من سير أعلام مسند الإمام [14] (الصحابي الذي كان يسبق الفرس عدوا)


من سير أعلام مسند الإمام [14]

(الصحابي الذي كان يسبق الفَرَس عَدْوًا)

كان أشهر الرُّماة في الإسلام وعداء للفَرَس، وكان من أصحاب بيعة الرضوان ثلاث مرات، إنه الصحابي الجليل سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه وأرضاه.

 

قال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

 

بايع رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: في أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول سلمة كما في الصحيحين: “.. فبايعته صلى الله عليه وسلم أول الناس، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال صلى الله عليه وسلم: «بايِع يا سلمة»، قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس! قال صلى الله عليه وسلم: «وأيضًا»، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا تبايعني يا سلمة؟!»، قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس! وفي أوسط الناس! قال صلى الله عليه وسلم: «وأيضًا»، قال: فبايعته الثالثة”.

 

وقد سُئِل رضي الله عنه عن تلك البيعة: على أي شيء كنتم تبايعون يومئذٍ؟ فقال رضي الله عنه: على الموت.

 

ومن مناقبه العديدة رضي الله عنه، أنه كان من أمْهَر الرُّماة، كما تقدم، فهو رامٍ لا يُخطئ، وعدَّاء لا يسبق، ومقدام لا يَهاب؛ ولذلك كان هو صاحب غزوة (ذي قَرَد)، فقد قام بها بمفرده ليستنقذ سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم من سارقيه حتى استردَّه كله، وذاق اللصوص منه مر المذاق، حتى لحقه الصحابة، وكرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الأشهاد.

 

والقصة كما في مسند الإمام أحمد رحمه الله: قال رضي الله عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع غلامه رباح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبدالرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، فقلت‏:‏ يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلِغْه أبا طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمت على أكمة، واستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا‏:‏ يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنَّبْل وأرتجز، أقول‏:‏ ‏

خُذْها‏ أنا ابنُ الأكْوَع
واليومُ يومُ الرُّضَّع

فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إليَّ فارس جلست في أصل الشجر، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلَّفْتُه وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم أتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحًا يستخفون، ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏،‏ حتى أتوا متضايقًا من ثنية فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إليَّ منهم أربعة في الجبل، قلت‏:‏ هل تعرفونني‏؟‏ أنا سلمة بن الأكوع، لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني فيدركني، فرجعوا‏،‏ فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر…) (كان يرعى فرس أبي طلحة بقوت يومه بعدما هاجر من مكة إلى المدينة وقد ترك أموالًا.. وخلف وراءه كل ما يملك).

 

ومن مناقبه رضي الله عنه أيضًا، كان بعد أن اصطلح المسلمون مع المشركين في صلح الحديبية يقول رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: “فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحتُ شوكَها، فاضطجعتُ في أصلِها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ، فأبغضتُهم، فتحوَّلتُ إلى شجرةٍ أُخرى، وعلَّقوا سلاحَهم. واضطجَعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مُنادٍ من أسفلِ الوادي: يا لَلمهاجرين! قُتِلَ ابنُ زُنَيمٍ، قال: “فاخترطتُ سَيفي ثم شددتُ على أولئِك الأربعةِ وهم رقودٌ، فأخذتُ سلاحَهم فجعلتُه ضِغثًا في يدي، قال: ثم قلتُ: والذي كرَّم وجهَ محمدٍ! لا يرفعُ أحدٌ منكم رأسَه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه”، قال: “ثم جئتُ بهم أسوقُهم إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: وجاء عمِّي عامرٌ برجل من العبلاتِ يقالُ له مكرزٍ، يقودُه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على فرسٍ مُجفَّفٍ في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: «دَعوهم يكن لهم بدءُ الفجورِ وثناه»، فعفا عنهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنزل اللهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 24].

 

وقد روى البخاري من حديث يزيد بن أبي عبيدة رضي الله عنه، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، علينا مرة أبو بكر، ومرة أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

 

وروى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “خير رجالنا سلمة بن الأكوع”.

 

توفي سنة أربع وسبعين، وكان من أبناء التسعين، وحديثه من عوالي صحيح البخاري رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وجمعنا معهم في الفردوس الأعلى من الجنة، آمين.

 

المصادر:

سير أعلام النبلاء للذهبي.

 

مسند الإمام أحمد بن حنبل.

 

شرح النووي على صحيح مسلم.

 

زاد المعاد لابن القيم.

 

الإصابة في تمييز الصحابة.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
من أحيا أرضا ميتة فهي له
من أقوال السلف في الرؤى