جهتين؛ إحداهما: النبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر، وفي نواحيه ونواديه، والأخرى: النعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة التي خص الله الشام بها”.

 

قال الله جل وعلا: ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 70، 71].

 

قال أبي بن كعب رضي الله عنه: الشام.

 

قال الإمام القرطبي رحمه الله: “يريد نجينا إبراهيم ولوطًا إلى الأرض؛ أرض الشام”.

 

قال الله جل وعلا: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأنبياء: 81].

 

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “يعني أرض الشام”.

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [سبأ: 18].

 

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “قال مجاهد والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك بن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد وغيرهم: “يعني قرى الشام”.

 

الرسول عليه الصلاة والسلام دعا للشام بالبركة:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نَجْدِنا، قال: اللهم بارك في شامنا، اللهم بارك في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنُّه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن، وبها يطلُع قرن الشيطان))؛ [أخرجه البخاري].

 

قال العلامة الكرماني رحمه الله: “(شامنا) يريد به إقليم الشام، (يمننا) إقليم اليمن”.

 

قال الإمام الطيبي رحمه الله: “إنما دعا لهما بالبركة؛ لأن مولده بمكة وهي من اليمن، ومسكنه ومدفنه بالمدينة وهي من الشام”.

 

قال الإمام المباركفوري رحمه الله: “والظاهر في وجه تخصيص المكانين بالبركة؛ لأن طعام أهل المدينة مجلوب منهما”.

 

ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام:

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرِّقاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى للشام، فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها))؛ [أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، قال الألباني: حديث صحيح].

 

قال الإمام الطيبي رحمه الله: “ومعنى طوبى لك: أصبت خيرًا وطيبًا”.

 

قال الإمام المباركفوري رحمه الله: “قوله: ((طوبى للشام)) تأنيث أطيب؛ أي: راحة وطيب عيش حاصل لها، ولأهلها، ((باسطة أجنحتها عليها))؛ أي على بقعة الشام وأهلها، بالمحافظة عن الكفر؛ قاله القاري”.

 

قال المناوي رحمه الله: “أي: تحُفُّها وتحوطها بإنزال البركة، ودفع المهالك والمؤذيات”.

 

الطائفة المنصورة في الشام:

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة))؛ [أخرجه مسلم].

 

قال الإمام النووي رحمه الله: “قال معاذ: هم بالشام، وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس، وقيل: هم أهل الشام”.

 

قال العلامة الألباني رحمه الله: “واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام؛ لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية للمدينة المنورة، التي فيها نطق عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث الشريف، ففيه بشارة عظيمة لمن كان فيها من أنصار السنة، المتمسكين بها الذَّابِّين عنها، والصابرين في سبيل الدعوة إليها، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم”.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الثي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة))، وفيهما عن معاذ بن جبل قال: وهم بالشام.

 

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال أهل الغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة))؛ قال أحمد بن حنبل: أهل الغرب هم أهل الشام.

 

عن نصر بن علقمة الحضرمي – من أهل حمص – أن عمير بن الأسود، وكثير بن مرة الحضرمي قال: إن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان: لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال من أمتي عصابة قوَّامة على أمر الله عز وجل، لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداءها، كلما ذهب حرب، نشب حرب قوم آخرين، يُزِيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه، حتى تأتيهم الساعة، كأنها قطع الليل المظلم، فيفزعون لذلك، حتى يلبِسوا له أبدان الدروع، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم أهل الشام، ونكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعه يومئ بها إلى الشام حتى أوجعها))؛ [صححه الألباني برقم (3425)، وقال: أخرجه البخاري في التاريخ، ويعقوب بن سفيان في (المعرفة)].

 

قال العلامة الألباني رحمه الله: “وقد جاء في أهل الشام، وأنهم الطائفة المنصورة أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف، كنت أشرت إليها في الضعيفة، تحت الحديث (6104)، ثم وقفت على هذا، فبادرت لإخراجه هنا لصحة إسناده.

