من أقوال السلف في رمضان


من أقوال السلف في رمضان

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فنعمة عظيمة أن يبلغ المسلم شهر رمضان؛ شهر الرحمة والرضوان، والعتق من النيران، وأن يوفق فيه للصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يمنَّ الله عز وجل عليه بالتوبة من الذنوب والعصيان، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على مَنْ أقدره الله عليه…فمن رحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرِمَ خيره فهو المحروم، ومَنْ لم يتزوَّد لمعاده فيه فهو ملوم.

للسلف رحمهم الله أقوال كثيرة عن شهر رمضان، اخترتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

دعاء المسلم أن يبلغه الله عز وجل رمضان:

قال معلى بن الفضل رحمه الله: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يُبلِّغَهم رمضان.

 

دعاء المسلم عند قدوم رمضان بأن يعينه الله على الجد والاجتهاد فيه:

قال عبدالعزيز بن مروان رحمه الله: كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهُمَّ قد أظلَّنا شهر رمضان وحضر، فسَلْه لنا، وسلِّمْنا فيه، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد الاجتهاد والقوة والنشاط، وأعِذْنا من الفِتَن.

 

التهنئة بشهر رمضان:

قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: شهر رمضان شهر كريم، فيه خير عظيم، فالتهنئة به لا بأس بها، والحمد لله، مثل ما يُهنأ بالولد…كل هذه أمور بين المسلمين لا بأس بها.

 

استقبال شهر رمضان بالفرح والسرور:

قال العلامة ابن باز رحمه الله: لا أعلم شيئًا معينًا لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط، وشكر الله أنْ بَلَّغَه رمضان، ووفَّقَه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل.

قال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الواقع أن المسلمين يفرحون برمضان على وجهين:

الوجه الأول: مَن يفرَح برمضان؛ لأنه يَنْشَطُ في رمضان على العبادة، ويُكثِرُ من العبادة، وهذا لا شكَّ هو الأصل، وهو المقصود، وهو الطيِّب.

الوجه الثاني: من يفرح برمضان؛ لكثرة خيراته، وكثرة نِعَم الله عز وجل، وعفوه عن عباده، ولِما فيه من الأسباب الكثيرة التي يَغفِر الله بها للإنسان كالصيام مثلًا.

والذي ينبغي للإنسان أن يفرح برمضان للأمرين معًا، فيفرَح لأنه ينشَط على العبادة ويُكثِر منها ويتعبَّد الله عز وجل بقدر ما يستطيع، ويفرح به أيضًا لِما فيه الخيرات والبركات ونِعَم الله عز وجل، فإن فيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.

لما سُلْسِل الشيطان في رمضان لم يبق للعاصي عذر:

قال الإمام ابن رجب رحمه الله: لما سُلْسِل الشيطان في شهر رمضان، وخمدت نيران الشهوات بالصيام…لم يبق للعاصي عذر. يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشَّعي، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي….كم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة: لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة.

تصفيد الشياطين في رمضان:

قال ابن عبدالبر: قوله عليه الصلاة والسلام: ((صفدت فيه الشياطين أو سلسلت فيه الشياطين)) فمعناه…-والله أعلم- أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي؛ فلا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السنة.

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: المعاصي التي تقع في رمضان لا تُنافي ما ثبت من أن الشياطين تُصَفَّد في رمضان؛ لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها؛ ولذلك جاء في الحديث: ((تُصَفَّد فيه الشياطينُ، فلا يَخْلُصون إلى ما يَخْلُصون إليه في غيره))، وليس المراد أن الشياطين لا تتحرَّك أبدًا؛ بل هي تتحرَّك، وتُضِلُّ مَنْ تُضِلُّ؛ ولكنَّ عملَها في رمضان ليس كعملها في غيره.

