من خصائص أهل السنة والجماعة (1)
من خصائص أهل السنة والجماعة (1)
الجمع بين الرحمة واللين والشدة والغلظة:
بخلاف غيرهم ممن يأخذ جانبًا من هدي السلف ويدع الجانب الآخر، فيأخذون بالشدة في جميع أحوالهم أو باللين في جميع أحوالهم.
أما أهل السنة فيجمعون بين هذا وهذا، وكل في موضعه، حسب ما تقتضيه المصلحة، ومقتضيات الأحوال.
الجمع بين العقل والعاطفة:
فعقولهم راجحة، وعواطفهم صادقة، ومعاييرهم منضبطة، فلم يغلِّبوا جانب العقل على العاطفة، ولا جانب العاطفة على العقل، وإنما جمعوا بينهما على أكمل وجه وأتمه، فمع أن عواطفهم قوية مشبوبة، فإن تلك العواطف تضبط بالعقل، وذلك العقل يضبط بالشرع.
العدل: فالعدل من أعظم المميزات لأهل السنة والجماعة:
فهم أعدل الناس، وأولاهم بامتثال قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 135]، حتى إن الطوائف الأخرى إذا تنازعت احتكمت إلى أهل السنة.
الأمانة العلمية:
فالأمانة زينة العلم، وروحه الذي يجعله زاكي الثمر، لذيذ المطعم، وأهل السنة لهم القِدحُ المعلى في ذلك الشأن، ومن مظاهر الأمانة العلمية عندهم: الأمانة في النقل، والبعد عن التزوير، وقلب الحقائق، وبتر النصوص، وتحريفها، فإذا نقلوا عن مخالف لهم نقلوا كلامه تامًّا، فلا يأخذون منه ما يوافق ما يذهبون إليه، ويدعون ما سواه؛ كي يدينوا المنقول عنه، وإنما ينقلون كلامه تامًّا، فإن كان حقًّا أقرُّوه، وإن كان باطلًا ردُّوه، وإن كان فيه وفيه، قبلوا الحق وردُّوا الباطل.
عدم الاختلاف في أصول الاعتقاد:
فالسلف الصالح لا يختلفون في أصل من أصول الدين، وقواعد الاعتقاد؛ فقولهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله واحد، وقولهم في الإيمان وتعريفه ومسائله واحد، وقولهم في القدر واحد، وهكذا في باقي الأصول.
ترك الخصومات في الدين ومجانبة أهل الخصومات:
لأن الخصومات مدعاةٌ للفرقة والفتنة، ومجلبةٌ للتعصب واتباع الهوى، ومطيةٌ للانتصار للنفس، والتشفي من الآخرين، وذريعة للقول على الله بغير علم.
الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق:
فهم حريصون كل الحرص على وَحدة المسلمين، ولَمِّ شعثهم، وجمع كلمتهم على الحق، وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم؛ لعلمهم أن الاجتماع رحمة، وأن الفرقة عذاب، ولأن الله عز وجل أمر بالائتلاف، ونهي عن الاختلاف؛ كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 102، 103].
بخلاف الذين يسعون للفرقة بين المسلمين، ويبذرون بذور الشقاق في صفوفهم، فيفرقونهم عند أدنى نازلة، ويحزبونهم ويؤلبون بعضهم على بعض، ويُغرون بعضهم ببعض.
هم أوسع الناس أفقًا:
وأبعدهم نظرًا، وأرحبهم بالخلاف صدرًا، وأكثرهم للمعاذير التماسًا، وهم لا يأنفون من سماع الحق، ولا تحرج صدورهم من قبوله، ولا يستنكفون من الرجوع إليه، والأخذ به، ثم إنهم لا يُلزمون الناس باجتهاداتهم، ولا يضللون كل من خالفهم.
أهل السنة أحسن الناس خلقًا:
وأكثرهم حلمًا وسماحة وتواضعًا، وأحرصهم دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال.
أهل السنة يدعون إلى دين الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة:
والمجادلة بالتي هي أحسن، ويسلكون في ذلك شتى الطرق المشروعة والمباحة؛ حتى يعرف الناس ربهم، فلا أحد أحرص منهم على هداية الخلق، ولا أحد أرحم منهم بالناس.
لا يوالون ولا يعادون إلا على أساس الدين:
فلا ينتصرون لأنفسهم، ولا يغضبون لها، وإنما يوالون على الدين، فولاؤُهم لله، وبراؤهم لله، ومواقفهم ثابتة، لا تتبدل ولا تتغير.
أهل السنة سالمون من تكفير بعضهم بعضًا:
فهم يردون على المخالف منهم، ويوضحون الحق للناس، بخلاف الذين يسارعون في إطلاق الأحكام، ويتهافتون على إلصاق التهم بالأبرياء، فَيُفَسِّقُون، ويُبدعون، ويُكفرون بالتهمة والظنة، من غير ما برهان أو بيِّنة.