 

واعلم أن الشام هو الإقليم الشمالي من شبه جزيرة العرب؛ ويشمل: سوريا ومنها أنطاكية، والأردن، وفلسطين إلى عسقلان، كما في معجم البلدان.

 

دمشق من خير مدائن الشام:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن فسطاط المسلمين يوم الملحة بالغُوطة، إلى جانب مدينة يُقال لها: دمشق؛ من خير مدائن الشام))؛ [أخرجه أبو داود، وصححه الألباني].

 

قال عبدالله بن سلام رضي الله عنه: “دمشق معقل الناس في آخر الزمان من الملاحم”.

 

تكفَّل الله عز وجل بالشام وأهله:

عن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندةً: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: خِرْ يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام؛ فإنها خِيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إذ أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدَرِكم؛ فإن الله توكل لي بالشام وأهله))؛ [أخرجه أبو داود، وصححه الألباني].

 

قال الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله: “أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته وحفظه وحمايته، ومن حاطه الله تعالى وحفِظه، فلا ضَيعةَ عليه”.

قال الإمام ابن العربي رحمه الله: “وقد رُوِيَ: ((إن الله تكفَّل لي بالشام وأهله))، ورُوِيَ ((أن عمودًا من نور، رآه النبي عليه السلام في المنام أخذ من تحت رأسه، فذهب به إلى الشام، ألَا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام))، ((ألا إن الإيمان حين تقع الفتن بالشام))، وهذه أحاديث يرويها أهل الشام”.

 

قال الإمام الطيبي رحمه الله: “يعني: إن الشام مختار الله من أرضه، فلا يختارها إلا خير الله من عباده، فإن أبيتم أيها العرب ما اختاره الله تعالى، واخترتم بلادكم، ومسقط رأسكم من البوادي فالزموا يَمَنَكم، واسقوا من غُدَرِها؛ فإنها أوفق لكم من البوادي، ألَا ترى كيف جمع الضميرين في القريتين بعد أن أفرده في قوله: ((عليك بالشام))، فعُلِم من هذا أن الشام أولى بالاختيار، واليمن عند الاضطرار… فإن الله تعالى توكل… بالشام… والمعنى أنه تعالى ضمِن حفظها، وحفظ أهلها من بأس الكفرة واستيلائهم، بحيث يتخطفهم، وتدمرهم بالكلية”.

 

الشام عقر دار المؤمنين:

عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال: “كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: ((يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهادَ؛ قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إليَّ: أني مقبوض غير ملبَّث، وأنتم تتبعوني أفنادًا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام))؛ [أخرجه الإمام النسائي، وصححه العلامة الألباني].

 

قال الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله: “((عقر دار الإسلام الشام))؛ أي: أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن؛ أي: يكون الشام يومئذٍ آمنًا منها، وأهل الإسلام به أسلمَ”.

 

عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، أين تأمرني؟ قال: ها هنا، ونحا بيده نحو الشام))؛ [أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح].

 

قال الإمام ابن العربي رحمه الله: “ذكر حديث بهز حين حضه النبي صلى الله عليه وسلم على الشام وهو عند النبي عليه الصلاة والسلام: ((أين تأمرني أن أكون؟ قال: ها هنا، ونحا بيده نحو الشام)).

 

قال الإمام المناوي رحمه الله: “أي: الزموا سُكْناه؛ لكونها أرض المحشر والمنشر، أو المراد آخر الزمان؛ لأن جيوش المسلمين تنزوي إليها عند غلبة الفساد”.

 

خيار أهل الأرض من لزم الهجرة إلى الشام حين تكثر الفتن:

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستكون هجرةً بعد هجرةٍ، فخيار أهل الأرض ألزمُهم مُهاجَرَ إبراهيمَ، ويبقى في الأرض شِرار أهلها، تلفِظهم أرضوهم، تقذَرُهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير))؛ [أخرجه الإمام أبو داود، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة: 3203].

