من الفوائد الإيمانية والتربوية لأحاديث عمدة الأحكام (1)
من الفوائد الإيمانية والتربوية لأحاديث عمدة الأحكام (1)
الحمد لله الواحد الديَّان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحابته الكرام، أما بعد:
فهذه الحلقة الأولى من سلسلة عنوانها: (من الفوائد الإيمانية والتربوية لأحاديث عمدة الأحكام)، نسأل الله بمنِّه وكرمه أن ييسر إتمامها، ويتقبلها، وينفع بها كاتبها وناشرها وقارئها:
• الحديث يُربي النفس على أن النية الخالصة هي أساس قبول العمل، وهي التي تُضفي عليه قيمته الحقيقية.
• ترسيخ مراقبة الله في السر والعلن، بحيث يجعل المسلم يُدرك أن الله يطلع على القلوب؛ مما يُربيه على استحضار النية الصالحة دائمًا.
• توجيه القلوب نحو الله في كل شؤون الحياة لكي يجعل المسلم هدفه الأول والأسمى هو رضا الله، سواء في العبادات أو في المعاملات.
• يُربي الحديث المسلم على أن القلب هو الأهم، وأن الأعمال الظاهرة لا قيمة لها إذا خلتْ من نية صادقة.
• وفيه أيضًا التربية على الزهد في الدنيا وتوجيه النفس إلى عدم التعلق بالمقاصد الدنيوية الزائلة، ويدعوها للارتباط بالأجر الأخروي الذي مداره على صحة النية.
• تعميق معنى المسؤولية الفردية؛ أي: إن كل إنسان مسؤول عن نيته وعن وجهة أعماله، فلا يُحمَّل أحدٌ وزر غيره، ولا يُنقَص من أجره شيء.
• يدعو الحديث المسلم إلى وضوح الأهداف، وأن تكون وجهته دائمًا سامية ومبنية على نية حسنة، وهي رضاء الله والدار الآخرة.
• الحديث يزرع في القلب قيمة الصدق مع النفس، بحيث يكون ظاهر الإنسان وباطنه متوافقين.
• يبين الحديث أن النية قد تضفي على العمل القليل أجرًا عظيمًا؛ مما يُشجِّع على استحضار النوايا الطيبة.
• يُرشد الحديث إلى أن الأعمال يجب أن تكون موجهة للآخرة، فهي الدار الأهم، أما الدنيا فهي وسيلة لا غاية.
• يدعو الحديث إلى فهم أن النية الصالحة في الآخرين هي موضع الاحترام، حتى لو بدا ظاهر العمل صغيرًا.
• يُربي المسلم على أن العمل الذي يُراد به غير الله لا قيمة له عند الله؛ مما يدفع إلى الحذر من الرياء والعمل للناس، وهي من أجل مقاصد الحديث.
• يجعل المسلم يدرك أن كل فعل، مهما كان دنيويًّا، يمكن أن يتحوَّل إلى عبادة إذا اقترن بنية صالحة.
• الحديث يُربي على التفكر الدائم في القصد والغاية من الأعمال، لتظل النية دائمًا موجهة لله.
• تعليم أهمية العناية بصلاح القلب؛ لأن إصلاح القلب هو السبيل لإصلاح العمل؛ مما يُبرز أهمية التربية القلبية.
• وفيه أن النية معيار يُراجع به الإنسان نفسه قبل كل عمل وفي أثناء العمل وبعده، فيتربى على محاسبة نفسه على التقصير ودوام المراقبة باستمرار.
• تعليم أن العبرة بالخواتيم، فكما تبدأ الأعمال بالنيات، فإن النيات قد تحكم نهاياتها؛ مما يُربي النفس على الاستمرار في الإخلاص حتى آخر العمل، ويحرص إلى عدم إبطاله مستقبلًا.
• وليعلم المسلم أن الأعمال المقرونة بنية صالحة تُبارك ولو كانت يسيرة في نظر صاحبها أو في نظر الناس، سواء كانت عبادات أو معاملات دنيوية.
•يجعل الحديث المسلم يُدرك أن الأعمال العظيمة ظاهريًّا قد تكون خاوية إذا خلت من النية، فيتجنب الغرور بها.
