من أقوال السلف فيما يزيل الهموم ويشرح الصدور
من أقوال السلف فيما يزيل الهموم ويشرح الصدور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فالهموم والغموم والأحزان عذاب وضنك في الدنيا؛قال العلامة السعدي رحمه الله: “فُسِّرت المعيشة الضنك بعذاب القبر… وبعض المفسرين يرى أن المعيشة الضنك: عامة في دار الدنيا، بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم، والغموم، والآلام التي هي عذاب مُعجَّل، وفي دار البرزخ، وفي دار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقيدها”.
والهموم والغموم والأحزان لها تأثير كبير على صحة الإنسان وحالته النفسية؛ قال العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله: “الهم نصف الهرم”، فلا ينبغي التساهل بالهموم والأحزان؛ فقد تؤدي إلى الوفاة؛ قال العلامة المعلمي رحمه الله: “الغضب يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه، والحزن عكسه؛ ولذلك يقتل الحزن لا الغضب”.
وغموم القلب من أحزان وهموم لا تخفيها أموال أو مناصب؛ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “غموم القلب لا تواريها لذة مال، ولذة مطعم”.
فينبغي الحرص على دفعها قبل نزولها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الدعاء… والصدقة وغيرها من العبادات جعلها الله تعالى أسبابًا لحصول الخير، ودفع الشر، إذا فعلها العبد ابتداء”.
كما ينبغي الابتعاد عن أسبابها، ومنها: رؤية ما عند الناس من زينة الدنيا وزخرفها؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لا تتبع بصرك كل ما ترى في الناس؛ فإنه من يتبع بصره كل ما يرى في الناس يطُلْ حزنه، ولا يُشفَ غيظه”، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: “من يتبع نفسه ما يرى في الناس، يطُل حزنه، ولا يشفَ غيظه”.
ومنها: الإعراض عن ذكر الله عز وجل؛ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “رأيت سبب الهموم والغموم الإعراضَ عن الله عز وجل، والإقبال على الدنيا”.
ومنها: كثرة الحرص والطمع؛ قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: “كثرة الحرص والطمع تورث كثرة الغم والجزع”.
للسلف أقوال فيما يزيل الهموم ويشرح الصدور، يسر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
لا تفتح على نفسك الأحزان بقول “لو أني فعلت كذا”:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ [أخرجه مسلم].
جزى الله عنا نبينا خير الجزاء؛ فقد بيَّن لنا الحكمة من ذلك؛ حيث قال: ((فإن “لو” تفتح عمل الشيطان))؛ أي: تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تُخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت”.
لا تغتمَّ فرزق الله مضمون:
قال إبراهيم بن بشار: “أمسينا ليلة مع إبراهيم بن أدهم رحمهما الله وليس لنا شيء نفطر عليه، فرآني حزينًا، فقال: يا ابن بشار، لا تغتم فرزق الله مضمون سيأتيك”.
إذا بلغك عن أخيك ما يسؤوك فلا تغتم:
قال الإمام جعفر رحمه الله: “إذا بلغك عن أخيك ما يسؤوك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عُجِّلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها”.
لا تدخل الغم على عيالك ما استطعت:
قال إبراهيم بن إسحاق رحمه الله: “الرجل كل الرجل الذي يُدخل غمَّه على نفسه، ولا يُدخله على عياله، وقد كانت بي شقيقية – وجع يصيب الرأس والوجه – منذ أربعين سنة، ما أخبرت بها أحدًا قط”.
تخيل دوام اللذة في الجنة من غير منغِّص يفرح المغموم والمحزون:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “يا فرحة المغموم، ويا سرور المحزون، متى تخايل دوام اللذة في الجنة من غير منغص”.
التبسم سبب لانشراح الصدر، وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “كان صلى الله عليه وسلم – مما وُصف به – أنه كثير التبسم، دائم البِشْرِ، عليه الصلاة والسلام، فالتبسُّم يدل على الرضا وانشراح الصدر، وهو أيضًا سبب لانشراح الصدر، وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن، وجرِّب تجد”.
التحدث بنعم الله عز وجل يدفع الهم والغم:
قال العلامة السعدي رحمه الله: “التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها، حتى ولو كان العبد في حال فقرٍ أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا يُحصى لها عدٌّ ولا حساب، وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه نسبه”.
أعمال البر والإحسان إلى الخلق والصدقة تشرح الصدر وتزيل الهم:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “البر والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر، بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعًا وانبساطًا عما كان عليه قبل ذلك”.
• قال السعدي رحمه الله: “من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسانُ إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف… وبها يدفع الله عن البَرِّ والفاجر الهمومَ والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه، فيهون الله عليه بذل المعروف لِما يرجوه من الخير”.