يا أيها الغافل، جاءك شهر رمضان؛ شهر الرحمة والرضوان:

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: أيها الغافل عن الثواب الكبير، والساهي عن الملك الكبير، واللاهي عن لباس السُّنْدُس والحرير…أتاك شهر رمضان، المتضمن للرحمة والرضوان، وأنت مُصِرٌّ على الذنوب والعصيان، مقيم على الآثام والعدوان، متمادٍ في الجهالة والطغيان، متكلم بالغيبة والبهتان، متعرض لسخط الرحمن، قد تمكن من قلبك الشيطان، فألقى فيه الغفلة والنسيان، فأنساك نعيم الخلد والجنان، فظللت تعمل أعمال أهل النيران فإن كنت…كذلك، فكيف ترجو الفوز بالرضوان، والحلول في دار الخلد والأمان، والخلاص من دار العقوبة والهوان؟!…فخمص بطنك عن أكل الرِّبا والحرام، وأحبس لسانك عن الوقوع في جماعة الإسلام، وغُضَّ طرفك عمَّا هو عليك من أعظم الآثام، وهو النظر إلى ما لا يحل لك من حرم الأنام، وامتثل ما أمرك به أحكم الحُكَّام.

رمضان مدرسة للنفس:

قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا ربَّى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المُحَرَّمات، فسوف تتربَّى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس، تتمرَّن فيه على ترك المحبوب بمحبَّة الله عز وجل؛ أي: لأن الله يُحِبُّ ذلك، فإذا مرَّن الإنسان نفسَه في هذا الشهر كاملًا على ترك المألوف والمحبوب لنفسه، تبعًا لرِضا الله عز وجل ومحبَّته، فإن النفس سوف تتربَّى، وسوف تتغيَّر، وسوف يكون رمضانُ بمنزلة النار لصَهْر الحديد والذهب والفضَّة، حتى يخرج خالصًا نَقِيًّا من الشوائب.

ينبغي للإنسان أن يَنتبهَ إلى أن مواسمَ الخيرات أوقاتُ رِبْحٍ للإنسان الموفَّق، فالموفَّق ينتهزها بالعمل الصالح المقرِّب إلى الله عز وجل، ولا سيَّما في رمضان، فيتمرَّن في هذا الشهر على العبادة وعلى مكارم الأخلاق والإقبال على الله وما هي إلا أيام معدودة.

رمضان شهر الصبر:

قال الإمام الطبري رحمه الله: قيل لشهر رمضان “شهر الصبر”؛ لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارًا.

يجتمع في شهر رمضان جهادان:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: اعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما؛ وُفِّي أجره بغير حساب.

الصبي المميز يؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان:

& قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصبي…مهما بلغ سن التمييز، فينبغي ألَّا يُسامح في ترك الطهارة والصلاة، ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان.

هديه صلى الله عليه وسلم في صوم رمضان:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: كان من هديه صلى الله عليه وسلم ألَّا يدخل صوم رمضان إلا برؤية مُحقَّقة، أو بشهادة شاهدٍ واحد.

 

كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يُدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف.

 

وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة.

وسافر في رمضان، فصام وأفطر، وخُيِّر الصحابة بين الأمرين.

 

الجود والإنفاق في رمضان:

قال الإمام الشافعي رحمه الله: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم.

ذكر ابن أبي مريم عن أشياخه: أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة.

بدع منكرة في رمضان:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان…زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط للعبادة، وقد جرَّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب فأخَّروا الفطر وعجَّلوا السحور وخالفوا السنة.

 

شياطين الإنس قد يزدادون في رمضان:

سُئل العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: هل يُكبَّل شياطين الإنس في رمضان؟ فأجاب رحمه الله: ما بلغني، والواقع يشهد بأنهم قد يزدادون في رمضان، وشياطين الإنس أشد من شياطين الجن، فشياطين الجن تذهب بالاستعاذة، ويشهد لذلك أن الله ابتدأهم ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112].

رمضان وإن نقص عددًا فإنه لا ينقص أجرًا:

قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة))، وهذا معناه عندنا والله أعلم أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا سواء كانا من تسع وعشرين، أو من ثلاثين.