• غرس مفهوم الهجرة القلبية: الهجرة ليست فقط انتقالًا ماديًّا؛ بل حركة قلبية وسلوكية نحو الأفضل؛ مما يُربي على الهجرة من المعصية إلى الطاعة، ومن البدعة إلى السُّنَّة، ومن الجهل إلى العلم.
• يدعو الحديث إلى مراجعة النوايا باستمرار وتجديدها؛ لأن النية قد تتبدَّل مع الزمن.
•يوجه الحديث إلى أن الدنيا ليست هدفًا بحد ذاتها، لكنها وسيلة لتحقيق رضا الله والآخرة.
• يُعلم المسلم أن الجزاء الإلهي من الكريم سبحانه مبني على النية؛ مما يغرس في النفس قناعة عميقة بعدل الله ورجاء كرمه.
• وفيه تشجيع العمل الجماعي بنية صالحة، فيدرك المسلم أن النية الصالحة في العمل الجماعي تجعله مثمرًا ومقبولًا عند الله.
• تربية على الحذر من ضياع الجهود؛ لأن العمل بلا نية لله يضيع؛ مما يدفع المسلم لتصحيح النوايا قبل بدء أي جهد حتى لا يذهب هباءً منثورًا.
• يفتح الحديث آفاقًا لتوجيه أي عمل دنيوي ليكون وسيلة تقرب إلى الله، إذا صحت النية.
• يربي الحديث النفس على شكر الله على نعمة القدرة على النية، فهي مفتاح الأجر والثواب.
• يعلم المسلم أن العمل بنية صادقة يُضفي طمأنينة على النفس؛ لأنه مرتبط بهدف أسمى وأبقى؛ وهو حصول المثوبة من العليم سبحانه.
• إن هذا الحديث يختصر منهجًا تربويًّا عميقًا، يجعل المسلم يعيش حياته كلها في دائرة العبادة، مهما كانت أعماله صغيرة أو دنيوية، ما دامت متوجهة بنية خالصة إلى الله، كما أن في الحديث الشريف مدرسة في تزكية النفس، يُنقي القلوب من شوائب الدنيا، ويجعل الإنسان يعيش حياته مخلصًا لله، فيجد في ذلك صفاء القلب، وسكينة الروح، ورضا الله عز وجل.
موعظة:
أيها الأحبة، هل تأملتم يومًا في سِرِّ قبول الأعمال؟ هل تساءلتم: لماذا عملٌ صغيرٌ يُرفع، وعمل عظيم يُرد؟ إنها النية، هذا السر الخفي بين العبد وربِّه، الذي لا يطلع عليه أحد من الناس ليعلمه، ولا شيطان ليفسده.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. بهذه الكلمات وضع لنا دستورًا إيمانيًّا عظيمًا: ليس العبرة بكثرة العمل، بل بصفاء النية فيه، وبالتوجه الصادق إلى الله.
النية، يا إخوتي، ليست كلمات تقال؛ بل هي حركة القلب نحو الله. هي التي تجعل من العمل العادي عبادة، ومن القليل كثيرًا. أكلت لتتقوَّى على الطاعة؟ نمت لتستعيد قوتك لعبادة الله؟ عملت لتحفظ نفسك وأهلك من سؤال الناس؟ كلها تصبح عبادات إذا خالطتها نية صادقة.
ولكن احذروا، احذروا أن يدخل في نياتكم حب الثناء، أو السعي وراء مدح الناس، أو طلب الدنيا الفانية. مَن عمِل لغير الله، فإنما له ما قصد: فإن قصد دنيا، أخذها في الدنيا فقط، وإن قصد الله، نال الدنيا والآخرة معًا.
الدنيا تزول، والناس ينسون، ولكن ما كان لله يبقى، فتفَقَّدوا نياتكم، وجددوها في كل عمل، كبيرًا كان أو صغيرًا. اجعلوا الله وجهتكم، واطلبوا منه وحده الأجر، فإن الله لا يرد عبدًا أخلص له.
يا بن آدم، أصلح قلبك بإخلاص نيتك لخالقك، تصلح أعمالك، ويُصلح الله حياتك وآخرتك.
اللهم ارزقنا النيات الصادقة، والعمل الصالح الخالص، واجعلنا من عبادك الذين يقصدونك في كل خطوة وسعي.