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: “من فضائل الصدقة أنها سبب لشرح الصدر، وسرور القلب؛ لأن الإنسان كلما كثر إنفاقه في الخير، ازداد انشراح صدره للإسلام، وفرح بذلك”.
وسُئل: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب رحمه الله: “من العلاج أن يكون الإنسان باذلًا لمعروفه، سواء ببذل المال، أو ببذل المنافع، وبذل البدن يساعد إخوانه، أو ببذل الجاه؛ فإن هذا يوجب انشراح الصدر”.
طاعة الله تجلب السرور والسعادة:
• قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: “لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم، إذًا لَجالدونا عليه بأسيافهم… نحن – والله – الملوك والأغنياء، نحن – والله – الذين تعجَّلنا الراحة، لا نبالي على أي حال أصبحنا أو أمسينا إذا أطعنا الله”.
• قال ابن حزم رحمه الله: “كل أمل ظفرت به، فعقباه حزن، إما بذهابه عنك، وإما بذهابك عنه، ولا بد من أحد هذين السبيلين، إلا العمل لله عز وجل، فعقباه سرور في عاجل وآجل، أما في العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس… وأما في الآجل فالجنة”.
الدعاء بإخلاص بدعاء يونس عليه السلام ينجي من الغم:
قال الله عز وجل: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].
• قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: “قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88] يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب والغم، فيبتهل إلى الله داعيًا بإخلاص، إلا نجَّاه الله من ذلك الغم، ولا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا؛ وقد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعاء يونس المذكور: ((لم يَدْعُ به مسلم قط إلا استجاب له))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وغيرهم]، والآية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية كما ترى.
• سُئل العلامة العثيمين: أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين؟ فأجاب رحمه الله: “هناك شيء ينتفع به المرء؛ وهو أن يقول ما جاءت به السنة: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، هذه واحدة.
الثاني: أن يقرأ حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسالك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك – أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي))”.
وقال رحمه الله: “وليكثر أيضًا من هذا الدعاء: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25، 26].
الالتزام بأحكام الشريعة يزيل القلق والهم والغم:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “الشريعة كل أحكامها تزيل القلق والهم والغم… الشريعة كلها لإزالة الهم والغم عن بني آدم، حتى يبقوا فرحين مستبشرين دائمًا، وهذا كما أنه غذاء للقلب، فإنه غذاء للنفس والروح، وفي نفس الوقت غذاء للبدن، فإن البدن يتمدد وتزول عنه الآلام والأوجاع، إذا صار فرحًا مسرورًا… وإدخال السرور والفرح أمر ينتعش معه البدن، والقلب يطمئن”.
الإكثار من ذكر الله يشرح الصدر:
• قال العلامة السعدي رحمه الله: “من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثارُ من ذكر الله؛ فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]”.
• سُئل العلامة العثيمين: ماذا يفعل الإنسان إذا أحس بضيق في نفسه؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: “ليعلم أن من أُصيب بمثل هذا ثم أكْثَرَ من ذكر الله بلسانه وقلبه، فإنه لا بد أن تتغير حاله، ويطمئن قلبه؛ لقول الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، لو أن الناس كثر تعلقهم بالله سبحانه وتعالى وبذكره، لزالت عنهم هذه الأمور”.
وسئل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد، وجهوني مأجورين؟فأجاب الشيخ رحمه الله: “العلاج المناسب هو كثرة ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]”.
تبريد المصيبة بالتأسي بالغير:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: “فيه تبريد حر المصيبة بالتأسي بالنظير”.
الفرج مع الكرب، والشدة لا تدوم:
قال العلامة السعدي رحمه الله: “الله تعالى قدَّر من ألطافه وعوائده الجميلة أن الفرج مع الكرب، وأن مع اليسر مع العسر، وأن الضرورة لا تدوم، فإن حصل مع ذلك قوة التجاء، وشدة طمع بفضل الله، ورجاء وتضرع كثير ودعاء، فتح الله عليهم من خزائن جوده ما لا يخطر بالبال”.
الإيمان والعمل الصالح يطرد الخوف والحزن:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “الإيمان والعمل الصالح يطرد الخوف، ويطرد الحزن في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان أشرف الناس صدرًا، وأشدهم طمأنينة – أي: أشدهم طمأنينة في القلب – هم المؤمنين العاملون عملًا صالحًا؛ ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف”.
لا أحد أنعم بالًا، ولا أشد انشراحًا في الصدر، ولا أطيب نفسًا من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا، ازداد صدره انشراحًا، وقلبه طمأنينةً، وصار لا يرى شيئًا يحزنه إلا وفرح به؛ رجاء ثوابه عند الله عز وجل.