 

قال الإمام الطيبي رحمه الله: “المعنى: ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة… كأنه قيل سيحدث للناس مفارقة من الأوطان، وكل إنسان يفارق وطنه إلى آخر، يهجره هجرة بعد هجرة، فخيارهم من يهاجر أو يرغب إلى مهاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ وهو الشام… وذلك حين تكثر الفتن، ويقل القائمون بأمر الله تعالى في البلاد، ويستولي الكفرة الطغام على بلاد الشام، وتبقى الشام يسوسها العساكر الإسلامية منصورة على من ناوأهم، ظاهرين على الحق، حتى يقاتلوا الدجال؛ فالمهاجِرُ إليها حينئذٍ فارٌّ بدينه، ملتجئ إليها لصلاح آخرته، يُكثِّر سواد عباد الله الصالحين القائمين بأمر الله تعالى”.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أخبر أن خيار أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام”.

 

قال أبو أمامة رضي الله عنه قال: “لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق”؛ [رواه أحمد، وابن أبي شيبة].

 

قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: “يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام”؛ [رواه عبدالرزاق في مصنفه، والحاكم في مستدركه].

 

سُكنى الشام عند اقتراب الساعة؛ لأن المحشر يكون بها:

قال الإمام ابن العربي رحمه الله: “روى أبو عيسى حديثًا صحيحًا ((أن نارًا تخرج من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس، قالا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام))، وهذا حديث صحيح السند، صحيح المعنى، وفي الصحيح أنها تقيل مع الناس حين قالوا، وتبيت معهم أين باتوا، وهذا حديث لا تؤمن به المعتزلة ولا الْمُلْحدة؛ لأن نارًا تخرج من بحر باطل عندهم، تعسًا لهم قد رأوا الشجر الأخضر يخرج منه النار، وهذا عنوان ذلك ودليله، والمراد بهذا الحديث الصحيح، ((الكون بالشام عند اقتراب الساعة؛ لأن المحشر يكون بها))”.

 

قال الإمام الطيبي رحمه الله: “قوله: ((نار من نحو بحر حضرموت)) يحتمل أن يكون رأي العين، وهو الأصل، ويحتمل أنها فتنة عبَّر عنها بالنار، وعلى التقديرين، فالوجه فيه أنها قبل قيام الساعة؛ لأنهم قالوا: فما تأمرنا؟ يعني في التوقي عنها، فقال: ((عليكم بالشام))”.

 

لا خيرَ في الناس إذا فسد أهل الشام:

عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة))؛ [أخرجه الإمام الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].

 

قال الإمام ابن العربي رحمه الله: “وأما مدحه للشام عند الفتنة؛ فلأنه كان مأوى الجهاد والرباط، فإذا فسد أهله، فسد الناس كلهم؛ لأنهم إذا تركوا الجهاد ذَلُّوا”.

 

الشام أرض المحشر والمنشر:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “من شكَّ أن المحشر بالشام؛ فليقرأ هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ [الحشر: 2]، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: ((اخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر))”.

 

قال الحسن رحمه الله: “معنى أول الحشر: هو أن الشام أرض الحشر والمنشر”.

 

قال الإمام الطبري رحمه الله: “قوله: ﴿ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ [الحشر: 2] يقول تعالى ذكره: لأول الجمع في الدنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشام”.

 

قال ابن كثير رحمه الله: “سيَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعلى الشام؛ وهي أرض المحشر والمنشر”.

 

قال الإمام الشوكاني رحمه الله: “قيل: آخر الحشر هو حشر جميع الناس إلى أرض المحشر؛ وهي الشام”.





Source link

أترك تعليقا
مشاركة
خير المواعظ ما نفع
مكتبه السلطان – كتب صوتية مجانية لتعلم اللغة الفارسية