أهل السنة والجماعة أكثر الناس رضًا ويقينًا، وطمأنينة، وإيمانًا، وأبعدهم عن الحيرة والاضطراب، والتخبط والتناقض:
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
أهل السنة والجماعة أعظم الناس تحقيقًا لتوحيد الله الذي بعث به المرسلين:والقائم على قضيتين متلازمتين؛ الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ودعوتهم الأساسية دعوة الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون ﴾ [الأنبياء: 25]، وقضية العقيدة والتوحيد عندهم أم القضايا، لا يجوز تخطيها، ولا تأجيلها، ولا المساومة عليها، بل يوادُّون ويبغضون فيها، ويوالون، ويعادون عليها، وهم بذلك يفارقون غيرهم من أهل البدع المنتسبين إلى الإسلام، الذين يسوِّغون الشرك، من خلال الغلو في الصالحين، وتعظيم المقبورين؛ قال سبحانه: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [الزمر: 17].
أهل السنة هم الذين يَحزَنُ الناسُ لفراقهم:
قال أيوب السختياني (ت: 131هـ) – رحمه الله-:
“إني أُخبرُ بموت الرجل من أهل السنة، فكأنما أفقد بعض أعضائي”.
وقال – رحمه الله – أيضًا: “إن الذين يتمنون موتَ أهل السُّنَّةِ يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله مُتِم نوره ولو كره الكافرون”[1].
هذه بعض مآثر أهل السنة والجماعة، وتلك بعض خصائصهم التي تميزوا بها على غيرهم، وليس معنى ذلك أن أهل السنة معصومون؟ لا، بل إن منهجهم هو المعصوم، وجماعتهم هي المعصومة، أما آحادهم فقد يقع منه الظلم والبغي، والعدوان، وارتكاب المخالفات، ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى غيرهم، ولا يُقَرُّ من فعل ذلك منهم، بل يبتعد عن السنة بقدر مخالفته، ثم إن ما عند أهل السنة من مخالفات وأخطاء، فعند غيرهم أكثر مما عندهم، وما عند غيرهم من فضل وعلم وكمال، فعند أهل السنة أكمله وأتمه، فما أجدرنا معاشر المسلمين أن نأخذ بمنهج أهل السنة والجماعة، وأن نوطن أنفسنا على ذلك، وما أحرانا نحن أهل السنة أن نقوم بالسنة حق القيام، وأن نقتدي بسلفنا الصالح في كل أمورنا؛ لنرضي ربنا جل وعلا، ولنعطي صورة مشرقة عن الإسلام الصحيح النقي؛ ليقبل الناس عليه، ويحرصوا على الدخول فيه، ولئلا نصبح فتنة لغيرنا من الكفار والمبتدعة[2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى رحمة واسعة – في تبيين عقيدة أهل السنة والجماعة جوابًا عمن سأله:
وختامًا قل:
أحبّ أهل السنة ولا أغالي وأبغض أهل البدع ولا أبالي
|
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 68).
[2] يُنظر: مقال بعنوان “خصائص أهل السنة والجماعة”، محيي الدين محمد عطية (الألوكة)، تاريخ الإضافة: 17/ 11/ 2016 م – 16/ 2/ 1438هـ. بتصرف.
تنبيه من الأهمية بمكان:
قد نقل الباحث الكثير من خصائص أهل السنة عن المقال المذكور آنفًا وزاد فيه وهذب حسب مقتضى الحال.
وكاتب المقال المذكور نقل خصائص أهل السنة بحذافيرها عن “مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة: (المفهوم والخصائص)” للشيخ المفضال الموفق والمسدد في كتاباته وأطروحاته الدكتور/ محمد بن إبراهيم الحمد – حفظه الله – وكتابه -هذا – قد حَظِي بتقريظ سماحة شيخنا الإمام ابن باز- رحمه الله – وقد نقل – كاتب المقال سالف الذكر – تلك الخصائص بحذافيرها عن كتاب – الدكتور/ الحمد- دون أن يعزوا ما نقله بالحرف والكلمة لقائله، فكان لزامًا عليه نسبة القول لقائله، وهذه هي أمانة العلم وبركته، والحمد لله رب العالمين.
[3] يُنظر: اللآلئ البهية شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية، المؤلف: أحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي: (ت: 1026هـ)، المحقق: إياد بن عبد اللطيف بن إبراهيم القيسي، الناشر: دار ابن حزم، سنة النشر: 1427هـ – 2006م-عدد المجلدات: 1، رقم الطبعة: 1.