الطاعة لها تأثير بالغ على القلب وانشراح الصدر والسرور، والأنس والحياة الطيبة، أسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا جميعًا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
من فوائد قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84] أن كل محسن فإن الله تعالى يجعل له من كل همٍّ فرجًا.
قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
فهاتان آيتان تدلان على أن الإنسان كلما اتقى الله، زالت عنه الهموم وفرجت عنه.
الاهتمام بعمل اليوم مما يدفع به الهم والقلق:
• قال العلامة السعدي رحمه الله: “مما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي… فيكون العبد ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر”.
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: “الإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية، وحالة حاضرة، وحالة مستقبلة.
الماضية: يتناساها الإنسان، وما فيها من الهموم، انتهت بما عليه، إن كانت مصيبة، فقل: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، وتناساها.
حال مستقبلة: علمها عند الله عز وجل، اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاطلب لها الحل، لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له، استعد له.
وحال حاضرة: هي التي بإمكانك معالجتها، حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهم والغم والحزن، لتكون دائمًا مستريحًا، منشرح الصدر، مقبلًا على الله عز وجل، وعلى عبادته، وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية، وإذا جربت هذا استرحت، أما إن أتعبت نفسك بما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشرع، فاعلم أنك ستتعب، ويفوتك خير كثير”.
الابتعاد عن كل ما يجلب الهم والغم والحزن:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “كل شيء يجلب الهم والحزن والغم، فإن الشارع يريد منا أن نتجنبه… اجعل هذه نُصب عينيك دائمًا أن الله عز وجل يريد منك أن تكون دائمًا مسرورًا، بعيدًا عن الحزن”.
عدم الاهتمام بالدنيا يشرح الصدر:
سُئل العلامة ابن عثيمين: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: “من العلاج ألا يهتم الإنسان بأمور الدنيا، وألا يكون له همٌّ إلا الآخرة”.
الصلاة تذهب الأحزان:
قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: “قال الله عز وجل: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]؛ قال بعض العلماء: هذا الذي يحزنه من كلامهم قولهم له: أنت شاعر، ساحر، مجنون، هذا الذي جئت به أساطير الأولين، لا نقبل دينك، هذا الذي يؤذيه ويضيق به صدره، ويحزنه، وقد بيَّن له الله جل وعلا في آخر سورة الحجر علاج هذا الداء من هذا الذي يقولونه له فيحزنه، وبيَّن له أنه إذا أحزنه ذلك القول الذي يقولون أنه يبادر إلى الصلاة؛ فإن الصلاة يعينه الله بها، ويذهب عنه ذلك الحزن؛ كما قال: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].
وقال له في آخر سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ [الحجر: 97]، فرتَّب على ضيق صدره بما يقولون بالفاء قوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 98]، فعرفنا أن التسبيح، والصلاة، والإنابة إلى الله هو دواء ذلك الحزن والأذى، الذي يناله منهم؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم كما في حديث نعيم بن عمار كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
عدم حبس الدموع، فخروجها يريح النفس:
قال سفيان بن عيينة: “إن الدمعة إذا خرجت، استراح القلب”.
الحياة الطيبة لمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح:
قال العلامة السعدي رحمه الله: “قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فأخبر تعالى ووعد مَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذا الدار، وفي دار القرار، وسبب ذلك واضح فإن المؤمنين بالله الإيمان الصالح، المثمر للعمل الصالح، المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان، يتلقون المحابَّ والمسارَّ بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه، أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين… ويتلقون المكاره والمضار، والهم والغم، بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكن تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بدٌّ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره”.
ستة يجلبون لأنفسهم الكآبة، فاحرص على ألَّا تكون واحدًا منهم:
قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: “كان يقال: ستة لا يخلون من كآبة:
رجل افتقر بعد غِنًى.
غني يخاف على ماله النوى.
حقود.
حسود.
طالب مرتبة لا يبلغها قدره.
مخالط الأدباء بغير أدب.
التفاؤل يشرح الصدر:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: “التفاؤل يشرح الصدر، ويؤنس العبد، ويذهب الضيق الذي يوجبه الشيطان”.
نظر الإنسان إلى من هو دونه في أمور الدنيا يزيل قلقه وهمه:
• كان عون بن عبدالله بن عتبة رحمه الله يقول: “كنت أجالس الأغنياء، فكنت من أكثر الناس همًّا، وأكثرهم غمًّا، أرى مركبًا خيرًا من مركبي، وثوبًا خيرًا من ثوبي فأهتم، فجالست الفقراء فاسترحت”.