قال الإمام النووي رحمه الله: الأصَحُّ أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما.

 

شهر رمضان فرصة لمن ابتُلوا بشرب الدخان لتركه:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إنني بهذه المناسبة أزُفُّ إلى إخواني الذين ابتُلوا بشُرْب الدُّخان نصيحة باستقبال هذا الشهر المبارك: أن يحاولوا ترك الدخان؛ لأنه يسهل عليهم ذلك في هذا الشهر أكثر من غيره؛ إذ إنهم سيكونون في النهار مُمتنعين بحُكْم الصيام، وفي الليل يتلهَّون عنه بالقراءة، أو بأيِّ شيءٍ، فيتصبَّرون في الليل، فإذا مضى شهرٌ كاملٌ وهم لم يتناولوا الدخان، انقطع عنهم بإذن الله، فهي فرصةٌ أن يتوب الإنسان من شرب الدخان، ومَنِ استعان بالله أعانه، ومن اتَّقى الله جعل له مخرجًا، ومَنِ اتَّقى الله جعل له من أمره يُسْرًا، أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم من المتقين.

حال بعض السلف أن كل زمانهم رمضان:

قال الإمام ابن رجب رحمه الله: باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهَّبُون له ويستعدُّون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم، فقالوا: نتهيَّأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟ لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردُّوني عليهم.

ليل رمضان:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ليل رمضان أفضلُ من نهاره.

 

تسمية رمضان:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما اشتقاقه، فقال القاضي: قيل: سُمِّي رمضان؛ لأنه يرمُض الذنوب؛ أي: يحرقها ويُهلِكها.

 

فرح المؤمن والمنافق بانتهاء شهر رمضان:

قال العلَّامة صالح بن فوزان الفوزان: المؤمن يفرح بانتهاء الشهر؛ لأنه استعمله في العبادة والطاعة، فهو يرجو أجرَهُ وفضائله، والمنافقُ يفرح بانتهاء الشهر لينطلق إلى المعاصي والشهوات التي كان مسجونًا فيها في رمضان.

 

مَن يُهنَّأ ومَنْ يُعزَّى عند وداع رمضان:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يُنادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! من هذا المقبول فنُهنِّئه؟ ومن هذا المحروم فنُعزِّيه؟

وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول مِنَّا فنُهنِّئه؟ ومن هذا المحروم فنُعزِّيه؟ أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.

الدعاء بقبول رمضان:

قال معلى بن الفضل رحمه الله: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم.

من مات بعد صيام رمضان:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف يرون أن من مات عقيب عمل صالح، كصيام رمضان، أو عقيب حج أو عمرة، أنه يُرجَى له أن يدخل الجنة.

 

وختامًا: فيقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: اغتنم شهر رمضان المتضمن بالرحمة والرضوان…وانتبه من نومك…فإن ربَّك كريمٌ غفور، إلى أي وقت تعانق حوبتك، ولأي يوم تُؤخِّر توبتَك، إلى حول حائل، أو إلى عام قابل، كلَّا والله ما إليك الأقدار، ولا بيدك المقدار، لعلَّك إذا انقضى عنك شهر الصوم، لم يبق من عمرك إلا يوم، أين من كان معكم في رمضان الماضي؟ أما أفنته آفات المنون القواضي، أيُّها الغافل عن فضيلة هذا الشهر اعرف زمانك، يا كثير الحديث فيما يؤذي احفظ لسانك، يا مسئولًا عن أعماله اعقل شانَك، واطلب في هذا الشهر الرِّضا.

 

ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله:

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ
حتى عصى ربَّهُ في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تُصيِّرْه أيضًا شهر عصيان





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
معرفة السنن والآثار للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي تـ (458 هـ) تحقيق ودراسة الجزء الثاني من الكتاب ويبدأ من أول كتاب الصلاة حتى نهاية باب الرجل يصلي في بيته ثم يدرك الصلاة مع الإمام (الجزء الثاني) (PDF)
لا تقبله عيني