• قال العلامة السعدي رحمه الله: “من أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح؛ حيث قال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))، فإن العبد إذا وضع نصب عينيه هذا الملحظ الجليل، رآه يفوق قطعًا كثيرًا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنِعَمِ الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها”.
العمل للآخرة يجعل المسلم في سرور متصل أبدًا:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: “طَرْدُ الهمِّ مذهب قد اتفقت عليه الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى… وليس في العالم… أحد يستحسن الهم، ولا يريد إلا طرحه عن نفسه، فلما استقر في نفسي هذا العلم… بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم… فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة… ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم… وإن تعب فيما سلك فيه سر، فهو في سرور متصل أبدًا، وغيره بخلاف ذلك أبدًا”.
الاشتغال بعمل من الأعمال يدفع القلق:
قال العلامة السعدي رحمه الله: “من أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تُلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه”.
التوكل على الله يدفع الهموم والغموم:
قال العلامة السعدي رحمه الله: “من أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضًا للأمراض البدنية: قوة القلب، وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات، وانفعل قلبه للمؤثرات، من الخوف من الأمراض وغيرها، ومن الغضب والتشويش، ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة، ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام، ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه… فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له”.
استحباب التلبينة للمحزون والمهموم:
قال الإمام النووي رحمه الله: “قوله صلى الله عليه وسلم: ((التلبينة مُجِمَّة لفؤاد المريض، وتُذهب بعض الحزن))؛ أي: تريح فؤاده، وتزيل عنه الهم وتنشطه… وفيه استحباب التلبينة للمحزون”.
تسلية الحزين وتأنيس المهموم يشرح الصدر ويكشف الهم:
• مر أبو حازم سلمة بن دينار بأبي جعفر المديني رحمهما الله، وهو مكتئب حزين، فقال: ما لي أراك مكتئبًا حزينًا، وإن شئت أخبرتك، قال: أخبرني ما وراءك؟
قال أبو حازم: ذكرت ولدك من بعدك؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل، فإن كانوا لله أولياء فلا تخف عليهم الضَّيْعَة، وإن كانوا لله أعداء فلا تبالِ ما لقوا بعدك.
• نظر إبراهيم إلى رجل قد أُصيب بمال ومتاع، ووقع الحريق في دكانه، فاشتد جزعه حتى خُولط في عقله، فقال: يا عبدالله، إن المال مال، منعك به إذ شاء، وأخذه منك إذ شاء، فاصبر لأمره ولا تجزع، فإن من تمام شكر الله على العافية الصبرَ له على البليَّة.
• قال الإمام النووي رحمه الله:
يستحب للإنسان إذا رأى صاحبه ومن له حق واجمًا أن يسأله عن سببه، فيساعده فيما يمكن مساعدته أو يتحزن معه، أو يذكِّره بطريق يزول به ذلك العارض.
الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا وأراد إزالة همه، ومؤانسته بما يشرح صدره، ويكشف همه، ينبغي له أن يستأذنه في ذلك؛ كما قال عمر رضي الله عنه: ((استأنس يا رسول الله))؛ لأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيده همًّا.
الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا حزينًا، يُستحب له أن يحدثه بما يضحكه، أو يشغله، ويطيب نفسه.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((تَبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله))؛ معناه سواء بكيت عليه أم لا، فما زالت الملائكة تظله، أي: فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره فلا ينبغي البكاء على هذا، وفي هذا تسلية لها.
تأنيس من حصلت له مخافة من أمر، وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له.
قوله صلى الله عليه وسلم في الحيض: ((هذا شيء كتبه الله على بنات آدم))؛ هذا تسلية لها، وتخفيف لهمها.
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
تأنيس من نزل به أمر، بذكر تيسيره عليه، وتهوينه عليه.
المرء إذا رأى صاحبه مهمومًا استُحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه… ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير.
تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة.
تذكر هذا الحديث مما يخفف الحزن على من مات له حبيب من أهل وولد:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد، ولا أتخايل إلا بِلَى الأبدان في القبور، فأحزن لذلك، فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها؛ منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة، حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه)).
فرأيت أن الرحيل إلى الراحة، وأن هذا البدن ليس بشيء، لأنه مركب تفكَّك وفسد، وسيُبنى جديدًا يوم البعث فلا ينبغي أن يفكر في بلاه، ولتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة فلا يبقى كبيرُ حزن، وأن اللقاء للأحباب عن قرب”.
قراءة القرآن الكريم دواء للأمراض النفسية:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: “هناك أمراض لا ينفع فيها الأدوية الحسية مثل الأمراض النفسية، فلا ينفع فيها إلا القراءة، وليعلم أن الذي يشك في قراءة القارئ أو في نفثه لا يستفيد”.